الأفكار أدناه وغيرها كانت ثمار حوار ونقاش مطولين مع الشخصية السورية المعارضة فاتح جاموس القيادي في “تيار طريق التغيير السلمي” والتي سبرنا عبرها مفاصل الأزمة السورية وسرديات أطرافها بمختلف الأجندات. تلك الشخصية الماركسية حتى العظم والخارجة على بيروقراطية الاتحاد الروسي الذي تحول بطريقة أو بأخرى لرأسمالية دولتية تصارع اليوم نظام القطب الأوحد.
فاتح جاموس المُعارض السوري العتيق بعلمالنيته المتأججة وبسوريته الخالصة ووجدانيته المتصالحة مع القضية الكردية رؤيةً وممارسة…بتحليله واستشرافه لمآلات الأزمة السورية منذ أكثر من 12 عاماً، عقب اندلاع موجة تظاهرات عارمة في مارس من العام 2011، والتي طالبت بالإصلاح أولاً، وتطورت لرفع سقفها والمطالبة بإسقاط المنظومة الحاكمة، مع مواجهة السلطة للمتظاهرين بالحديد والنار. هو معنا اليوم بهذا الحوار الذي لم يكن سهلاً التصالح مع بعض منعطفاته إلا أننا في منصة تارجيت الإعلامية نختلف مع ضيوفنا أحيانا ولكننا نفعل المستحيل لكي يقولوا آراءهم بكل حرية وشفافية.
ـ التحالف السلطوي الرأسمالي يتسبب بكارثة اقتصادية معيشية
ـ ما حصل في سوريا حراك شعبي، هو في المحتوى ثورة مُضادة
ـ بعد أحداث جسر الشغور، الصراع صار مسلحاً وعنيفاً بين الاصولية الدينية الفاشية، والديكتاتورية
ـ الطرفان غير ثوريان من منظور تاريخي، ولا يمكن أبداً لمثل هكذا صراعات أن تكون ثورية
ـ مَن قاد الموجة هي القوى الأصولية الاخوانية أساساً
ـ الحراك كان مُستعصياً على النخب والقوى الديموقراطية السورية، وجاهزاً لتقوده القوى الدينية الأصولية
ـ الجمهور وثقافته هي ذات طابع غير متوازن وطنياً
ـ كان هناك انقسام في نفس الجمهور المذهبي للغالبية المذهبية
ـ وجدنا في منظومتنا أن الفاشية الاصولية أكثر خطورة من الديكتاتورية
ـ تحولت مهمتنا المركزية من التغيير الديموقراطي، إلى إسقاط الاصولية
ـ لم ندخل ولسنا على استعداد للدخول بأي تحالف مع السلطة مع بقائها قمعية وديكتاتورية
ـ أي حل للأزمة السورية، غير مُمكن أبداً بدون حوار وطني داخلي
ـ المشروع الذي يحظى بإمكانية الانتصار هو مشروع السلطة السورية
ـ مشروع المعارضة الأصولية الفاشية يتآكل بشدة
ـ مشروع “مسد” أمامه عدة اشتراطات
ـ الحاجة التركية للتطبيع تجاوزت الضرورات الانتخابية التكتيكية
ـ الذي يجري في المنحيين من التطبيع التركي والعربي، لا دور لافت أبداً للمعارضة فيه، خاصة المعارضة الخارجية
وفيما يلي نص الحوار كاملاً:
– كمعارض سُوريّ مُنْذ زمن طويل، وَاحِد قِيادِيِّي الأحْزاب الشُّيوعيَّة فِي سُورْيَا، كَيْف تُقيِّمون الوضْع الحاليُّ فِي سُورْيَا؟
“عموماً هي حالة استمرار في الازمة والانقسام الوطني السوري، بل هي أكثر تعقيداً وخطورة، كما أن احتمالات تطورها تحتمل أمكانية أن تكون أكثر كارثية، فهناك وقائع تؤكد على الأقل صيغ تقسيم الأمر الواقع أراضي وجود السلطة، ومسد في الشمال الشرقي، والاصولية الفاشية في الشمال الغربي، أي إدلب، وهناك تركيز وتغذية خارجية خطرة على محافظة السويداء، كما أن منطقة التنف تعيش وضعية مشابهة للشمال الشرقي بدعم الاحتلال الأمريكي، وكلها صيغ مُهددة بسويات مختلفة لوحدة وسيادة الدولة والوطن السوري، صيغ تقطع بشدة أي دورة اقتصاد كبرى، تقطع صيغ التفاعل الاجتماعي والوطني والاقتصادي والسياسي السوري، أي تقطع صيغة عمل القوانين الوضعية مركزياً، ولا شك أن التحالف السلطوي الرأسمالي الفاسد وتركيبته من المافيا وأمراء الحرب والسلطويين المتنفذين يتسببون بكارثة اقتصادية معيشية، تُساهم مع الحصار الخارجي الوقح والكاذب بادعائه إنه يُعاقب السلطة المركزية وحلقات الدعم الأساسية حولها”.
