“لا تثق بوعود أردوغان”.. مصر تقترب بحذر من تطبيع العلاقات مع تركيا

محمد إسماعيل

تأخذ العلاقات المصرية التركية خلال الأشهر الماضية تطورات كبيرة على صعيد عودتها إلى مسارها الطبيعي، إلا أنها تبدو أكثر تعقيداً إذا ما قورنت بالعلاقات بين القاهرة وقطر والتي كانت قطعت لنفس الأسباب، وهو الدعم لجماعة الإخوان المصنفة إرهابية في مصر ورفض التدخلات غير المشروعة.

ويجمع مراقبون للعلاقات المصرية التركية على أن تطور مسار استعادة العلاقات يشهد عراقيل كثيرة في ظل تعدد الملفات الخلافية بين “القاهرة” و”أنقرة”، خصوصا بما يتعلق بملف الأزمتين الليبية والسورية والصراع على غاز شرق المتوسط، إلى جانب الملف الرئيسي وهو الموقف من جماعة الإخوان.

أحداث الزلزال تعطي زخماً جديداً للعلاقات المصرية التركية
واكتسب مسار العلاقات بين البلدين زخماً عقب أحداث الزلزال التي ضربت سوريا وتركيا، حيث أجرى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي اتصالاً هاتفياً بنظيره التركي ليقدم له التعازي في ضحايا الزلزال.

ثم قام وزير الخارجية المصري سامح شكري بزيارة تركيا في 27 فبراير وقدم واجب العزاء، وبرفقته أطنان من المساعدات والمواد الإغاثية مقدمة من مصر لمتضرري الزلزال في تركيا.

وفي 18 مارس قام وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو بزيارة إلى مصر هي الأولى على المستوى الوزاري منذ نحو عقد، والتي أكد خلالها وزير الخارجية التركي السعي لتطبيع العلاقات بين البلدين.

لكن قبل ذلك في نوفمبر 2022 ويشهد لقاء غير متوقع بين الرئيس التركي أردوغان ونظيره المصري عبدالفتاح السيسي على هامش افتتاح بطولة كأس العالم في قطر وسط حضور من قبل أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، حيث تصافحا معا في تأكيد كبير على تراجع وتحول شديد في موقف الرئيس التركي.

وشهد عام 2021 بداية جولات محادثات استكشافية في مسار المصالحة بين البلدين برئاسة السفير حمدي لوزا من الجانب المصري، ونائب وزير الخارجية التركي سادات أونال من الجانب التركي. وخلال تلك المباحثات الاستكشافية، تم التأكيد على مواصلة المشاورات، والرغبة في إحراز تقدم في القضايا محل النقاش وصولاً إلى تطبيع العلاقات بين البلدين.

جدير بالذكر أنه رغم الخلافات السياسية التي وصلت إلى القطيعة الدبلوماسية بين البلدين، إلا أن العلاقات على الصعيد الاقتصادي لم تتأثر، بل إن تركيا كانت أكبر مستورد للمنتجات المصرية خلال عام 2022 بحوالي 4 مليار دولار.

محاذير مصرية في طريقة عودة العلاقات مع تركيا
في هذا السياق، يقول الدكتور محمد صادق إسماعيل مدير المركز العربي للدراسات السياسية، في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية: “إن ما يعرقل عودة العلاقات المصرية التركية هو ما حددته السياسة الخارجية المصرية، أولاً عدم التدخل في الشأن الداخلي المصري، وثانياً بعض الإجراءات الأمنية المتعلقة بتسليم تركيا لبعض المطلوبين للقاهرة، وثالثاً بعض المنابر الإعلامية الموجودة في تركيا الموجهة ضد مصر.

د. محمد صادق إسماعيل مدير المركز العربي للدراسات السياسية

ويضيف إسماعيل: “مصر ترحب بعودة العلاقات مع تركيا ولكن في إطار مجموعة من المحاذير على رأسها التدخل في شؤون بعض الدول العربية خصوصاً تلك التي تمس الأمن القومي المصري مثل ليبيا، ووجود المرتزقة فيها، واحتلال الشمال السوري واستخدام المرتزقة في التأثير على المسار السياسي السوري، كلها أمور تمثل بعض التهديدات لمسار عودة العلاقات الجيدة بين مصر وتركيا”.

ويؤكد مدير المركز العربي للدراسات إلى أن اقتراب موعد الانتخابات في تركيا تجعل الرئيس التركي أردوغان يحرص على تحسين العلاقات مع مصر في ظل احتياجه لمختلف الأوراق خصوصاً وأنها أحد ركائز الشرق الأوسط، وبالتالي يمكن لـ”أردوغان” الحديث عن نجاح للسياسة الخارجية التركية تزامناً مع الانتخابات.

حديث عن لقاء مرتقب بين “السيسي” و”أردوغان”
وخلال زيارة وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إلى مصر، أكد على أنه يجري التنسيق لعقد لقاء على مستوى القمة بين السيسي وأردوغان، فيما كشفت مصادر مصرية لمنصة “تارجيت” الإعلامية عن أن الرئيس التركي يعتزم زيارة مصر قبل منتصف العام الجاري، كخطوة هي الأكبر والأهم لتطبيع العلاقات بين البلدين.

