بعد محادثات مكثفة في العاصمة الروسية موسكو، تخللتها سلسلة جولات من المحادثات الثنائية وجلسة مشاورات موسعة بين وفود كل من سوريا وتركيا وإيران وروسيا في إطار الاجتماع الرباعي بشأن التطبيع بين دمشق وأنقرة، اتفق المشاركون على مواصلة الاتصالات والمشاورات خلال الفترة المقبلة تحضيراً لاجتماع وزراء خارجية هذه الدول والذي سيعقد في موسكو أيضاً، وفق بيان مقتضب تلته الخارجية الروسية بعد انتهاء أعمال الاجتماع.
صحيفة “الشرق الأوسط” نقلت عن مصادر روسية مطلعة، أن الاجتماع “حقق تقدماً ملموساً” من خلال تأكيد الأطراف المشاركة على دفع مسار التطبيع بين تركيا وحكومة دمشق، وأن المحادثات كانت ذات “طابع فني وليس سياسياً” وأن التركيز خلالها كان منصباً ليس على الخروج بتوافقات سياسية للمسائل العالقة بين دمشق وأنقرة وهي كثيرة بل في ترتيب أجندة اللقاء المنتظر بين وزراء خارجية روسيا وسوريا وإيران وتركيا والذي تقرر تأجيله إلى شهر أيار المقبل.
وبعد الاجتماع، وجه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، خطاباً إلى المشاركين دعاهم فيه إلى إبداء مزيد من المرونة والتعامل بإيجابية خلال المشاورات بشأن الكثير من الملفات محل البحث، داعياً لإجراء مناقشات على أساس “الاحترام المتبادل لسيادة ووحدة أراضي سوريا وتركيا واستعادة علاقات حسن الجوار”، مشدداً على ضرورة “البحث عن أرضية مشتركة لتشكيل توازن في المصالح وتجنب الشروط المسبقة”
أجندة وأهداف وحسابات متناقضة للأطراف المجتمعة
وفي حديث لمنصة تارجيت، قال الأكاديمي السوري المعارض الدكتور يحيى العريضي: “إن لكل من الأطراف الأربعة نية وأجندة، أهداف، شروط وحسابات تختلف وتتناقض مع بعضها البعض، ولو اجتمعوا لأربعة عقود لن ينجزوا شيئاً إلا على حساب الشعب السوري وحقه وسيادة سوريا وحريتها”.
وأضاف الدكتور يحيى العريضي: “أن مجرد الخضوع لإرادة إيران من قبل روسيا ـ التي تعتبر نفسها وسيط ـ وتركيا التي لها مصالح مع إيران و(النظام) الذي تتغلغل فيه إيران وتحميه، دليل على وجود ثلاثة أطراف مقابل واحد، إذا اعتبرنا أن تركيا نصيرة أو داعمة لحق السوريين من خلال استضافتها للمعارضة الرسمية ولملايين السوريين النازحين على أرضها، وهكذا حال كفيل بألا يخرج أي اتفاق متوازن”.
شروط متبادلة بين الوفود المجتمعة في موسكو
من جانبها، قالت رئيسة تحرير منصة “وايت هاوس إن أرابيك” مرح البقاعي في تصريحات لتارجيت: “إن هناك شروط متبادلة تمت مناقشتها بين ممثلي الدول الأربع الذين اجتمعوا أكثر من مرة على المستوى الأمني والعسكري والدبلوماسي”، مضيفةً أن “للنظام السوري شرط الانسحاب التركي وللدولة التركية شرط لتحقيق هذا الانسحاب، وأن الرئيس التركي أردوغان يريد الانسحاب لكن بشكل تدريجي حتى يتخلص مما يسميه عبء المنطقة وعبء اللاجئين السوريين فهو يرسم مخطط لعودتهم إلى المنطقة بعد تأهيلها ثم انسحابه، وهذا يعني أن الرؤية مشتركة بين تركيا والنظام السوري بشأن الانسحاب لكن طريقة الانسحاب وتوقتيه ومدته الزمنية تختلف رؤيتها بين الطرفين، ومن المؤكد أيضاً أن روسيا تتوسط لإيجاد حل وسط بين الأمرين”.
بيان الخارجية الروسية بعد الاجتماع وما تضمنه عن “تحقيق تقدم ملموس واتسام اللقاء بالصراحة” بين الأطراف وتصريحات لافروف بشأن العمل على استكمال مسار التطبيع “دون شروط مسبقة” يسلط الضوء على الحديث عن ضغوطات روسية على حكومة دمشق للانخراط بالمحادثات وإجبارها على التخلي على بعض المطالب، كون ذلك يتناقض مع تصريحات وزير الخارجية السوري فيصل المقداد وبعده الرئيس السوري بشار الأسد، أن استكمال التطبيع مع تركيا مرتبط بعدة شروط أبرزها جدولة انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية، ويؤكد صحة ما كشفته مصادر روسية مطلعة عن أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أبلغ بشار الأسد خلال زيارة الأخير إلى موسكو، بجدية بلاده بدعم مسار التطبيع مع أنقرة، وأن هذا الأمر مرتبط بقوة برزمة كاملة من الخطوات اللاحقة لتهيئة الظروف للتسوية سياسياً واقتصادياً ومواجهة التدهور الاقتصادي والاجتماعي في سوريا.