“وأضيف حالة السعي الأمريكي الجادة في إعادة العنف، والتهديد التركي بعمليات احتلال أخرى واسعة، واستغلال نفس الحالة السورية المأزومة والمعقدة والمتناقضة في طرح حجج متشابهة من ادعاء التهديد”.
“صحيح إنه بعد زلزال ٦ شباط وما تلاه، قد تسارعت بعض الخطوات من دول عربية عدة تجاه السلطة السورية للتطبيع، وكذلك خط التصالح التركي السوري، وربما تصبح بمجموعها مفيدة جزئياً وذات دور إيجابي في تحسين الوضع السوري، لكنها ستكون مشروطة وبطيئة التأثير”.
“وكل ذلك سينعكس سلباً وكارثية أكثر فأكثر، بصورة خاصة على كتلة الغالبية الاجتماعية الشعبية، إن لم يكن صادقاً ولو بدرجة أولية، أو إن لم يبتعد منهجياً عن صيغة كسر العظم مع النظام”.
– هل تعْتبرون مَا حصل فِي سُورْيَا، أَزمَة، مُؤَامرَة، اِنْتفاضة، ثَورَة، ولماذَا؟
“اعتبر ما حصل في سوريا بدءً بأواسط آذار ٢٠١١ بالترافق مع ما سمي بالربيع العربي أو ثورات الربيع العربي، اسميه حراكاً شعبياً واسعاً من حيث الشكل، وفي نفس الوقت هو في المحتوى ثورة مُضادة بالمعنى العميق والمنهجي للمصطلح وبالمعنى الاستغراقي الكامل تقريباً، لأسباب عديدة، وعلى هذا الأساس، حصل خلاف سياسي وتنظيمي في حزبنا، حزب العمل الشيوعي، وشكلنا تياراً آخراً هو تيار طريق التغيير السلمي المعارض، وكانت الوقائع والقيم الأساسية في منظومة تفكيرنا على الوجه التالي:
1- ربما حصل التباس في ذهن ومقاربة الكثيرين للحراك ومطالبه وشعاراته، مما دفعهم لاعتباره ثورياً في مواجهة سلطة ديكتاتورية، كتلة اجتماعية واسعة، مطالب محقة، اشتراك نخب ذات طابع ديموقراطي، تم الاعتقاد إنها فاعلة وتقود الحراك، تلك الوقائع والتباسات المقاربة والخطأ فيها كانت ممكنة للأشهر الأولى أو العام الأول، لكن بعد أحداث جسر الشغور، واستيلاء المجموعات المسلحة ذات الأصول الإخوانية وجمهورهم، على القسم الكاسح من مواقع السلطة في ادلب وقطع طريق اللاذقية، يفترض أن الالتباس انتهى وأن الصراع صار مسلحاً وعنيفاً وانه غدا بين طرفين هما الأصولية الدينية الفاشية من جهة، والديكتاتورية من جهة ثانية، وفي هذه الحالة هو صراع عنيف وله طابع اجتماعي حمائي واحتضاني بكتلة لكل طرف بين مشروعين وطرفين استثنائيين أي غير ديموقراطيين في التصنيف المنهجي حتى الرأسمالي منه، أي طرفين غير ثوريين من منظور تاريخي، ولا يمكن أبدا لمثل هكذا صراعات ان تكون ثورية، ليس هذا فحسب، بل هو صراع مضاد للثورة، اي انه ثورة مضادة بالمعنى الفعلي.