وأضافت المصادر أن هذه الزيارة إما أن تكون قبيل الانتخابات الرئاسية، أو وأنها ستعقب الانتخابات مباشرة، وفقاً للحسابات التي يحددها الرئيس التركي تجاه الانتخابات المقبلة التي يخشى خسارتها في ظل تكتل المعارضة التي تشير استطلاعات الرأي إلى تقدمه.

جذور وبدايات الخلافات بين مصر وتركيا
وتوترت العلاقات بين مصر وتركيا بشدة عقب الإطاحة بحكم جماعة الإخوان في يونيو 2013، إذ رفض الرئيس التركي بشدة الإطاحة بحليفه محمد مرسي، بل وشن حملة دولية شرسة لحصار النظام المصري الوليد بعد 30 يونيو، ليأتي على إثر ذلك قرار القاهرة بطرد السفير التركي وإعلانه شخص غير مرغوب فيه وهي الخطوة التي ردت عليها تركيا بالمثل.

واستقبل الرئيس التركي الكثير من قيادات وعناصر جماعة الإخوان الهاربين من مصر، ووفر لهم منصات إعلامية وسيبرانية كثيرة لمهاجمة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، إلى جانب الهجوم العلني من قبل الرئيس التركي نفسه، وهو الأمر الذي أثار غضباً كبيراً باستمرار لدى الجانب المصري.

ولم يتوقف الخلاف بين القاهرة وأنقرة على حدود رفض النظام التركي لثورة 30 يونيو، لكن امتدت ساحة الخلاف إلى خارج الحدود، خصوصا مع الدعم الكبير الذي قدمته تركيا لجماعات إرهابية في الأراضي الليبية بل وجلب مرتزقة سوريين وأذريين للقتال هناك، وهو الأمر الذي اعتبرته مصر تهديداً صريحاً لأمنها القومي.

أيضاً رفضت القاهرة بشدة التدخلات التركية في الشأن السوري، عبر دعم جماعات إرهابية من بينهم تنظيمي القاعدة وداعش وجماعات أخرى مسلحة، وصولاً إلى احتلال تركيا مناطق في شمال سوريا.

كما ازدادت الخلافات أيضاً بين البلدين حول قضية غاز شرق المتوسط، إذ عارضت أنقرة التنسيق المصري القبرصي اليوناني لتقاسم ثروات غاز شرق المتوسط، بينما رفض الثلاثي الأخير اتفاقات النظام التركي غير القانونية مع حكومة طرابلس والتي لم تحظ بثقة مجلس النواب بشأن التنقيب التركي عن الثروات في المياه الإقليمية الليبية.

غياب الثقة المصرية في الجانب التركي لإخلاله الدائم بالتزاماته
بدوره يقول محمود الشناوي مدير تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط: ” إن كل طرف يحاول ولديه رغبة في إعادة العلاقات إلى نصابها الطبيعي، ولكن المشكلة الحقيقية تكمن في أن تركيا عادة ما تخل بالتزاماتها مع مصر”، مضيفاً أنه “ربما تكون أنقرة قد أقدمت على بعض الخطوات والإجراءات لإعادة بناء جذور الثقة إلا أنها إجراءات وخطوات غير مكتملة”.

محمود الشناوي مدير تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط

وأوضح “الشناوي”، في تصريحات لمنصة “تارجيت”، أن “العلاقات المصرية التركية لم ولن تتوقف عند نظام أردوغان ومن مصلحة الطرفين أن تعود قوية كما كانت على مدى تاريخ تلك العلاقة، لكن هناك ملفات عالقة، لمصر شروط واضحة، بينما الجانب التركي لا يزال يتلكأ فيها وفي تقديم ما يعيد زرع الثقة مع القاهرة خصوصاً في ملفي سوريا وليبيا.

“القاهرة” ترفض رعاية النظام التركي للجماعات الإرهابية في سوريا وليبيا
وقال: “إنه في سوريا فإن الخطوات غير المقبولة التي تتم هناك وخصوصاً رعاية التنظيمات المتطرفة والإخلال بمبدأ سيادة الدولة السورية، وهذا أمر تحرص عليه القاهرة أي حفظ سيادة سوريا، وكذلك الوضع بالنسبة للأزمة الليبية، إذ أنه رغم تداخل كثير من الأطراف والقوى الدولية في الأزمة إلا أن تركيا تبقى الطرف القوي، في ظل أن غالبية الميليشيات المسلحة والمرتزقة في الغرب الليبي يميليون بالولاء للنظام التركي، وحتى حكومة عبدالحميد الدبيبة ومن قبل حكومة فايز السراج كانتا مواليتان لـ أنقرة”.

وأكد “الشناوي” أن تركيا لديها مصالح كثيرة في ليبيا، لكن يجب ألا يكون ذلك على حساب المصالح المصرية، والخطوط الحمراء التي وضعتها القاهرة في ليبيا لا تزال قائمة، كما أن القاهرة ترفض الهيمنة التركية على ليبيا، ومثل هذه الأمور تشكل عراقيل أمام تطبيع العلاقات بين البلدين، إضافة إلى دعم تركيا للتنظيمات الإرهابية ومنها جماعة الإخوان.
وفي ختام تصريحاته، أكد مدير تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط أن “كل المطالب المصرية مشروعة لأنها تتعلق بحفظ الأمن والسلام وسيادة الدولة، وطالما أن تركيا تستجيب لتلك المطالب سنرى تطوراً في مسار العلاقات بين البلدين، لكنه سيبقى تطوراً بحذر ما دام أردوغان على رأس السلطة”.

قد يعجبك ايضا