كثيراً مَا تَحدثَت تُرْكِيا عن نِيَّتهَا تَشكِيل مَناطِق آمنة فِي شَمَال سُورْيَا، على طُول حُدودِهَا الجنوبيَّة اَلتِي تَمتَد لِنَحو 900 كُمٍّ، وَشنَّت فِي سبيل ذَلِك ثَلَاث عمليَّات عَسكرِية تَمكنَت مِن خِلالِهَا مِن اِحتِلال مَناطِق كَثِيرَة غَربِي نَهْر اَلفُرات، أو الزَّاوية الشَّماليَّة الغرْبيَّة مِن سُورْيَا، وَالتِي تَشمَل إِدْلِب، وريف حلب اَلغرْبِي والشَّمال والشَّرْقيِّ.
لَكِن، وَمُنذ سيْطرتهَا على تِلْك المناطق، ورغْم أَنهَا أَضحَت سَنَوات كَثِيرَة، مُمْتدَّة مِن اَلْعام 2016، أيْ قَبْل نَحْو 7 سَنَوات، وَهِي مُدَّة أَكثَر مِن كَافِية لِبرْهَان فشل أو نَجَاح أيِّ تَجرِبة، تَبدُو الصُّورة قَاتِمة فِي أَغلَب المناطق الخاضعة لِلسَّيْطرة التُّرْكيَّة الفعْليَّة، والْمسْتترة تَحْت غِطَاء ميليشيات تطلق على نفسها مُسمَّى ” الجيْش الوطَنيِّ السُّوريِّ”، اَلذِي يَبدُو عُنْواناً بعيداً عن مُسَماه.
قَتْل ومُشاجرات
حَيْث لَا تَتَوقَّف الأخْبار اَلتِي يتناقلهَا النَّاشطون والْوسائل الإعْلاميَّة المحلِّيَّة، عن قِيَام مُسَلحِي “الجيْش الوطَنيِّ السُّوريِّ” والْمدنيِّين المدْعومين مِنْهم، بِجرائم قَتْل وانْتهاكات وَاسِعة، كَالتِي حَصلَت فِي جِنْديرس لَيلَة العشْرين مِن مَارِس، عِنْدمَا قُتِل أَربَعة مُواطنين كُرد مِن عَائِلة وَاحِدة بِذريعة إِيقادهم شُعلَة “عِيد النُّوروز”.
وَفِي هذا الصَّدد، أَكَّد ناشطون فِي الثَّاني والْعشْرين مِن مَارِس، قَتْل مُسلحين لمَدَنيَّة دَاخِل خَيمتِها فِي مَدِينَة جِنْديرس، أَمَام زوْجهَا المدْعوِّ “أَبُو بِلَال”، فِي وضح النَّهَار، بِالرَّغْم مِن الاِنتِشار اَلمُكثف لِلْحواجز، حيث كَانَت تَنحَدِر المدنيَّة مِن رِيف حلب الجنوبيِّ، وَزَوجهَا مِن مُحَافظَة حَمَاة، ووقعت الجريمة دُون مَعرِفة أَسبَابها ودوافعها.
بيْنمَا شَهدَت نَاحِية بَلبلَة بِريف عفْرين، تَوتُّراً واسْتنْفاراً عَسكَرِياً بَيْن مُسَلحِي “جَيْش النُّخْبة” مِن أَبنَاء قَبِيلَة الموالي، ومسلَّحي “فرقة السُّلْطان مُرَاد”، على خَلفِية إِطلَاق الأخيرة الرَّصَاص على بَعْض المدنيِّين المسْتوْطنين فِي قَريَة كُوَّتانَا بِالنَّاحية، وَهُم مِن أَبنَاء عَشِيرَة بُنِي عِزٌّ، مَا أَسفَر عن إِصابة عدد مِنْهم أَحدُهم أُصيب بِالشَّلل التَّامِّ.
إضافة إِلى ذَلِك، تَتَواصَل المشاجرات بَيْن المسلَّحين أو المدنيِّين المدْعومين مِن قِبلهم، فِي مَناطِق سَيطرَة “الجيْش الوطَنيِّ السُّوريِّ”، وفي السياق ذاته، جُرِح ثَلاثَة مدنيِّين مُسْتوْطنين فِي الرَّابع مِن أَبرِيل، خِلَال مُشَاجرَة وَقعَت بِسَبب خِلَاف على تَوزِيع الطَّعَام فِي مُخيَّم سَاحَة البازار بِمرْكز مَدِينَة عفْرين.
كمَا قال ناشطون أنَّ أَهالِي حيِّ الأشْرفيَّة في عفرين، ضَبطُوا مُسْتوْطناً مِن غُوطَة دِمَشق، يَقُوم بِرَبط الكلَاب الشَّاردة، وَمِن ثمَّ ذَبحُها وبيْع لَحْمهَا فِي مَدِينَة عفْرين، حَيْث قَامُوا بِتسْليمه إِلى الشُّرْطة العسْكريَّة، مُعْترِفًا أَنَّه ذَبْح 24 كلْبًا إِلى وَقْت القبْض عليْه.