2- في سوريا، بل حتى في بلدان الربيع العربي التي سبقت سوريا، لم تكن هناك وقائع فعل ثوري عميقة وصريحة، ما كان عميقاً وحتى على السطح هو تراكم فعل موجة صعود ديني سبق وجاءت على سوريا والجزائر وتونس ومصر، وكان واضحاً أن من قاد الموجة هي القوى الأصولية الاخوانية أساساً، وفي سوريا، بالتالي اتضح الأمر بعد أسابيع أو أشهر قليلة بالحد الأقصى، أن القوى الأصولية قد غدت في الموقع القيادي.
3- بالتأكيد بدأ الوضع الكُردي وكأنه استثناء في ذلك، بدأ كحراك شعبي تقوده قوى وطنية سياسية متنوعة، لكنه ظهر بدون أي مقدمات تراكمية، حتى أحداث آذار ٢٠٠٤ كانت ذات طابع قومي رد فعلي أكثر منها بكثير بصفتها تحركاً ثورياً بوقائع واضحة، كما أنه وكما ذكرت شكل اشتراك النخب السورية الديموقراطية بتنوعها التباساً آخراً لكن سريعاً اتضح أن لا نفوذ لها اطلاقاً على جمهور الحراك.
4- إذا استثنينا جمهور منطقة الشمال الشرقي، فان جمهور الحراك كان مستعصياً تماماً على النخب والقوى الديموقراطية السورية، كان فقط وفقط جاهزاً لتقوده القوى الدينية الأصولية، والأمر لم يكن أمر سرقة ثورة أو تحويلها وحرفها، بل كان توافقاً بين جمهور شعبي له طابع مُحدد وقوى أصولية دفعت باهظاً جداً في مواجهة السلطة في موجة الصراع الأولى الإخوانية (أعوام ٧٦،٨٢)، وتحولت إلى حالة بطولة في وعي ذلك الجمهور، المُعد بصورة ما ثقافياً وطقوسياً ومذهبياً ليكون جمهوراً للحركة الأصولية.
5- كان واضحاً وصريحاً أن بنية وتركيبة ذلك الجمهور وثقافته هي ذات طابع غير متوازن وطنياً، وكذلك اجتماعياً طبقياً، كان جمهوراً من مذهب مُحدد غير متوازن وطنياً وديموغرافياً، وغير متوازن طبقياً، بمعنى إنه لم تكن هناك تراكمات نضال طبقي سابق، لا بقيادة الطبقات المنتجة الشعبية وقواها اليسارية، لنعتبر أن هناك ثورة اجتماعية، وكذلك لم تكن هناك طبقة رأسمالية ديموقراطية في موقع قيادة الحراك، لنقول عنه ثوري من منظور ديموقراطي.
6- ومع ذلك كان هناك انقسام في نفس الجمهور المذهبي للغالبية المذهبية، فجمهور المدن الكبرى المُتدين أي جمهور وزارة الأوقاف والمدارس الصوفية وما يمثله من مرونة واعتدال، فإنه بقي رافضاً للعنف ورافضاً لقيادة الأصولية، بقي في صف السلطة أو رافضاً دعم الحراك، وهذا بدوره سحب من الحراك وقيادته أي مرونة واستنارة، فغدا في الصف الاصولي الفاشي أكثر فأكثر.
