تتعالى أصوات السوريين المقيمين في المناطق الخاضعة لسيطرة ميليشيات “الجيش الوطني السوري” الموالي لتركيا يوماً بعد يوم، مستنكرة الجرائم والأفعال “التشبيحية” التي يتعرضون لها بشكل شبه يومي من قبل عناصر الفصائل المسلحة، التي ربما لم يكن آخرها اغتيال لاجىء فلسطيني في مخيم دير بلوط بريف عفرين شمالي حلب رمياً بالرصاص بعد الاعتداء عليه بأبشع الطرق قبل عدة أيام من وقوع الجريمة.
حيث أقدمت مجموعة مسلحة مؤلفة من خمسة أشخاص يستقلون سيارة تابعة لأحد الجهات العسكرية المتواجدة في المنطقة، الإثنين الفائت، على قتل الشاب “فالح يحيى الديراوي” في مخيم دير بلوط الذي يؤوي مهجرون فلسطينيون من أبناء مخيم اليرموك جنوبي دمشق، ما دفع قاطني المخيم إلى تنظيم احتجاجات واسعة تضمنت إشعال الإطارات وقطع الطريق الرئيسي الذي يصل محافظة إدلب بمناطق ريف حلب الشمالي، ومطالبة الجهات الأمنية بإلقاء القبض على قتلة الديرواي ومحاسبتهم في موقع الجريمة، كما وطالب المحتجون بوقف التعديات على قاطني المخيم في وقت تتزايد فيه الانتهاكات الإنسانية كالخطف والاعتقال والترهيب للمدنيين، إضافة إلى سرقة الممتلكات.
أعدموه بينما كان الصلح منتظراً
للوقوف أكثر على مجريات الجريمة قال الناشط أحمد خزاعي وهو “أحد أقارب القتيل وعضو في لجنة أولياء الدم التي شكلت بتكليف من ذوي الضحية” في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية: ” إن خلاف صغير جداً نشب بين الديراوي والقاتل المقرب من فصيل حركة نور الدين الزنكي، على إثر حادثة سير وقعت على الطريق الرئيسي الذي يقسم المخيم إلى قسمين، وتحولت حينها إلى عراك بالأيدي قبل أن يتدخل وجهاء من المنطقة لإنهاء الخلاف والاتفاق على موعد لاتمام عملية الصلح التي كانت من المفترض أن تتم بين الطرفين قبل مقتل فالح الديراوي بساعات”.
“أعدموه إعدام ميداني كما يفعل نظام الأسد والصهاينة” يقول خزاعي خلال حديثه مع “تارجيت”: “إن سيارة دفع رباعي تقل خمسة أشخاصاً مع السائق بحوزتهم بنادق كلاشنكوف، هاجموا الديراوي وأحد رفاقه عند مدخل المخيم قبل آذان المغرب حيث كانا يقودان دراجة نارية”، وأضاف عضو لجنة أولياء الدم أن “أحد المسلحين غافل القتيل وضربه بالبندقية على رأسه ليسقط أرضاً وينهال عليه البقية ضرباً بأسلحتهم ودعساً على رأسه بأقدامهم القذرة”، لافتاً إلى أن “ذلك حصل قبل أن يقدم أحدهم بإطلاق أربعة رصاصات على أقدام الشاب فالح الذي فارق الحياة في مشفى باب الهوى الحدودي مع تركيا من جراء النزيف الذي تعرض له قبل إسعافه إلى المشفى”.
مطالب أولياء الدم
وأوضح قريب القتيل أن أهالي مخيم دير بلوط قاموا بفتح الطريق الواصل بين منطقتي جنديرس في عفرين وأطمة في ريف إدلب، بعد تقديم وعود من الشرطة العسكرية في عفرين بتحقيق مطالب الأهالي في ملاحقة الجناة وتقديمهم إلى القضاء، مؤكداً أن حالة من الغضب والغليان الشعبي ما زالت تسود المخيم رغم مرور ستة أيام على الجريمة.
وكانت لجنة “أولياء الدم” المكلفة بمتابعة القضية قد قالت، الأربعاء الفائت، في بيان ألقى خلال وقفة في مخيم دير بلوط “نحن أولياء الدم بمحافظتي دمشق وريفها، وبصفتنا اللجنة المكلفة من أهل المغدور، بمتابعة القضية الخاصة بمقتل المغدور أبو زيد من قبل عدة أشخاص خارجين عن القانون، نطالب بتسليم القتلة بهذا الفعل الإجرامي”. كما طالبت اللجنة بناءا على طلب ذوي الضحية، بتسليم الأشخاص الضالعين بالجريمة وعددهم 6 أشخاص إلى محكمة أطمه، وأكدت على ضرورة الاستجابة من قبل من أسمتهم بـأهل الحل والعقد في الحكومة المؤقتة، وحكومة الإنقاذ، وميليشيات “الجيش الوطني”.
وأعلن البيان حينها، عن مبادرة “حسن نية” لفك الاستنفارات وفتح الطرقات أمام المارة على أمل تنفيذ المطالب خلال مهلة أقصاها 72 ساعة، فيما أشارت اللجنة لجميع الأجسام السياسية والثورية والعشائرية في المنطقة بأنهم لم يقوموا بفتح بيت عزاء للمغدور، ولكن مستعدين لاستقبال أي جهة لوضعهم بصورة الوضع ونقلها للجهات المسؤولة.
بيانات منددة وجريمة لن تمر
في سياق متصل، نددت “هيئة فلسطين للإغاثة والتنمية” في بيان لها بجريمة الاغتيال التي طالت أحد أبناء الشعب الفلسطيني في الشمال السوري، وطالبت بالقبض على المجرمين لينالوا جزاءهم العادل. يشار إلى أن أكثر من 1750 عائلة فلسطينية تقيم في مناطق الشمال السوري، حيث هناك قسم منهم استقر في منطقة عفرين شمال غربي حلب بعد تهجيرهم من ريف دمشق علم 2018، بينما يتواجد القسم الأكبر اللاجئين الفلسطينيين في منطقة إدلب، معظمهم من أبناء مخيم اليرموك.
وكانت مصادر محلية من المنطقة ذاتها قد كشفت لمنصة “تارجيت”؛ أن سكان مخيم دير بلوط توعدوا مرتكبي تلك الجريمة بأنها لن تمر دون محاسبة كما حدث من قبل، الأمر الذي ينبئ بتطورات متلاحقة قد لا تحمد عقباها، وفق المصادر ذاتها، إذ أوضحت أنه من بين المخاوف والتحذيرات، هو محاولة هيئة تحرير الشام “جبهة النصرة سابقاً” استغلال الفرصة والتقدم باتجاه دير بلوط والسيطرة عليها وعلى المناطق المحيطة فيها بحجة ضبط الأوضاع الأمنية هناك، لا سيما بعد مطالبات سكان جنديرس ودير بلوط بدخولهم إلى المنطقة لحمايتهم من ميليشيات “الجيش الوطني السوري”، وبالتالي عودة الاقتتالات ما بينها وبين الفصائل العاملة في المنطقة التي تعيش صراعات مستمرة.
وتشهد مختلف مناطق ريف حلب الشمالي الخاضعة لسيطرة تركيا وميليشيات “الجيش الوطني” الموالية لها منذ سنوات، اشتباكات فصائلية وحوداث قتل واغتيال زادت حدتها خلال الشهور الثلاثة الأخيرة وسط حالة من الفلتان الأمني دون وضع أي خطط لضبط الأمن، الأمر الذي أثار مخاوف سكان المنطقة من تصعيد الوضع وتفاقم الأزمة الأمنية والإنسانية.