تداول نشطاء إعلاميون مُقيمون في مدينة عفرين شمال غرب سوريا، ليلة الجمعة\الواحد والثلاثين من مارس، مقطعاً مصوراً يُظهر ما سمي بدخول إثنين من الكُرد الإيزيديين، إلى الدين الإسلامي.
وظهر في المقطع المصور المُقتضب، شيخ بلحية كثيفة، وهو يجلس وسط الكردييّن الإيزيدييّن، حيث زعم الشيخ أنّ الرجلين قد “هداهما الله إلى دين الله” وهو “الإسلام”، ويُدعى الشيخ بـ”أحمد عبد الكريم زيّوك”، ووفق ناشطين، ينحدر من مدينة دارة عزة بريف حلب الغربي.
وقال “زيّوك” خلال المقطع المصور: “بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة، السلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، لله الفضل والمنة، نحن هنا في مدينه عفرين، نبشركم بأن هنالك أخان من أخوتنا الكُرد (الأزيد)، قد دخلوا في دين الله عز وجل، في دين الإسلام”.
وتابع “زيّوك” مُخاطباً أحد الرجلين: “عرفنا عن حالك”، ليجيب عن اسمه ويقول بانه “شيخو عارف”، حيث يُكمل “زيوك” بالقول: “أخونا شيخو عارف، قد هداه الله تعالى لدين الإسلام، ودخل نور الإسلام إلى قلبه”، أما الرجل الآخر، فاسمه “حيدر عارف”، وأكمل “زيوك”: “والان سوف ينطقون بالشهادتين”، حيث يردد الرجلان الإيزيديان الشهادتين من خلفه.
وقد أشار ناشطون إلى أن دخول الرجلين إلى الدين الإسلامي، قد تم بالإكراه، كما ورد أن “زيّوك” طالما يُحاول إقناع الإيزيديين بترك دينهم، والتحول إلى الدين الإسلامي، فيما يعد التسجيل، الأول من نوعه الذي يُظهر كُرداً من أتباع الديانة الإيزيدية وهم يتحولون إلى الدين الإسلامي، منذ أن تم السيطرة على عفرين واحتلالها، من قبل الجيش التركي وفصائل “الجيش الوطني السوري” الموالي له، آذار 2018.
حقيقة التحول للدين الإسلامي
بالصدد، تواصلت “منصة تارجيت الإعلامية”، مع مصدر من الكُرد الإيزيديين في مركز مدينة عفرين، والذي أكد بأن الرجلين الإيزيديين، هما شقيقان من قرية “قيباريه\عرش قيبار” التابعة لمركز عفرين، من “عائلة عرفو”، ويقع منزلهما على مقربة من “مشفى السلام”، وبالضبط إلى جانب مركز الاسمنت بمدخل عفرين، وكانا يعملان في بيع مواد البناء والتجارة.
ووفق المعلومات الخاصة بـ”تارجيت”، تعرض الرجلان سابقاً، إلى عدة عمليات اعتقال وضرب، بجانب سرقة سياراتهم، أحدها (هيونداي انتر)، إضافة للاستيلاء على منزلهما المُلاصق لمركز الاسمنت، حيث يحاولون استردادها منذ خمس سنوات دون جدوى، كما لا يزال الجزء الأكبر من أملاكهما، تحت سطوة المُسلحين وذويهم الغرباء الموطّنين في المنطقة.
وأردف المصدر: “يستولي على منزلهما، مستوطنون من مُحافظة دير الزور، وهم من مالكي طيور الحمام”، وتابع: “يرفض المستوطنون إخلاء المنزلين، كما يعمدون إلى تهديد الشقيقين الكُرديين، ويختلقون المشكلات معهم”.
مُستكملاً: “قبل يومين، حصل إشكال جديد بين الرجليّن، والمستوطنين الذين يستولون على بيوتهما”، حيث ذكر ناشطون بأن المستوطنين من دير الزور زعما أن الشقيقين قتلا طائري حمام، وتعهدوا بقتلهما، ليقترح عليهما شخص ينحدر من بلدة حيان بريف حلب الشمالي، الاستعانة بـ”الشيخ زيّوك”، وطلب مُساعدته، للتدخل ومنع المستوطنين من التعدي عليهما، وإخلاء بيوتهما.
وأشار المصدر لـ”تارجيت” إلى أن “زيّوك”، استغل “الموقف وأجبرهما بطريقة ما، على إعلان اعتناقهما الدين الإسلامي، كمُقابل كما يبدو لخدماته، التي من المُفترض أنها ستنتهي باسترداد الرجلين الإيزيديين لمنزلهما المُغتصب منذ 5 سنوات، ووقف تجاوزات المستوطنين ضدهما”، فيما قال ناشطون إن المقطع المُصور قد جرى تسجيله في مقر عسكري تابع للفصائل المُسلحة بعفرين.