7- في كل الأحوال وعلى الرغم من أهمية ما يسجل بصورة إيجابية وثورية في صالح مسد ومواجهة قسد للأصولية في المنطقة وانتصارها عليها، إلا أنها دخلت عملية اتكاء وتحالف مع عدو الدولة السورية الأكثر خطورة أمريكا، من منظور جيوسياسي ومنظور الصراع مع الكيان الصهيوني، كما أن فعاليات المجلس الوطني الكُردي قد دخل في تحالف مع تركيا، بالرغم من كل ما فعلته تُجاه الأزمة السورية والقضية الكُردية خصوصاً، كل ذلك خلص التحرك الكُردي من الكثير جداً من خصوصيته الثورية إلى البراغماتية الانتهازية، وبدا في تحولات مواقفه وشعاراته وأهدافه غير مختلف عن المُعارضة الأصولية.
8- كان من الصعب علينا أخيراً أن نصدق بأن أمريكا والرهط الخليجي وتركيا بالصدفة، في موقع دعم عملية ثورية في سوريا، أي أنها غيرت جلدها بانقلاب ذاتي.
في تلك الحالة غير الثورية فعلياً والبعيدة عن الاحتمالات وآفاق التطور الثورية، وجدنا في منظومتنا أن الفاشية الاصولية أكثر خطورة من الديكتاتورية بحسب كل التجارب المشابهة، وبحسب التحليل المنهجي لموقع كل طرف منهما في سلم التطور التاريخي، وتحولت مهمتنا المركزية بالتالي من التغيير الديموقراطي بتغيير بنية وطبيعة السلطة نفسها، إلى إسقاط الاصولية وحلفها وداعميها من القوى الخارجية المحتلة، وكان موقفنا يعني في المحصلة مع الموقف السلبي وغير الفاعل لكتلة الغالبية الشعبية، والدور الضعيف للمعارضة الوطنية الداخلية مثلنا، كان يعني موضوعياً ان تستفيد السلطة منه، لكننا ذاتياً ومن يشبهنا، فإننا لم ندخل ولسنا على استعداد للدخول بأي تحالف مع السلطة مع بقائها قمعية وديكتاتورية، ولسنا في موقع الاحزاب الشيوعية الرسمية المتحالفة انتهازياً منذ زمن بعيد مع السلطة، لكننا نعتقد أن أي حل للأزمة السورية، غير مُمكن أبداً بدون حوار وطني داخلي بين السلطة وموالاتها والمعارضة الوطنية الداخلية والمجتمع المدني الحر بصورة ديموقراطية وسلمية وتدريجية آمنة وتوافقية وغير مشروطة، وهذه عملية مفتاحية حتمية في الخروج من الأزمة”.
ـ في اجابتك السابقة وصفت الحراك الكردي بالانزياح نحو البراغماتية الانتهازية وقارنت تحولات مواقفه وأهدافه وشعاراته مع الأصولية، ألا ترى أنها قد تكون براغماتية سياسية تستند الى لعبة السياسة؟ وثم ان مقارنة شعارات وأهداف ومواقف الحراك الكردي بالأصولية ألا تراه مجحفاً، بل ان هذه المقاربة تجانب الصواب أصلاً؟
أنا لم أقم بمقارنة شاملة .. قمت بمقارنة على بعض العناوين الأساسية لأظهر حدود التقاطع والتشابه والتحول والانزياح وعندما قمنا في تيارنا بتحديد شامل ومقارن في بنية وطابع القوى وتحولاتها في الأزمة السورية..وجدنا ولا نزال فروقات هامة بين المعارضة الأصولية ومسد..حددت توجهنا في الحوار مع مسد والالحاح فيه.. ورفض أي حوار مع الاصولية الفاشية وقوى الاحتلال التي تدعمها..وفي أساسيات منظومة مسد..