دول مأزومة تلعب على عامل الوقت
وبحسب الدكتور العريضي، “فإن الكل مأزوم ويلعب على الوقت علّه يغيّر الأحوال، فتركيا بانتظار انتخاباتها الحاسمة التي تعطيها فرصة لإدارة الظهر لوضع يدها بيد “غاطسة في دماء السوريين” وما أن تظهر هذه النتائج حتى تنتهي هذه الإرهاصات، وما تريده تركيا لا يمكن للنظام أن يتحمله والعكس صحيح، إلى جانب انتظار حسم في الوضع الإيراني الداخلي وفي مشروع إيران النووي، فهي تنتظر تفاقم أزمة روسيا وتمرير اتفاقها مع السعودية دون استحقاقات تذكر تمس أذرعها، في حين أن “نظام الأسد” يراهن على الإقبال العربي وهزيمة أردوغان في الانتخابات ويغريه الاتفاق السعودي – الإيراني للاستغناء عن الانفتاح نحو تركيا، كما أنه يضع شروطاً بأوامر إيرانية وروسية لأن لا قرار له، وروسيا تنتظر بيأس انفراجاً في أوكرانيا، لكن يبقى الحاضر الغائب في كل ذلك أمريكا ومعها الغرب وبيدهما كل الأوراق التي تعطل أي إنجاز مهما صغر” إلى جانب وجود قوانين قيصر و”الكبتاغون” التي لا حل لها مع استمرار هذه المنظومة الاستبدادية في سوريا، وهذا ما يجعل كل هذه البهلوانيات أذرعاً تدور في الفراغ”.
ولفت إلى أنه “يبقى أصحاب القضية وأصحاب البلد الذي تتم عليهم الصفقات وتنفيذ المصالح وكأن لا وجود لهم، وهذا كفيل بأن يجعل أي توافق بين المتصافقين بلا قيمة، ويصبح هذا العامل أقوى وأكثر زخماً عند ظهور ذلك الصوت السوري للثورة، ليعكر على تلك الأطراف كل مخططاتها، وخاصة عندما يلقى الدعم الفعلي ممن لا مصلحة له بتفعيل مخططات ذلك التحالف الرباعي غير المقدس”.
البقاعي، أوضحت “أن خير من تحدث عن مستقبل التطبيع مع النظام السوري هي معاونة وزير الخارجية الأمريكي السيدة باربرا ليف الأسبوع الماضي، عندما قالت “لا نستطيع أن نمنع الدول من التطبيع مع بشار الأسد وهذا قرار داخلي يخص هذه الدول، لكن ماذا يستطيع بشار الأسد أن يقدم لها، هو يحتاجها ولا يستطيع أن يقدم لها إلا شيئاً واحداً هو مزيد من الإشكالات للدول المطبعة لأنه خاضع للعقوبات الأمريكية التي لن ترفع لا عنه ولا عن نظامه”.
لا نتائج إيجابية للتطبيع
رئيسة تحرير منصة “وايت هاوس إن أرابيك”، بينت “أنها لا ترى أي نتائج إيجابية للتطبيع إلا إذا كانت الدول العربية في اجتماعها القادم بالرياض، سواءً تمت دعوة بشار الأسد أم لم تتم، ستمارس أعلى أنواع الضغوط لتنفيذ قرار الأمم المتحدة “2254”، وإيجاد مجلس انتقالي في سوريا وإطلاق سراح المعتقلين، وهذا يعني أن الأمور ستتحسن وندخل في مرحلة انتقال سياسي مقبول إلى حد ما، ومحاولة استعادة الأمن والاستقرار في سوريا، وأن كل شيء أقل من تطبيق القرارات الأممية لن يجد في تحقيق الاستقرار لا في سوريا ولا المنطقة”.
معارضة أمريكية مستمرة للتطبيع مع حكومة دمشق
يأتي هذا، في ظل استمرار تأكيد الولايات المتحدة على موقفها الرافض تطبيع العلاقات أو تطبيع أي دولة أخرى للعلاقات مع حكومة دمشق أو رفع العقوبات عن الأخيرة، قبل البدء بمفاوضات تقود إلى حل سياسي حقيقي وفق قرارات الأمم المتحدة وعلى رأسها القرار اثنان وعشرون أربعة وخمسون وضمان العودة الآمنة للاجئين السوريين، حيث نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن مصادر أمريكية وصفتها بالمطلعة، أن مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية “سي آي أي” وليام بيرنز، أجرى زيارة غير معلنة إلى السعودية خلال الأيام القليلة الماضية، أبلغ خلالها المسؤولين السعوديين، “انزعاج واشنطن الشديد” من إبداء المملكة مرونة بشأن إعادة علاقاتها مع حكومة دمشق.