تواصل تركيا، تمسكها بالعمليات العسكرية التي تنفذها قواتها خارج الحدود، تحت ذريعة القضاء على “التهديدات الإرهابية”، والتي تُبرر من خلالها الهجمات على مناطق شمال وشرق سوريا، الخاضعة لـ “قوات سوريا الديمقراطية\قسد”.
ورغم الخلافات الكبيرة على شكل الدولة السورية المُستقبلية، إلا أن هناك قاسماً مُشتركاً بين “قوات سوريا الديمقراطية” وحكومة دمشق، التي رفض رئيسها بشار الأسد، اللقاء مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلا بعد الحصول على ضمانات رسمية ومُوقعة من الجانب التركي، على الانسحاب من كامل الأراضي السورية، وتحت الإشراف الروسي.
وفيما اعتبر رداً ضمنياً على مُطالبة بشار الأسد تلك، أكد الرئيس التركي في الرابع والعشرين من مارس الماضي، أن العمليات العسكرية ستتواصل داخل الحدود وخارجها.
غير مُستعد للانسحاب
وقال أردوغان: “عملياتنا العسكرية ستستمر داخل حدودنا وخارجها، إلى حين القضاء على آخر تهديد إرهابي لبلدنا ولأمتنا”، وهو ما أشار إلى رفضه مُطالبات حكومة دمشق، أقله حتى وقت إطلاق تلك التصريحات.
وقد عقّب عليها، الأمين العام لـ “حزب التغيير والنهضة السوري”، مصطفى قلعه جي، لـ “منصة تارجيت الإعلامية”، فقال بإن: “”تصريحات الرئيس التركي في هذا الصدد، هي مواصلة لعملية ابتزاز سياسي لجميع الأطراف، ومماطلة في تنفيذ الاتفاقات مع شركائه في أستانا”، وأكد “قلعه جي” إن “سلوك المُحتل التُركي في سوريا، يدل على أنه غير مُستعد للانسحاب، بدليل ما يقوم به على الأرض”.
ويبدو أن حكومة دمشق، مًدركة لذلك إلى حد بعيد، إذ لا يعتقد المراقبون أن تُقدم تركيا على أي تنازلات أو انسحاب من الأراضي السورية، في حال انتصر أردوغان مُجدداً في الانتخابات، إن لم يكن مُوقعاً قبل عقدها، على اتفاقات مع الجانب السوري، تحت إشراف روسيا، تُجبر تُركيا على الخروج من سوريا، ضمن إطار زمني واضح وعلني.
إذ لطالما تراجع الرئيس التركي عن تصريحاته ووعوده، وأكبرها خطوطه الحمراء في سوريا، وآخرها تخليه عن المُعارضة السورية، والتوجّه لمُصالحة حكومة دمشق، رغم القذف والشتم الذي مارسه لسنوات بحقها.
أردوغان يُهاجم أمريكا
كما لم يتوانى الرئيس التركي في تصريحات 24 مارس، عن مُهاجمة الولايات المتحدة الأمريكية بشكل ضمني، وتوجيه اتهامات كبيرة لجهودها في مُكافحة الإرهاب العالمي، حيث تتهم تركيا، الولايات المتحدة، وهي حليفتها في الـ(ناتو)، بتقديم الدعم لـ “قوات سوريا الديمقراطية”، التي تعتبرها واشنطن، حليفاً وثيقاً في الحرب على تنظيم “داعش” الإرهابي.
حيث قال أردوغان: “القوات التركية لن تكتفي بهزيمة الإرهاب، وإنما ستحطم المخططات القذرة لأولئك الذين يدعمون هؤلاء ويزودونهم بالسلاح والذخيرة… محاولات تركيع تركيا بواسطة الإرهاب سنُفشلها معاً”.
لكن الأمين العام لحزب التغيير والنهضة السوري، سخّف من قيمة تلك التصريحات، وقال لـ “تارجيت”: “أردوغان أجير، وأجير صغير لدى الولايات المتحدة، وهو لا يجرؤ على مُجرد تحدي الولايات المتحدة والخروج على رغباتها في المنطقة، فما بالك بمُواجهتها، هي لعبة عض أصابع بين الطرفين”.