التقاطع مع المعارضة الخارجية الاصولية في اعتبار الحراك ثورة وفي استمرار شروطها وفي مهمتها المركزية تغيير النظام او السلطة او التغيير الديموقراطي ..الجذري ..وكذلك في اعتماد كل منهما على قوة احتلال خارجية معادية للدولة السورية وليس للسلطة فحسب واكساب تلك القوى الاحتلالية شرعية الوجود…وكذلك اصرار مسد على التواجد في الهيئة العليا للتفاوض..تحديدا مع الأصولية.. وعلى اعتبار القرار ٢٢٥٤ أساس الخروج من الأزمة..وكل هذا وبعض غيره خلق انزياحات في نهج ودور مسد تتقاطع وتتقارب فيها مع معارضة الخارج الأصولية فعليا…في المقابل وعلى الرغم من ذلك فان معرفتنا ومقاربتنا لكامل القضية الكردية والأوجلانية ومسد فاننا لا نزال نرى أسبابا مهمة في اصرارنا على استمرار الحوار..وعلى ان تلعب مسد دورا هاما وأساسياً في اي مركز معارضة وطنية ديموقراطية داخلية..ترفض أي دعم أو قبول بقوى احتلال خارجية خاصة أمريكية وتركية وصهيونية..تقف بقوة بالتغاضي عن تناقضاتها في صف الكيان ومشروعه الجيوسياسي وتدمير الشروط والعوامل الجيوسياسية للدولة السورية بالتغاضي عن السلطة القائمة…
كما كلفنا موقفنا هذا في الإصرار على الحوار مع مسد وحضور كل دعواتها الحوارية المتناقصة في الداخل والمتزايدة في الخارج مع التركيز على جمع الفعاليات السورية التي تريد وتطالب بالدعم والتدخل الأمريكي.. اصرارنا ذلك يعرضنا دائما لقمع السلطة.. حتى توقيفي في المرة الأخيرة حين عودتي من ندوة تضامن مع المناضل أوجلان في الرقة…توقيفي من قبل نفس السلطة التي ندعو للحوار غير المشروط معها كما مع مسد.
– كُنتُم فِي فَترَة مَا، عُضْواً فِي مِنَصة مُوسْكو، لَو تتحدَّثون عن تِلْك الحقْبة وأسْبَاب اِنْسحابكم مِن المنَصَّة؟
“نعم كان تيارنا طرفاً ريادياً في منصة موسكو، حتى شعرنا أن حليفنا الرئيسي، حزب الإرادة الشعبية، من أهم قيادييه السيد قدري جميل، شعرنا أنه تحول للاهتمام بمنظومة أخرى مختلفة عميقاً مع المنظومة المشتركة التي شكلت أساس تحالفنا في جبهة التغيير والتحرير، وأساس تشاركنا في منصة موسكو، برز ذلك في طلب حليفنا السيد قدري مقابلة فورد، ولم يكن لهذا أي معنى إلا كسب ثقة الخارج الأمريكي بأن الإرادة الشعبية مُعارضة جادة للسلطة، ولمسنا ذلك من قناعته الجديدة بضرورة الانضمام إلى صفوف الهيئة العليا للتفاوض، التي كانت تعني لنا الانضمام إلى الصف الأمريكي والسعودي في أساس الموقف من الأزمة، عوضاً عن الاستمرار بصيغة المُعارضة الوطنية الداخلية، وبدأ الرفاق وكأنهم في وضعية عبادة للقرار ٢٢٥٤ ودوره، بينما كنا نرى فيه ولا نزال في أحسن حالاته، لحظة توافق روسي امريكي ليحسن كل طرف من شروط حليفه في الصراع، وإن تلك اللحظات التوافقية من قرار جنيف ٢٠١٢ حتى ما بعد ٢٢٥٤ كانت الخلافات والتناقضات المتصاعدة الروسية الامريكية تأكلها شيئاً فشيئاً، بل وجدنا في القرار ٢٢٥٤ انه قد غدا قراراً أمريكياً وكحجة في التدخل وتخريب أي عملية توافق حواري سوري-سوري”.
