محمد إسماعيل
استقبل وزير الخارجية المصري، اليوم، نظيره السوري فيصل المقداد في أول زيارة لوزير خارجية سوري منذ عقد، لتحمل الزيارة كثيراً من التكهنات بشأن القضايا والملفات التي تناولتها وكذلك الأبعاد التي تعنيها على الصعيد الإقليمي.
وعلى مدار سنوات الأزمة السورية ورغم القطيعة العربية، حرصت “القاهرة” دائما على علاقات طيبة مع الحكومة السورية، وفي نفس الوقت مع بعض قوى المعارضة على نحو مكنها في كثير من الأوقات لعب دور الوساطة والتوصل إلى اتفاقات لوقف إطلاق النار.
أحداث الزلزال جاءت كفرصة مواتية
وجاءت أحداث الزلزال المدمر في سوريا كفرصة مناسبة لتأخذ العلاقات بين القاهرة ودمشق طابعا علنياً، مع زيارة وزير الخارجية المصري إلى دمشق، وكذلك زيارة وفد برلماني مصري، إلى جانب المساعدات الإنسانية التي قدمت لضحايا الزلزال.
وقبل الزيارة، كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أجرى اتصالاً هاتفياً برئيس النظام السوري بشار الأسد، حيث قدم له التعازي في ضحايا الزلزال معرباً عن تضامن مصر، كأول اتصال بين الرئيسين على الأقل في الإطار العلني والرسمي.
وتكتسب زيارة “المقداد” إلى القاهرة أهمية كبيرة، بحسب مراقبين، كونها هي الزيارة الأولى لوزير خارجية سوري منذ زيارة وزير الخارجية الراحل وليد المعلم عام 2009، وثانياً كونها تعني نقلة لمسار العلاقات المصرية السورية.
وأكدت مصادر مطلعة، لمنصة تارجيت، أن المباحثات تطرقت لمسار العلاقات السورية التركية وأوضاع المناطق المحتلة في شمال سوريا، في ظل قناعة مصرية بأن تطور مسار العلاقات المصرية التركية لا ينفصل عن الوضع في سوريا، خصوصاً وأن القاهرة ترفض أي تدخل تركي في الشأن السوري.
الانفتاح المصري التركي قد يسهل عودة العلاقات بين دمشق وأنقرة
في هذا السياق، قال الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية المصرية، لمنصة: “إن زيارة وزير الخارجية السوري الدكتور فيصل المقداد هي زيارة غاية فى الأهمية لأنها تستكمل الخطوات التي قامت بها مصر وسوريا في الفترة الأخيرة سواء على مستوي الاتصالات بين الرئيسين عبد الفتاح السيسي وبشار الأسد من جانب وزيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري لسوريا عقب أحداث الزلزال الأخير”.
وأضاف “فهمي”، فى تصريحات خاصة لمنصة “تارجيت”: “في تقديري سوريا بحاجة لمصر بالفترة الحالية لجملة من الاعتبارات، أولها التقارب والانفتاح المصري على تركيا في الفترة الأخيرة، يعطي مساحة كبيرة لمصر للعب دورٍ في الشأن الداخلي السوري وبطبيعة الحال، فإن استئناف العلاقات المصرية التركية قد يسهل إعادة العلاقات بين سوريا وتركيا”.
وتابع أستاذ العلوم السياسية وخبير شؤون الشرق الأوسط أنه “بالنظر للترتيبات والتغيرات على المستوي الإقليمي فمن الممكن أن تعمل مصر على إشراك سوريا فى منظمة شرق المتوسط ومنتدى غاز المتوسط، بالإضافة إلى التحالف المصري الأردني العراقي”.
المباحثات تطرقت لعودة سوريا إلى مقعدها بالجامعة العربية
مصادر مصرية مطلعة، لفتت إلى أن زيارة وزير الخارجية السوري تطرقت لترتيبات بشأن عودة سوريا إلى مقعدها في جامعة الدول العربية، والمعلق منذ 2011 مع بدء الاضطرابات.
وأكد أحد المصادر أن كثير من الدول العربية باتت مرحبة بعودة دمشق إلى مقعدها، وإن كانت القاهرة ترى أن يكون ذلك بالتزامن مع دفع مسار الحل السياسي للأزمة السورية.
وفي هذا الإطار أيضاً يقول الدكتور طارق فهمي: “إن مصر ستلعب دوراً أساسياً في العملية السياسية داخل سوريا وهي العملية التي تتم بقيادة روسيا على اعتبار أن الدور المصري هو دور مرحب به دوما من الجانب السوري”.
وأضاف أنه “كذلك من القضايا المهمة التي يجري مناقشتها بين الجانبين الآن هي عودة سوريا لموقعها الشاغر فى جامعة الدول العربية قبل عقد القمة العربية التي ستعقد في السعودية بشهر مايو المقبل، وهنا تظهر الحاجة ماسة لملء الفراغ الذي تركته سوريا بعودتها مرة أخرى لمكانها الطبيعي.
لقاء ثنائي مغلق بين المقداد وشكري واتفاق على تكثيف التواصل بين البلدين
وصرح السفير أحمد أبو زيد، المتحدث الرسمي ومدير إدارة الدبلوماسية العام بوزارة الخارجية المصرية، بأن “الزيارة شهدت عقد لقاء ثنائي مغلق بين وزيري خارجية البلدين، أعقبه جلسة محادثات موسعة شملت الوفدين المصري والسوري، تناولت مختلف جوانب العلاقات الثنائية وسبل دفعها وتعزيزها بما يعود بالنفع والمصلحة على الشعبين الشقيقين، بالإضافة إلى عدد من الملفات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك”.