التهديدات مُكررة وغير جديدة
وليست تهديدات أردوغان بجديدة، فمنذ مايو (أيار) من العام الماضي، لوّح بشن عملية عسكرية تستهدف مناطق “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا”، خاصةً في منبج وتل رفعت وكوباني، كما كرر منذ ذلك الوقت، أنهم سيبدؤون “خطوات تتعلق بالجزء المُتبقي، لإنشاء منطقة آمنة على عمق 30 كيلومتراً على طول حدودنا الجنوبية مع سوريا”.
فيما أرجع “مصطفى قلعه جي” إخفاق تركيا في تنفيذ مشروعها بغزو مناطق جديدة من شمال سوريا، على غرار ما حصل في عفرين العام 2018، ورأس العين وتل أبيض في العام 2019، إلى رفض “الأطراف الدولية، وخاصة الولايات المتحدة، ذلك”.
حيث قوبلت العمليات التي لطالما لوح بها الرئيس التركي، برفض واسع من الولايات المتحدة وأوروبا، إلى جانب روسيا وإيران، فيما تزعم أنقرة على الدوام بإن واشنطن وموسكو لم تفيا بالتزاماتهما بموجب تفاهمين وُقعا معها في أكتوبر 2019، والتي أوقفت بموجبهما عملية “نبع السلام” العسكرية ضد مدينتي رأس العين وتل أبيض، وانتهت باحتلال تركيا وميليشيات “الجيش الوطني السوري” عليها.
الميثاق الملي التركي
وتدعي تركيا، بأنها تُريد إقامة “منطقة آمنة” فاصلة على حدودها مع شمال سوريا، لكنها تصطدم برفض غربي وعربي، مع إدراك كل الأطراف، حقيقة المساعي التركية الرامية لهندسة الديموغرافية السورية بما يتوافق مع مصالحها، عبر تهجير الشعب الكُردي، كما حصل في عفرين ورأس العين وتل أبيض، وتوطين النازحين واللاجئين السوريين في تلك المناطق.
وحول ذلك، قال الأمين العام لحزب التغيير والنهضة السوري، مصطفى قلعه جي، لـ “منصة تارجيت”: “السوريون بكافة أطرافهم، يعرفون أن تركيا تراوغ في تنفيذ وعودها منذ بداية أستانا، وهي إن رضخت للإرادة الدولية، وبدأت بتنفيذ الحل السياسي، الذي أساسه القرار الدولي ٢٢٥٤، تنتفي بالضرورة الحاجة لتواجدها”.
مُتابعاً: “لكنها تُصر على خلق المُتناقصات في الشمال الغربي من سوريا، ودعم الفصائل بدلاً من حلها، وربط المُعارضة السورية المُتواجدة في تركيا، بإرادتها لتستمر بالتواجد في المنطقة”.
مُختتماً بالقول: “الحقيقة أن كل ما يقوم به المُحتل التركي، هو لتكريس ما ورد في الميثاق الملي التركي، بأن ولاية حلب هي أرض تركية، ويجب أن تدخل وتضم إلى الخريطة السياسية التركية، تحت هذه الحجج الواهية والمكشوفة للجميع”.
وكانت قد استضافت العاصمة الروسية لقاءً ثلاثياً لوزراء الدفاع ورؤساء المخابرات في تركيا وسوريا وروسيا، أعقبه سلسلة من اللقاءات السابقة على مستوى الأجهزة الأمنية والاستخباراتية بشكل سري أو مُعلن، في ظل إصرار الجانب الحكومي السوري على عدم منح الرئيس التركي مكاسب مجانية في الانتخابات الرئاسية منتصف شهر مايو القادم.
إذ يرى مُراقبون أن حظوظ أردوغان سترتفع في حال تمكنه من اللقاء ببشار الأسد، وهو ما يدركه الأخير، ويؤكد على أنه لن يقدمه دون تنازلات كبرى، على رأسها الانسحاب من الأراضي السورية، فيما قد تشمل التنازلات التركية الجانبية، تفكيكاً لفصائل المُعارضة المسلحة، وتسليماً لبعض قياداتها وأموالهم، إضافة إلى إغلاق وسائل الإعلام السورية المُعارضة، التي تبث من تركيا، وهو ما طبق في الحالة المصرية أيضاً.