“كما لمسنا سلوكاً وممارسات تنظيمية استفرادية وغير ديموقراطية، فيها الكثير من اللعب والتشاطر، مما أفسد بعمق صيغة تحالفنا، وحاولنا بمتابعة وقوة استدراك الأمر فلم نستطع، كان حلفاؤنا بوضعية تسارع وإصرار في الانضمام إلى جوقة الهيئة العليا، هكذا قررنا من جهتنا ترك التحالف، وبالتالي منصة موسكو، وترك معنا السيد مُعتقل الراي السابق سليم خير بك على نفس الأسباب عموماً”.
– مِن الوقائع الثَّلَاث الموْجودة على الأرْض السُّوريَّة اليوْم، حُكُومَة دِمَشق، الإدارة الذَّاتيَّة لِشمال وشرْق سُورْيَا، الحكومة السُّوريَّة المؤقَّتة المعارضة، المسْتقْبل لَمِن؟
“بالتغاضي عن موقفنا السياسي ومنظومة تفكيرنا وآمالنا وبرنامجنا، الخ، في تيار طريق التغيير السلمي، فإننا نعتقد باستخدام وسائط التحليل والمقاربة الموضوعية والتفكير المستقبلي في احتمالات التطور موضوعياً خارج الرغبات، إن المشروع الذي يتقدم على أرض التناقضات والصراع والواقع، بالمعنى العسكري والجغرافي والسياسي، بالتالي المشروع الذي يحظى بإمكانية الانتصار هو مشروع السلطة السورية وعنوانه الحاسم والصريح إعادة إنتاج ذاته بالطابع الديكتاتوري والقمعي والاستفرادي في السلطة، إنما ببعض التحسين هنا وهناك، إذ ان قوة الوقائع بالمعنى الموضوعي الصرف لا تسمح له بما يريد تماماً، تماسك السلطة، دور الدولة واستخدامه لها، تحالفاته مهمة جداً من الموثوقية والقوة والأولويات وحاجتهم له أيضاً في التناقضات والصراعات الدائرة مركزياً على الصعيد العالمي، وحتمية قيام تعددية مراكز في إدارة العالم، أقول هذا على الرغم من مستوى الفساد والأذى الواقع على الفئات البينية التي كانت تشكل حاضناً طبقياً واجتماعياً وأمنياً وخزاناً للمقاتلين المدافعين عنه، عبر سياساته الطبقية التحالفية ونهجه الاقتصادي والحالة المعيشية، وكذلك التراجعات الواضحة على لياقة مؤسسات الدولة، باستثناء المؤسسة الأمنية ومؤسسات السلطة الفعلية، ومركزها القيادي والمراكز والحلقات الداعمة”.
“ان مشروع المعارضة الأصولية الفاشية يتآكل بشدة، مقسم بين أطراف شكلته ودعمته، والآن مُتناقضة بسياساتها تجاه سوريا ومستقبلها في سياق انهياري وانهزامي، بين الدور والرعاية التركية والخليجية والأمريكية لهذا الصف والتطورات القائمة في صفوفها، هذا المشروع تقادم ويتماوت بتسارع”.
