الاجتماع الرباعي في موسكو.. كلٌ يغني لليلاه

اختلافات وتباين بالمواقف والشروط والمطالب بين الوفود المشاركة، وكلٌ يحاول فرض مصالحه، وبعد تأجيله لعدة أسابيع إثر عراقيل تتعلق بشروط وضعتها حكومة دمشق على تركيا، يعقد الاجتماع الرباعي بين نواب وزراء خارجية كل من سوريا وتركيا وروسيا وإيران في العاصمة الروسية موسكو، لبحث تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة، والذي كانت قد بدأته الأخيرة برعاية روسية منذ أواخر العام الماضي عبر لقاء ثلاثي في موسكو أيضاً ضم وزراء الدفاع ورؤساء الاستخبارات لسوريا وتركيا وروسيا.

اللقاء الذي كان من المقرر أن يعقد في الخامس عشر من آذار/ مارس الماضي، وتم تأجيله بسبب ما قالت مصادر حينها إنها الشروط التي تفرضها دمشق على أنقرة لإتمام المحادثات، يحمل طبيعة “فنية” وفق ما أعلنت الجهات المشاركة فيه، وسيمهد الطريق لبدء العمل على التفاوض الفعلي على مستوى وزراء خارجية سوريا وتركيا وروسيا وإيران التي كانت قد غابت عن لقاء وزراء الدفاع الثلاثي قبل أن تنخرط في المحادثات بشكل فعلي بناء على طلب روسي تركي، في إطار المساعي لإعادة تطبيع العلاقات بشكل كامل بين تركيا وحكومة دمشق، رغم وجود عراقيل كبيرة تجعل من إتمامه أمراً صعباً إن لم يكن مستحيلاً، وفق ما يقول محللون.

وكالة أنباء “سانا” التابعة لحكومة دمشق، كانت قد أعلنت يوم الأحد 2 أبريل، أن وفداً وزارياً سورياً برئاسة أيمن سوسان معاون وزير الخارجية السوري، غادر إلى العاصمة الروسية موسكو للمشاركة في الاجتماع الرباعي، قائلةً إن الوفد سيبحث خلال الاجتماعات إنهاء الوجود العسكري التركي على الأراضي السورية ووقف التدخل في الشؤون الداخلية لسوريا.

ورغم أن مسار التطبيع بين تركيا وحكومة دمشق كان قد بدأ منذ أشهر بناءً على رغبة الرئيس التركي رجب أردوغان، من أجل ما يقول معارضوه إنها محاولة استغلال المسار في الانتخابات الرئاسية القادمة التي أثبتت جميع استطلاعات الرأي تراجع شعبيته فيها أمام تحالف المعارضة، إلا أن هذا المسار لا يزال يشوبه الغموض وسط ترجيحات بعدم نجاحه خاصةً بعد أن طفت على السطح الخلافات في الطرح والتوصيف لكثير من الملفات.

تباين بالمواقف بين دمشق وموسكو بشأن الاحتلال التركي
خلافات بدت ملامحها واضحة من خلال تباين في المواقف بين روسيا وحكومة دمشق بشأن الاحتلال التركي للأراضي السورية، ففي حين قالت وكالة الأنباء السورية “سانا” إن وجهات النظر السورية والروسية متطابقة بشأن التأكيد على احترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها وإنهاء الوجود التركي غير الشرعي على الأراضي السورية، نفى مصدر دبلوماسي روسي رفض الكشف عن اسمه لصحيفة الشرق الأوسط صحة ما أوردته “سانا” معتبراً أن موقف بلاده يتمثل في أن التواجد التركي شمالي سوريا مهم ومستقبل هذا التواجد يجب أن يكون محور محادثات بين أنقرة ودمشق في وقت لاحق.

اللقاء الرباعي وسيلة لشراء الوقت قبل الانتخابات التركية
الكاتب الصحفي والمحلل السياسي نمرود سليمان، قال في حديث لمنصة تارجيت: “إن جميع اللقاءات بين الرباعي “روسيا وتركيا وإيران والنظام السوري” هدفها شراء الوقت إلى حين موعد الانتخابات التركية وما تسفر عنه هذه الانتخابات، حيث أن أردوغان والأسد لا مصلحة لهما في اللقاء خلال هذه المرحلة، لأن الأول سيخسر الكثير من “الأصوات الإسلامية” في تركيا في حين أن الأخير سيخسر دعم المعارضة التركية في حال فوزها بالانتخابات القادمة، مضيفاً أن بشار الأسد لا يريد الاتفاق مع تركيا حالياً لأنه مقتنع أن أردوغان زعيم الإسلاميين في العالم وهو “رجل إسلاموي” إلى جانب أنه متقلب جداً وقد ينقلب عليه في حال فوزه بالانتخابات، إلا أن الجانب الروسي ضغط عليه كثيراً من أجل الحضور إلى محادثات التطبيع.