أَمَّا فِي إِعزَاز، وبذات التَّاريخ (4 أبريل)، وَقعَت اِشْتباكات عَنِيفَة بَيْن مجْموعتيْنِ مُسلَّحتيْنِ مِن “تَجمُّع الشَّهْباء” و”الجبْهة الشَّاميَّة” فِي شَوارِع المدينة، بِريف حلب الشَّماليِّ، بِسَبب اِعتِداء عَناصِر المدْعوِّ “أَبُو زَيْد حسانو” المُنْحدر مِن بَلدَة عَنْدان بِريف حلب الشَّماليِّ، بِالضَّرْب اَلمُبرح على عِدَّة مُواطنين مِن أَهالِي بَلدَة حَيَّان، والْقاطنين بِمخيَّم مُلْهِم شَرْق مَدِينَة إِعزَاز، على طريق نَيَّارة ، لِيوجِّه أَهالِي حَيَّان نِدَاء لِمخيَّمات مَدِينَة إِعزَاز، لِلانْتقام مِن مَجمُوعة “حسانو”.
جَرِيمَة بِمخيَّم دَيْر بلُّوط واِعتِداء فِي مَارِع
فِي حِين شَهِد مُخيَّم لِلنَّازحين فِي قَريَة دَيْر بلُّوط بِريف جِنْديرس، جَرِيمَة قَتْل قام بِهَا مُسلَّحون وطالتْ المواطن “فَالِح الدِّيراوي” وَهُو مِن أُصُول فِلسْطينيَّة، وقد اِستقَر فِي المُخيَّم، بَعْد نُزوحه مِن مُخيَّم اليرْموك بِريف دِمَشق 2018، بيْنمَا المجْموعة المسلَّحة اَلتِي نَفذَت جَرِيمَة قَتلِه، فتنْحَدر مِن بَلدَة عنْجارة بِريف حلب الشَّماليِّ، وتابعون لِفصيل “نُور الدِّين اَلزنْكِي”.
كَذلِك، سَجَّل ناشطون اِعتِداء لِمجْموعة مُسَلحَة يقودهَا “سَعْد العبَّاس” من “لِوَاء الوقَّاص”، بِتارِيخ السَّادس مِن أَبرِيل، بِالضَّرْب اَلمُبرح على مُوَاطِن وَابنِه الذان يعْملَان فِي تَصلِيح السَّيَّارات، بِشارع بَيْت النَّجَّار وسط مَدِينَة مَارِع بِريف حلب الشَّماليِّ، عَقِب أن حَاوَل المسلَّحون إِجبَار المدَنيِّ على إِصلَاح سيَّارتهم بِشَكل مَجانِي، وَهُو مَا رَفضَه المدَنيُّ، لِيكون اَلرَّد ضَربَه وإطْلَاق النَّار عليْه وَعلَى اِبْنِه دَاخِل المحلِّ، مَا أَدَّى لِإصابتهم بِجروح، أَحدُهم كَانَت حالته حَرجَة.
عِصابات.. خلاصة الحال
ولتلْخيص الواقع فِي “المناطق التُّرْكيَّة اَلآمِنة” شَمَال غَرْب سُورْيَا، يَنبَغِي الاسْتماع إِلى لِسَان حال الأهالي هُنَاك، الَّذين ضَاقُوا ذرْعاً بِمَا وصلتْ إِلَيه أحْوالهم، حتى بَاتُوا لَا يأْمنون على حَياتِهم إِلى اليوْم التَّالي، دُون أن يتعرَّضوا فِيهَا لِإشْكَال قد يُودي بِحياة أحد أَفرَاد عائلاتهم.
وعلى هذا الصعيد، عَرضَت قَنَاة ” أُورْيَنْتْ ” المعارضة، وَالتِي يَسمَح لَهَا بِالْعَمل فِي المناطق الخاضعة لِلسَّيْطرة التُّرْكيَّة، بِتارِيخ الرَّابع مِن أَبرِيل الجاري، شَهادَة مُصَورَة مع مُسِن مُهجَّر مِن رِيف دِمَشق، أَدلَى فِيهَا الرَّجل بِشهادته حَوْل الواقع اَلمُعاش فِي “المناطق التُّرْكيَّة اَلآمِنة”، فَقَال: “السُّؤَال اَللَّي بِيطْرح نَفسَه، أَحنَّا يَا أَخِي مدنيِّين، صار لَنَا مُهجَّرِين مِن جَنُوب دِمَشق 6 سَنَوات، وَاَللَّه اَلعظِيم مُو مَسمُوح لِواحدنَا يُشَيل فَرْد فِلِّين، فَهذَا اَللَّي بَتدَعِي إِنَّك طارده (حَوْل زَعْم الفصائل عدم صِلتهَا بِالْمسلَّحين الَّذين يرْتكبون الجرائم المخْتلفة)، ومَا لَه عَلاقَة بِالْفصيل، وَمدَنِي، على أَسَاس انو معه سِلَاح، ومنيْن السِّلَاح”.