“مشروع مسد بدوره وإن يعود ليتطور بصورة إيجابية على الصعيد الوطني كما حصل في بعض المراحل، أمامه عدة اشتراطات، أهمها التخلص من العامل الأمريكي كلياً، وتوقيف إعطائه أي شرعية في وجوده، ووقف كل سياسة توحي أو تؤدي إلى صيغة تقسيم الأمر الواقع، مع وقف الصيغ الاشتراطية في التفاوض مع السلطة، إلى صيغة الحوار السلمي غير الاشتراطي الآمن والتدريجي التراكمي والتوافقي، ووقف أي صيغة عمل عسكرية، والتحول إلى صيغ العمل الحزبي والمجتمعي السلمي، والتحول إلى سياسات مركزية في كل الميادين لصالح مجموع الشعب السوري في الطاقة والاقتصاد ودورته الكبرى، والتحول إلى حزب للجميع يشبه حزب الشعوب، والبدء فوراً بالتحول إلى مركز جذب للمعارضة الداخلية الوطنية الديموقراطية، بدلاً من عملية تجميع الفعاليات ذات الطابع الأمريكي، والثقة بهذا العامل وأنه المُنقذ عبر دبابته أو أشكال قواه الأخرى، هذا عامل مُتحول وبراغماتي بدرجة عالية، وستأتي شروط وزمن ليس بالبعيد، سيصبح فيه نهج مسد الاستقوائي بالعامل الأمريكي، وهو أكبر وأخطر اعداء الدولة السورية، حتى لو وضعنا السلطة جانباً، خاصةً في الصراع الجيوسياسي مع مشروع الكيان الصهيوني، وبدون إتباع مسد لمثل هذا التحول، ستأتي لحظة قريبة لن يكون أي سلوك براغماتي دفاعي أو تراجعي مفيداً في وقف هزيمة مشروعها، حتى بدون تأثيرات بسيطة، وبمثل هذه الاقتراحات والتركيز بشكل خاص على الحوار السريع وتشكيل مركز معارضة وطني بنهج وسياسات نقيضة والتخلص من العامل الأمريكي، فان تأثيرنا جميعاً داخل هذا المركز والتحالف سيكون كبيراً جداً في قيام عملية الحوار الوطني الداخلي المفتاحي للخروج من الأزمة، وسيلعب دوراً حاسماً في وقف مشروع السلطة بإعادة انتاج نفسها قمعياً”.
– هل لَا تَزَال رُوسْيَا مَصدَر إِلهَام لَكُم، بَعْد تجْربتهَا فِي سُورْيَا، وَفِي أُوكْرانْيَا؟
“في الأساس نحن من خلق وعاش تجربة حزب العمل الشيوعي الكفاحية في سوريا، جئنا من ظاهرة وبنية ماركسية غير تقليدية، كنا جزءاً عضوياً من ظاهرة اليسار الماركسي الجديد على مستوى عالمي، وكنا نعتبر الخط السوفييتي خطاً في الشيوعية انتهازياً واصلاحياً، ولنا موقف انتقادي تجاهه، إنما رفاقي، غير أعدائي، ونقدر قيمته العالية جداً في الصراع ضد الرأسمالية ومراكزها، وفي دعم وتعزيز حركات التحرر، بالتالي لم تكن مركز إلهام بالمعنى الفعلي العميق، وإذا أضفنا أن تربيتنا التنظيمية والقيمية كانت تحتقر البيروقراطية بكل أشكالها ومنها بيروقراطية السلطة السوفييتية، وكذلك كنا في موقع نقدي صريح لديكتاتورية الحزب والدولة هناك، كنا نعتقد بالأهمية القصوى لتعميم وسيادة ودعم نموذج سلطة السوفياتات، مع صمام أمان يشبه بمعنى ما صمام أمان المراكز الرأسمالية، بتشكيل القوى عبر حزبين رأسماليين والتشدد الكبير في حماية شكل الملكية والنظام الرأسمالي، لتبقى الحلقة والنتيجة رأسمالية عبر صندوق الاقتراع، وبالطبع بصمام وعامل أمان نقيض في الحالة السوفييتية”.
“هكذا يصبح من المستحيل أن تكون دولة الاتحاد الروسي وسلطته وقد غدت أحد المراكز الرأسمالية باختلاف الشروط والتوجه، يستحيل أن تكون مصدر إلهام لي، والسبب لا يتعلق أبداً بعد تجربة كل من سوريا وأوكرانيا، يتعلق بالعامل الإيديولوجي والنمط الرأسمالي عموماً، يتعلق أيضاً ببعض قضايا العمل الوطني والقومي والتناقضات والخلافات فيه، مثلاً مشروع الكيان الصهيوني وإسرائيل”.
“في المقابل وعلى العموم، بقي الاتحاد الروسي صديقاً للدولة السورية وكان دوره إيجابياً جداً في مواجهة الأصولية الفاشية وحماية الدولة، وكذلك اعتبر دوره دفاعياً ومتنبهاً بصورة مُسبقة على الدور الأوكراني الخطير في إطار خطط الناتو”.