ويتعارض الموقف الروسي المعلن حديثاً من التواجد التركي بالشمال السوري، مع ما طرحة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد خلال لقائه نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في دمشق بأعقاب اللقاء الثلاثي أواخر العام الماضي، ومن بعده الرئيس السوري بشار الأسد خلال زيارته لموسكو، والمتضمن اشتراط جدولة الانسحاب التركي من الأراضي السورية ووقف دعم “المجموعات الإرهابية” وعدم التدخل في الشؤون الداخلية السورية، من أجل المضي في عملية تطبيع العلاقات.

موقف روسيا سبقه، نشر نشطاء ومواقع إخبارية مقربة من حكومة دمشق، أن الوفد التركي رفض خلال محادثات مع نظيره الروسي قبيل انطلاق أعمال الاجتماع الرباعي بين نواب وزراء الخارجية، ليس فقط جدولة الانسحاب من الأراضي السورية، بل تسمية تواجد قواته بالشمال السوري بأنه احتلال.

دعم روسي كبير لأردوغان قبل الانتخابات القادمة
نمرود، أضاف أن موسكو تريد الاتفاق بين الأسد وأردوغان لأن ذلك سيساهم في نجاحات الأخير بالفترة القادمة، حيث أنه على خلاف مع حلف شمال الأطلسي “الناتو” والولايات المتحدة، بينما المعارضة التركية مؤيدة جداً للناتو وأمريكا وربما فوزها سيعيد تركيا إلى حضن الغرب، مشيراً إلى أن إيران تريد الاتفاق بين النظام السوري وتركيا لأنها تعيش مرحلة صعبة في كافة المجالات وتريد التهدئة بالمنطقة والدليل على ذلك اتفاقها الأخير مع السعودية.

حكومة دمشق أرغمت على حضور الاجتماع
من جانبه، وفي تصريحات لتارجيت، قال عضو الأمانة العامة في المجلس السوري للتغيير المستشار حسن الحريري، “إن الاجتماع الرباعي هو تتويج لتواصل منذ أشهر طويلة بين روسيا وتركيا وإيران، أسفرت في النهاية عن تفاهمات بين هذه القوى المنخرطة بالنزاع السوري، استدعت إشراك النظام السوري كونه الجهة التي ستقوم بالتنفيذ لتلك التفاهمات بين القوى الثلاث، لذلك ستشهد الأيام المقبلة إعلان للنتائج التي تم التوصل إليها، كما سنشهد مزيد من التنازلات من قبل النظام الذي أرغم على حضور الاجتماع بعد قيامه بوضع شروط تنازل عنها لاحقاً دون أي مقابل”.

وبحسب المستشار حسن الحريري، فإنه في حال التوصل لاتفاق على المطالب التركية وهي كثيرة وعلى رأسها شرعنة الوجود التركي في سوريا و”حفظ أمن تركيا على حدودها”، فمن الطبيعي أن تعود العلاقات بين تركيا والنظام السوري.

يأتي هذا، وسط استمرار غياب “المعارضة السورية” عن المشهد، رغم تكرار بعض رموزها لما يسمونه “التطمينات التركية” أن أي تطبيع مع حكومة دمشق لن يكون على حسابهم وسيتضمن “بنوداً تتعلق بالوضع بالشمال السوري”، إلا أن نشطاء يؤكدون أن عمومية مصطلح “تطمينات” وعدم توضيح ماهيته وتفاصيله، تثير الشكوك من الموقف التركي، وقد تجعل المنطقة عرضة لـ “صفقات” جديدة بين أنقرة ودمشق عرابتها روسيا، التي سبق وأبرمت صفقات عديدة مع الاحتلال التركي بالشمال السوري، كان ضحيتها بالدرجة الأولى المدنيون السوريون.

قد يعجبك ايضا