مجزرة جنديرس.. تحقيق “مشبوه” للاحتلال التركي ومحاولة طمس الجريمة

بعد أكثر من عشرة أيام على مجزرة جنديرس بريف عفرين شمال غربي سوريا، التي ذهب ضحيتها أربعة مدنيين كرد وأصيب ثلاثة آخرون على يد ميليشيات الجيش الوطني فصيل “جيش الشرقية” التابع للاحتلال التركي عشية عيد النوروز، وإثر مظاهرات شعبية عارمة ومطالبات من منظمات حقوقية محلية ودولية وجهات رسمية عديدة، بفتح تحقيق عادل بالمجزرة وتقديم المسؤولين عنها للقضاء لينالوا جزاءهم، أعلنت الفصائل ومن ورائها الاحتلال و”الائتلاف السوري” بدء تحقيقات بذلك، يقول ناشطون وحقوقيون، إنها معروفة النتائج وتأتي في سياق واحد هو اختزالها في الجانب الجنائي وأنها جاءت ضمن ممارسات فردية للمنفذين.

مصادر من داخل منطقة عفرين، أفادت أن “لجنة قضائية” تابعة للاحتلال التركي برئاسة المدعو “طه الرشواني” قامت مع ستة عناصر من “الشرطة العسكرية” بزيارة منزل ضحايا نوروز في ناحية جنديرس، في سياق تحقيق تجريه سلطات الاحتلال لمعرفة حيثيات الجريمة وتوثيق إفادات ذويهم، مؤكدةً أن اللجنة المذكورة أجبرتهم على التوقيع على أوراق بيضاء بشأن إفاداتهم مخالفةً الأصول القضائية المعمول بها في جميع أنحاء العالم، كما أن التحقيقات تأتي في سياق محاولة الاحتلال تهدئة الرأي العام في منطقة عفرين، لاسيما بعد المظاهرات الشعبية العارمة والوقفات الاحتجاجية التي شهدتها المنطقة تنديداً بالمجزرة وللمطالبة بتقديم الجناة للعدالة.

المتحدث باسم منظمة عفرين لحقوق الإنسان إبراهيم شيخو، قال في حديث لمنصة تارجيت الإعلامية إن: “السلطات المحلية في منطقة عفرين تريد طمس هذه الجريمة، من خلال إرسال لجنة تحقيق” مؤلفة من قاض وستة عناصر من الشرطة العسكرية لمنزل الضحايا لأخذ إفاداتهم، مشيراً إلى أنه تم إجبار بعضهم على الإمضاء على أوراق بيضاء بحجة عدم امتلاك الوقت لأخذ إفاداتهم، ما يثير الشكوك والمخاوف من تغيير وحرف مجرى التحقيق”.

عشرات الجرائم ضد الكرد في عفرين دون محاسبة
شيخو، أضاف أن “جميع المحاكم ولجان التحقيق التي يتم تشكيلها في منطقة عفرين هي تتبع لميليشيات الجيش الوطني أو ما يسمى الحكومة المؤقتة و الائتلاف السوري، وهذه جميعها لديها مواقف موحدة من السكان الكرد الأصليين في عفرين منذ احتلالها قبل أكثر من خمس سنوات”، لافتاً إلى أنه “رغم ارتكاب عشرات الجرائم هناك من قبل الفصائل والمستوطنين إلا أنه لم تتم محاكمة أي منفذ”، ومناشداً في الوقت نفسه الجهات الدولية للتدخل الفوري وتنفيذ محاكمات للجناة وإخراج الفصائل من القرى والمدن.

منظمات حقوقية سورية وناشطون كرد، يقولون إن الاحتلال التركي يعمل فيما يتعلق بمجزرة جنديرس على مسار معين، يتمثل بمحاولة تغيير توصيف الجريمة من “عنصرية” إلى جريمة جنائية وبدوافع فردية مسؤول عنها عناصر محددون بالفصائل، وبالتالي تمييع المجزرة وإخراجها من المسار الحقيقي لها الذي يأتي في إطار جرائم ممنهجة تهدف لتهجير الكرد الأصليين من ديارهم وتغيير ديمغرافية المنطقة خدمةً لأجندات الاحتلال التركي الذي يحاول توسيع نفوذه وبسطه على مناطق جديدة في إطار ما يعرف بـ”الميثاق الملي” الذي تم وضعه قبل أكثر من مئة عام.

تضليل الرأي العام ومحاولة تهدئته
من جانبه، قال المدير التنفيذي لمنظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة بسام الأحمد في تصريحات لتارجيت إن :”هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها تشكيل لجان للتحقيق بالجرائم التي تحدث بالمناطق المحتلة بالشمال السوري، وجميعها لم تصل إلى أي نتيجة ويكون الهدف منها التضليل فقط لإرضاء الرأي العام ومحاولة تهدئة الشارع”، مشيراً إلى أنه “جرى تشكيل لجنة بعد اغتيال الناشط “محمد أبو غنوم” بمدينة الباب وكذلك فتح تحقيقات بانتهاكات المدعو “أبو عمشة” في عفرين وجميعها لم تصل إلى أية نتائج”.

تركيا تتحمل مسؤولية الجرائم في عفرين
الأحمد، اعتبر أن “فتح تحقيق بالمجزرة وإمضاء ذوي الضحايا على أوراق بيضاء، يثبت أن الفصائل تحاول ليس فقط إنكار الجريمة والتغاضي عنها بل محاولة تغيير سرديتها وسياقها، وربما إظهار أنها مشاجرة عادية بين أشخاص وليس لها أي دوافع عنصرية أو أنها مرتبطة بالاحتفال بعيد النوروز”، مؤكداً أن “منظمات حقوقية محلية ودولية عديدة بينها سوريون من أجل الحقيقة والعدالة والعفو الدولية وهيومين رايتس ووتش ولجنة التحقيق الدولية وغيرها الكثير، تعتبر الوجود التركي في الشمال السوري هو احتلال، وهذا كلام قانوني وليس سياسياً، وبالتالي على تركيا كقوة احتلال مسؤوليات يجب أن تقوم بها أهمها محاكمة ومحاسبة عناصر الفصائل ومرتكبي الجرائم في عفرين وغيرها وضبط الأمن هناك باعتبارها تمتلك القدرة على ذلك”.

ورغم أن جريمة جنديرس، ليست الأولى التي ترتكبها الفصائل التابعة للاحتلال التركي في عفرين، إلا أنها سلطت الضوء على هذه الجرائم المستمرة منذ أكثر من خمس سنوات، ودفعت ميليشيات الجيش الوطني ومن ورائها “الائتلاف السوري” وما تسمى “الحكومة المؤقتة”، لمحاولة احتواء الأزمة وإيجاد مخرج، إلا أن النشطاء الكرد، يقولون إن توجهات هذه السلطات المحلية تتطابق مع مساعي الاحتلال التركي بإخراج الجريمة من سياقها الحقيقي، خاصةً أن المنفذ الحقيقي لها المدعو “حسن الضبع” العنصر في فصيل “جيش الشرقية” لا يزال طليقاً.

قد يعجبك ايضا