“وعلى العموم للاتحاد الروسي دور حاسم في الصراع الأممي من أجل إدارة العالم بتعددية تتجاوز الهيمنة الأمريكية، وأنا مع هذا الدور الإيجابي في مستقبل البشرية، الذي سيبدأ ديموقراطياً مختلفاً عما هو قائم”.
“ومن الضرورة بمكان تقييم الدور الروسي الإيجابي جداً كأحد المراكز الحضارية بالمعنى التاريخي، وحقل علاقته الديموقراطية مع الشعوب والقوميات الأخرى، وكذلك قيمه الروحية ودورها السياسي في إطار ما يسمى بالأوراسية، وهي عوامل لا تتناقض عموماً مع قضايا الصراع الطبقي الوضعية وموقف الماركسية الأساسي بتبنيها، إنما الإشكال في أن التاريخ يعمل بموجات لها طابع وسمات وقيادات، وبهذا المعنى فإن دور المركز الروسي الاتحادي إيجابي، على الرغم من كونه رأسمالي، ومع كل ذلك فإن هذا النموذج لا يشكل إلهاماً لي، بل يشكل نموذجاً صراعياً مهماً وتقدمياً في حركة التاريخ النسبية وتطوراتها القائمة الآن”.
– تَسعَى تُرْكِيا وبَعْض الدُّول العربيَّة إِلى التَّطْبيع مع السُّلْطة فِي دِمَشق، كَيْف تُقيِّمون ذَلِك، ومَا مصير المعارضة المرْتبطة بِترْكِيَا، فِي تِلْك الحالة، ومَن المسْؤول بِرأْيكم عن هذَا الواقع، أَفعَال وخيارات المُعارضة السُّوريَّة أُمَّ الحكومات العربيَّة؟
“اعتقد أن الحاجة التركية الآن للتطبيع قد تجاوزت الضرورات الانتخابية التكتيكية، عادت لتصبح حاجة استراتيجية مرة أخرى، أصبح هذا قناعة عند أهل ونافذي الدولة التركية العميقة عند السلطة والمعارضة، غدا التدخل التركي تورطاً سلبياً يخلق المشكلة تلو الأخرى، وبطبيعة الحال هو أمر مهم ومفيد جداً للوضع السوري الوطني بكل جوانبه، بشرط التزام تركيا بالتراجع عن كامل آثار تدخلها وسلوكها الاحتلالي والداعم للأصولية الفاشية للمعارضة، هذا التطبيع بدءاً بخطواته الأولى الجدية إن حصل، سيفتح أبواباً وميادين مًختلفة إيجابية في حياة الأزمة السورية والشعب السوري، خاصة الوضع المعيشي الصعب، وكذلك تندرج في نفس السياق كل خطوات التطبيع التي تقوم بها الدول العربية أو الخليجية بشكل خاص، حتى ولو كانت أقل أو أضعف استقلالية من العامل التركي بكامل العلاقة مع أمريكا، ومهما تقدمت بشروط على النظام السوري أو تباطأت، فإنها في صالح الأزمة السورية، وبطبيعة الحال صالح السلطة السورية”.
“وفي كل الأحوال، فإن هذا الذي يجري في المنحيين من التطبيع التركي والعربي، لا دور لافت أبداً للمعارضة فيه، خاصة المعارضة الخارجية، إنها قراءات ومُقاربات مصالح دول وسلطات، وكلها في سياق الاختلاف والتناقض، وربما الصراع بأشكال غير عنيفة مع العامل الأمريكي، كُله ليس في صالح واشنطن، وليس في صالح حلفائها أو من يعتمدون على موقفها في تحقيق أهداف خاصة، أُشير هنا وأقصد بقولي الأصدقاء في مسد، وسيجدون أنفسهم ومشروعهم بين السندان والمطرقة، أن لم يقوموا بمراجعة شاملة وعميقة وسريعة لموقفهم، مُشيراً ومُذكراً لما تقدمت باقتراحات لبعض شروطه من أجل ذلك”.