تعرض الكرد ولازالوا على مدى عقود للعنف والاضطهاد والحرمان من حقوقهم القومية وممارسة طقوسهم على يد الأنظمة في كل من تركيا وإيران وسوريا على وجه الخصوص، التي شهدت خلال عقدين من الزمن عمليات قتل ممنهجة ذهب ضحيتها مدنيون أبرياء كان أبرزها مجزرة ملعب القامشلي البلدي عام ألفين وأربعة، والتي أسفرت عن فقدان اثنين وعشرين شخصاً لحياتهم وإصابة آخرين.
آخر فصول الانتهاكات والعنف بحق الكرد، مجزرة في ناحية جنديرس بريف عفرين شمال غربي سوريا في العشرين من آذار/ مارس، ذهب ضحيتها أربعة مدنيين كرد وأصيب ثلاثة آخرون، بعد إطلاق عناصر من فصيل “جيش الشرقية” التابع للاحتلال التركي، الرصاص عليهم بعد إشعالهم النيران فوق سطح منزلهم احتفالاً بعيد النوروز، في جريمة أثارت ردود فعل منددة من جهات رسمية محلية ودولية ومنظمات حقوقية عديدة، دعت إلى وقف عمليات القتل بحق السكان الأصليين في عفرين.
بين 2008 و 2023 مجزرتان بحق الكرد عشية عيد النوروز
في نفس هذا التاريخ، لكن قبل خمسة عشر عاماً أي في ألفين وثمانية، شهدت مدينة القامشلي شمال شرقي سوريا، جريمة مماثلة ذهب ضحيتها أيضاً ثلاثة مدنيين كرد وأصيب أربعة آخرون، لكن هذه المرة على يد الأجهزة الأمنية التابعة لقوات حكومة دمشق، التي أطلقت النار عليهم خلال إشعالهم الشموع احتفالاً بعيد النوروز في الحي الغربي من المدينة، ما أثار حينها ردود فعل منددة وأعلنت منظمات كردية الحداد وألغت احتفالات النوروز في ذلك العام.
منظمات حقوقية سورية عديدة، على رأسها المرصد السوري لحقوق الإنسان، أعلنت إدانتها للمجزرة وطالبت الرأي العام العالمي ومنظمات حقوق الإنسان لإدانتها، والتضامن مع الشعب الكردي وحقوقه وفضح سياسات حكومة دمشق وممارساتها القمعية ضد المدنيين الكرد، وإعطائهم حقوقهم القومية والسماح لهم بممارسة طقوسهم، في حين أكد حزب “يكيتي” الكردي حينها أن الجريمة تعبر عن الحقد والتمييز العنصري بحق الشعب الكردي في سوريا، وتهدف دمشق من ورائها إلى إرهاب السكان وزعزعة الاستقرار وخلق الفوضى والبلبلة بين أبناء الشعب، محذراً حكومة دمشق من أي أعمال أو ممارسات بحق الكرد مستقبلاً.
عقليات دكتاتورية وممارسات “عنصرية” ضد الكرد
عضو المجلس العام لرابطة عفرين الاجتماعية في الجزيرة إبراهيم حفطارو، قال في تصريحات لمنصة تارجيت الإعلامية: “إن عيد النوروز يعني عند الكرد اليوم الجديد ويوم الربيع والسلام والإنسانية والخلاص من الظلم والطغيان، لذلك هو عند الكرد يوم مقدس والاحتفال فيه طقس متوارث، إلا أن المرتزقة المدعومين من تركيا لم يرق لهم ذلك، وأقدموا على ارتكاب مجزرة بحق مدنيين أبرياء خلال إشعالهم شعلة النوروز في ناحية جنديرس بريف عفرين، وقبلهم الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري، أقدمت على جريمة مماثلة في مدينة القامشلي عشية عيد النوروز عام ألفين وثمانية ذهب ضحيتها ثلاثة أبرياء”.
حفطارو، أضاف في تصريحاته لمنصتنا، أن “المجزرتين بحق المدنيين الكرد خلال احتفالهم بعيدهم القومي في كل من القامشلي وجنديرس رغم اختلاف توقيتهما، تؤكدان على أن الأنظمة الدكتاتورية الاستبدادية تمارس القمع الممنهج ضد الكرد، وتجسدان العقلية “العنصرية” والدكتاتورية خاصةً للنظام السوري الذي لا يقبل بأي تنوع أو طقوس للمكونات الأخرى، ويعمل على صهرها وصهر هويتها ومنعها من الحصول على حقوقها الثقافية، ومواصلة النهج القمعي والعقلية الأمنية من أجل الحفاظ على السلطة وإقصاء الآخرين”، مشيراً إلى أن “الأمر نفسه ينطبق على “الفصائل” التابعة لتركيا شمالي سوريا، وذلك ما تجلى بشكل واضح “باغتصابهم” للأرض والشجر والحجر بعفرين وانتهاكاتهم وممارساتهم بحق الكرد هناك والتي كان آخرها مجزرة جنديرس، التي قال إنها ليست مجزرة بحق ضحاياها فقط بل بحق الإنسانية برمتها وتتنافى مع الدين والأخلاق والمبادئ الإنسانية”.
مجزرتا عيد النوروز في جنديرس والقامشلي وقبلهما مجزرة ملعب القامشلي البلدي وما نتج عنهما من ضحايا وما رافقهما من انتفاضة شعبية شكلت أرضية للحراك الشعبي في سوريا لاحقاً، جميعها تسلط الضوء على الانتهاكات وعمليات الاضطهاد والمقع بحق الكرد رغم اختلاف الزمان والمكان، وتؤكد صحة التقارير عن أن ما يتعرض له الكرد هو سياسة ممنهجة تهدف لتغيير ديمغرافية المنطقة وخدمة أهداف وتطلعات سياسية وتوسعية تهدف لها الأنظمة وتنفذها أذرعها وأدواتها على الأرض.
وبحسب عضو المجلس العام لرابطة عفرين الاجتماعية في الجزيرة إبراهيم حفطارو، فإن “مجزرة جنديرس وغيرها من ممارسات وانتهاكات المرتزقة التابعين لتركيا في عفرين، تؤكد سيرهم في خدمة أجندات جهات خارجية، وعلى خطى النظام السوري من حيث القمع والاستبداد، عكس ما كانوا يدعونه من أنهم (خرجوا في ثورة شعبية) ضد الظلم وللمطالبة بالحريات العامة”.
ويقول الناشطون الكرد، إن شعبهم وجغرافيتهم هما عرضة للاضطهاد والقمع منذ اتفاقية “سايكس بيكو” التي قسمت كردستان إلى أجزاء عديدة وما تلاها من “اتفاقية لوزان” عام ألف وتسعمئة وثلاثة وعشرين التي بسطت يد الدولة التركية على الأراضي الكردية، وفق سياسة ممنهجة من قبل مؤسسها آنذاك مصطفى كمال أتاتورك، الذي بدأ عمليات تغيير ديمغرافي منذ ذلك الحين عبر جلب أتراك وقوميات أخرى وتوطينهم في المناطق الكردية، مروراً بحكومة دمشق وأجهزتها الأمنية التي مارست على مدى عقود ولا تزال أبشع الانتهاكات بحق الكرد وحاولت طمس ثقافتهم، وصولاً إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الساعي لتطبيق ما يعرف بـ”الميثاق الملي”، بدءاً من المناطق الكردية بالشمال السوري مستخدماً فصائل مسلحة تمارس عمليات تغيير ديمغرافي ممنهج هناك بإشراف مباشر من استخباراته.