مُرْدِفاً: ” أنَا مُوَاطِن مَدنِي يَا أَخِي، مِثْلِي مِثْل أيِّ وَاحِد، عمٌّ تَدعُوا أَنَّه هُو مَدنِي، فالْمفْروض هُو مَا يَكُون يَملِك سِلَاح، لِيش آنيٍّ بِتحاسب إِذَا كان مَعِي فَرْد فِلِّين، وَمُو مَسمُوح لِي إِشيل، وَهُو مُشيلَه قَاذِف وآر بِي جِي و 23، وَبتدْعِي بس يَعمَل أيَّ جَرِيمَة قَتْل ، يتبنَّاهَا الإعْلاميِّين والنُّشطاء والنَّاس، فوْراً بِيطالْعوا بَيَان كَاذِب، لِأنَّهم هُم كَاذبِين، هُم مُنافقين، دَجالِين، عِبارة عن عِصابَات، مُرتزقَة ، لَا بِتزيُّد ولَا بِتْنقص، رَجعُوا نهوْا الثَّوْرة السُّوريَّة”.
وأكْمل اَلمسِن: ” اليوْم إِحنَا بِنْعتب على دُوَل اَلخلِيج، وبْنعْتب على أَمرِيكا، وبْنعْتب على بِريطانْيَا، وَعلَى العالم، على أَنهُم رَجعُوا عَومُوا بَشَّار الأسد، خسْأوَا وَاَللَّه هُم اَللَّي يعوموا بَشَّار الأسد، ( فِي إِشارة إِلى فَصائِل الجيْش الوطَنيِّ السُّوريِّ )، هذُّول اَللَّي بدعوا الفصائليَّة ، وبدعوا الثَّوْرة، ومالهم عَلاقَة بِالثَّوْرة، وليشْهد اَللَّه وليشْهد اَللَّه وليشْهد اَللَّه، إنهم عِبارة عن عِصابَات، قُطَّاع طُرُق، نهاراً جِهاراً، أيُّ فصيل بِيعْمل أيَّ عُنصُر عِنْده، مُشْكِلة، بشْكلْوَا مجْموعات، بِيفوتوا على الشُّرْطة العسْكريَّة، وَأنَا مَسؤُول عن كَلامِي، بِيشيلوه وبضلْوَا طَالعِين، وبمسحوا كرامتهم كَمَان”، (وَهُو يَقصِد بِأن أيْ مُسلَّح يَجرِي القبْض عليْه مِن قِبل الشُّرْطة العسْكريَّة، يَستطِيع مُسلَّحون مِن اَلفصِيل اَلذِي يعْمله معه، إِنْقاذه وإخْراجه مِن السِّجْن).
وأشار اَلمسِن : “الشُرطَة العَسكرِية، الشُرطَة المَدَنيَّة، مُؤسسَات عِبارة عن هَياكِل، مَا إِلَها عَلاقَة بِالْمؤسَّسات، بس هَياكِل، وَتَتبَّع لِلْعصابات فِي النِّهاية، اليوْم صَارَت جَرِيمَة قَتْل، وَمِن أُسبُوع، وَمِن عَشرَة أَيَّام، جَرِيمَة قَتْل، صِرْنَا كُلَّ يَوْم عمٍّ نُفيق على جَرِيمَة قَتْل، كُلُّ يَوْم عمٍّ نَسمَع جَرِيمَة قَتْل، تَهجُرنا مِن بُيوتِنَا وتهْجرنَا مِن مناطقنَا وَرَضينَا بِالْخيام، لِحَتى نُحَافِظ على دِيننَا وَعلَى كرامتنَا، بس هَذُولَا وَاَللَّه اَلعظِيم أفْقدونَا إِيَّاهم كُلِّيَّاتهم”.
لِتفْتح شَهادَة الرَّجل اَلمسِن، والْجرائم المتواصلة فِي شَمَال غَرْب سُورْيَا، الباب مُشْرعاً على كَافَّة الاحْتمالات بِخصوص المناطق التُّرْكيَّة اَلآمِنة، فلَا هِي آمنة لَمِن فِيهَا، ولَا هِي بِقادِرة على اِسْتيعاب اللَّاجئين السُّوريِّين مِن تُرْكِيا، ولَا تُرْكِيا قَادِرة على جَعْل السُّوريِّين يُصدِّقون أَنهَا تَسعَى لِتأْمِين حَياتِهم عَبْر شنِّ عمليَّات عَسكرِية جَدِيدَة لِاحْتلال اَلمزِيد مِن اَلشرِيط الحدوديِّ، كمَا يَبدُو أنَّ وُجُود تُرْكِيا و “الجيْش الوطَنيُّ السُّوريُّ” فِي تِلْك المناطق، قد بات مُهَدداً إِلى حدٍّ بعيد.