وضع الإيزيديين قبل الغزو التركي
ويوجد في منطقة عفرين، نحو 22 قرية تضم سكاناً إيزيديين بالمُطلق أو بالمُشاركة مع الكُرد من باقي الطوائف والأديان، وهو التعايش الذي ميّز عفرين عن سائر المناطق المجاورة شمال حلب، التي كانت أحادية اللون العرقي والديني.
وعانى الكُرد الايزيديون في سوريا، من تهميش مُضاعف، نتيجة انتمائهم القومي أولاً والديني ثانياً، إذ لطالما أنكرت حكومة دمشق حقوقهم وتجاهلت وضعهم في قوانين الأحوال الشخصية والمدنية، كما دونت أغلبهم في سجلاتها على أنهم مسلمون، ولم تراعي وجود أي هيئة دينية تتحدث باسمهم.
وبعد بدء الحراك الشعبي في سوريا العام 2011، تعرض الايزيديون للتهميش والإنكار نفسه من المُعارضة، وبالسياق تم مُهاجمة قرية “قسطل جندو” في ريف عفرين الشرقي العام 2012، من قبل فصائل المُعارضة المُتمركزة في مدينة إعزاز شمال حلب، وهو ما اعتبر هجوماً على الإيزيديين.
لكن، خلال فترة “الإدارة الذاتية” لـ عفرين، من الأعوام 2014 إلى بدايات العام 2018، تمتع الايزيديون بتمثيل في الحكومة المحلية في المنطقة، بجانب تشكيل اتحاد لهم، كما كان يجري الاحتفال بأعيادهم كـ”عيد الأربعاء الأحمر”، بشكل رسمي، مُتضمناً تعطيل الجهات الرسمية.
كما تم إضافة دروس الديانة الإيزيدية إلى المنهاج المَدرسي الخاص بـ”الإدارة الذاتية” في عفرين، بجانب تمثيلهم في المجلس التشريعي الذي كان يتكفل بإصدار وتعديل القوانين والأنظمة المُطبقة في المنطقة.
واعتبرت تلك الحقبة القصيرة، مُتنفساً عبّرت فيه مكونات المنطقة عن وجودها وخصوصيتها، حيث تم حينها، تشكيل اتحاد للكُرد العلويين في منطقة معبطلي وسط عفرين، إلى جانب تشكيل هيئة أديان مثلت كل الأديان والطوائف ضمن الحكومة المحلية في عفرين.
وضع الإيزيديين بعد الغزو التركي
لم يقتصر إنكار الإيزيديين على حكومة دمشق أو المُعارضة السورية، بل تعرض هؤلاء إلى حملة إبادة واسعة شنها تنظيم داعش الإرهابي، بداية أغسطس العام 2014، في منطقة سنجار، الفاصلة بين أراضي إقليم كُردستان العراق، ومدينة الموصل العراقية، ما أسفر عن مقتل وأسر آلاف الرجال والأطفال بجانب سبي آلاف النساء، لا يزال مصير الكثير منهن مجهولاً حتى اللحظة.
أما في عفرين، ومع شنّ تركيا هجوماً مُسلحاً عليها في 20 يناير العام 2018، تصدرت مواقع التواصل الاجتماعي أشرطة مُصورة، لمُسلحين لهم سمات مسلحي تنظيم داعش الإرهابي، وهم يتوعدون بالقصاص من الكُرد، وسط اتهامات للجيش التركي وفصائل المعارضة السورية، بالتعاون مع “الدواعش” لغزو المنطقة.
وخلال عملية الغزو وعقبها، هُجّرت الغالبية العظمى من سكان القرى الإيزيدية الصرفة، أو التي تضمهم بشكل مُشترك مع الكُرد المُسلمين، ولم يتبقى إلا القلة القليلة منهم، نتيجة خوفهم من الأفكار الراديكالية التي يحملها مسلحوا المُعارضة السورية.
كما رصدت خلال خمس سنوات من عمر الاحتلال التركي لمنطقة عفرين، تدمير عشرات المزارات الدينية الإيزيدية، بجانب تحويل عدد من بيوت الإيزيديين إلى مساجد، إضافة إلى بناء مساجد في القرى الإيزيدية الصرفة، عدى عن تدمير القبور التي تحمل دلالات دينية إيزيدية وكُردية.
ولا يُتوقّع أن يعود الكُرد الايزيديون إلى عفرين، قبل إخراج تركيا وفصائل المُعارضة السورية منها، وهو ما يضع المُجتمع الدولي أمام اختبار حقيقي، مُماثل لما حصل في سنجار، فرغم النجاح بإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الإيزيديين في سنجار، كان الفشل حليفاً للمجتمع الدولي في عفرين، ما قد يعني محو الهوية الديموغرافية للمنطقة، إن لم تتبدل آليات التعاطي مع ملفها.