وأوضح المتحدث باسم الخارجية بأنه “على ضوء ما يربط بين البلدين من صلات أخوة وروابط تاريخية، وما تقتضيه المصلحة العربية المشتركة من تضامن وتكاتف الأشقاء فى مواجهة التحديات الإقليمية والدولية المتزايدة، فقد تناولت المباحثات سبل مساعدة الشعب السوري على استعادة وحدته وسيادته علي كامل أراضيه ومواجهة التحديات المتراكمة والمتزايدة، بما فى ذلك جهود التعافي من آثار زلزال السادس من فبراير المدمر، بالإضافة إلى جهود تحقيق التسوية السياسية الشاملة للأزمة السورية”.
وقد جدد الوزير شكري في هذا الصدد دعم مصر الكامل لجهود التوصل إلى تسوية سياسية شاملة للأزمة السورية في أقرب وقت وبموجب قرار مجلس الأمن رقم ٢٢٥٤ تحت رعاية الأمم المتحدة، مؤكداً على مساندة مصر لجهود المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا ذات الصلة، وعلى أهمية استيفاء الإجراءات المرتبطة بتحقيق التوافق الوطني بين الأشقاء السوريين، وبناء الثقة، ومواصلة اجتماعات اللجنة الدستورية السورية.
ومن جانبه، نقل الوزير المقداد تقدير بلاده لدور مصر الداعم والمساند لسوريا وشعبها على مدار سنوات الأزمة، مقدماً الشكر للمساعدات الاغاثية الإنسانية التي قدمتها مصر في أعقاب الزلزال، ومعرباً عن تطلعه لأن تشهد المرحلة القادمة المزيد من التضامن العربي مع سوريا كي تتمكن من تجاوز أزمتها وتضطلع بدورها التاريخي الداعم لقضايا أمتها العربية. وفى هذا الإطار، استعرض الوزير المقداد مختلف جوانب الأزمة السورية، بما في ذلك التحديات الاقتصادية والإنسانية والأمنية التي واجهها وما زال يعاني منها الشعب السوري.
واختتم السفير أبو زيد تصريحاته، كاشفاً أن كلا الوزيرين اتفقا على تكثيف قنوات التواصل بين البلدين على مختلف الأصعدة خلال المرحلة القادمة بهدف تناول القضايا والموضوعات التي تمس مصالح البلدين والشعبين المصري والسوري الشقيقين.
زيارة لإضفاء الطابع العلني والرسمي على العلاقات
بدوره يقول طارق البرديسي، خبير العلاقات الدولية، في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية: “إن مصر كانت ولا تزال تمارس دورها بقوة على الساحة العالمية بشكل عام والساحة العربية بشكل خاص، فمصر حافظت على دورها في سوريا ولا يزال هناك تنسيق سياسي وأمني واستخباراتي بين البلدين، فمصر لم تقطع علاقاتها مع سوريا عدا فترة حكم الإخوان”.
وأضاف البرديسي أن “فترة حكم الرئيس السيسي شهدت عودة العلاقات التي مجراها الطبيعي، وحافظت مصر على علاقاتها السياسية والأمنية والاستخباراتية مع سوريا، مضيفاً أن “القاهرة” حافظت على علاقتها مع النظام السوري بشكل متزن ولا يغضب الأطراف العربية الأخرى.
وواصل: “تأتي زيارة وزير الخارجية السوري لمصر تأكيداً لاستمرار العلاقات بشكل رسمي بمعنى إضفاء الطابع الرسمي على العلاقات وعودتها لسابق عهدها.. كما تعكس الزيارة التغيير في المواقف العربية تجاه النظام السوري تحديداً”.
واختتم البرديسي تصريحاته قائلا: “مصر تدعم بشكل واضح الحلول السياسية للأزمة السورية وتدعم سوريا للعودة لمقعدها الشاغر في جامعة الدول العربية ولموقعها في قلب الأمة العربية”، مضيفاً أن “هناك دول أخرى عربية واجهت اضطرابات سياسية ولا تزال عضو في الجامعة العربية وبعضها لا يزال يشهد صداماً ومستمرة عضويتها”.
واعتبر خبير العلاقات الدولية أن “قرار تعليق عضوية سوريا بالجامعة العربية أدى لوجود فراغ استراتيجي استغلته القوى الإقليمية لتقسيم الأراضي السورية”.
زيارة وزير الخارجية المصري إلى دمشق وأنقرة
وكان وزير الخارجية المصري سامح شكري، أجرى مؤخراً زيارة إلى الجمهورية السورية، أعقبها زيارة إلى تركيا، لنقل رسالة تضامن من مصر مع الدولتين وشعبيهما الشقيقين عقب كارثة زلزال يوم 6 فبراير الماضي، والذي خلف خسائر فادحة بكلتا البلدين.
وحرص وزير الخارجية المصري في لقاءاته بكل من سوريا وتركيا على تأكيد استعداد مصر الدائم لتقديم يد العون والمساعدة للمتضررين في المناطق المنكوبة بالبلدين، وأن مصر حكومةً وشعباً، لا يمكن أن تتأخر يوماً عن مؤازرة أشقاءها.
ونقل شكري في زيارته الأخيرة لسوريا، تعازي الشعب المصري إلي أشقائه السوريين على فقد الأرواح، وتمنى للمصابين الشفاء العاجل، مؤكداً أن العلاقات التي تربط بين الشعبين راسخة وقوية وتفرض مزيداً من المساعدات والدعم للشعب السوري، مضيفاً خلال المؤتمر الصحفي مع نظيره السوري آنذاك، أن مصر تتطلع لأن تتجاوز سوريا الآثار المترتبة على الزلزال المدمر، وتستمر في توفير ما تستطيع من مساعدات إنسانية.