القامشلي ـ علي عمر
يتزايد الاستنكار والغضب الشعبي وتتوالى ردود الفعل المنددة بالمجزرة التي ارتكبها فصيل “جيش الشرقية” التابع للاحتلال التركي في ناحية جنديرس بريف عفرين شمال غربي سوريا عشية عيد النوروز، والتي راح ضحيتها أربعة مدنيين كرد وأصيب ثلاثة آخرون، كانوا يشعلون النار على سطح منزلهم احتفالاً بالنوروز الذي يمثل لدى الكرد النصر على الاستبداد والظلم والطغيان.
تشييع الضحايا تحول إلى مظاهرة شعبية عارمة شارك فيها الآلاف من الذين نددوا بجرائم الفصائل وطالبوا المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته ووضع حد لها، كما نفذ المئات اعتصاماً أمام منزل الضحايا بالناحية، مطالبين “الائتلاف السوري” باتخاذ موقف واضح تجاه الجريمة وتقديم الجناة والفصيل المنضوين في صفوفه إلى محكمة دولية لينالوا القصاص العادل، وإخراج الفصائل من المدن والبلدات والقرى وإطلاق سراح جميع المحتجزين من الكرد في عفرين ورأس العين/ سري كانيه وتل أبيض/ كري سبي، وإرجاع جميع الممتلكات والأراضي التي تم الاستيلاء عليها.
وبعد يوم على المجزرة، أعلن فصيل “حركة التحرير والبناء” التابع للاحتلال التركي، إلقاء القبض على مرتكبيها، ونشرت “وزارة الدفاع” التابعة لما تسمى “الحكومة السورية المؤقتة” صوراً قالت إنها للمنفذين، إلا أن مصادر مطلعة وناشطين، كذبوا رواية “المؤقتة”، مؤكدين أن المنفذ الحقيقي للمجزرة وهو المدعو “حسن الضبع” العنصر في فصيل “أحرار الشرقية” ما زال طليقاً وأن الذين تم إلقاء القبض عليهم ليسوا المنفذين الحقيقيين، وذلك للتغطية على الجريمة وتمييعها ومحاولة تهدئة الغضب الشعبي، في حين يقول محللون إن “الائتلاف السوري” و”الحكومة المؤقتة” يحاولان تصوير مجزرة جنديرس على أنها ممارسات فردية وبدوافع شخصية، وليست انتهاكات ممنهجة تنفذها الفصائل التابعة لتركيا هناك.
“الائتلاف السوري” يبرر الممارسات التركية في عفرين
مدير المركز الكردي للدراسات نواف خليل، قال في تصريحات لمنصة تارجيت، إن الجريمة التي حصلت في جنديرس واستهدفت عائلة كاملة ليست الأولى التي ترتكبها الفصائل ومن ورائها تركيا في منطقة عفرين، إلا أنها كانت الأبشع وكان لها صدىً أكبر، والتي يحاول “الائتلاف السوري” إيجاد الذرائع لتبريرها وتهدئة الأوضاع، ويبدو أنهم تقاسموا الأدوار، حيث هناك دور للمجلس الوطني الكردي وأبرز شخصياته المدافعة عن السياسات التركية مثل عبد الحكيم بشار، الذي طالما أنكر وجود التجاوزات في عفرين، التي تؤكدها تقارير المنظمات الأممية كالمفوضية السامية للأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية التي تقول إنها ترقى إلى جرائم حرب.
خليل، أضاف، أن عضو المجلس الوطني الكردي فؤاد عليكو، هدد بتجميد عضوية المجلس في “الائتلاف السوري” الذي يمثل المظلة السياسية لـ”الجيش الوطني” وليس الانسحاب من الائتلاف في حال عدم الاستجابة لمطالبهم، مشيراً إلى أن الأخير كان يعتبر أيضاً المظلة السياسية لـ”الجيش الوطني” عند احتلال عفرين وتهجير مئات الآلاف وارتكاب جرائم بحق السكان الأصليين وتجريف المواقع الأثرية، قبل أن يصرح عضو المجلس الوطني الكردي شلال كدو أن تصريحات عليكو هي رأي شخصي ولا تمثل المجلس، ما يتضح أن هناك توزيع أدوار بين أعضاء “الائتلاف السوري”.
سياسة تتريك ممنهج في الشمال السوري
من جهته، قال باحث دراسات السلام وحل النزاعات من جامعة كوفنتري البريطانية الدكتور زارا صالح في حديث لتارجيت، إن المجزرة التي ارتكبتها الفصائل التابعة لتركيا في جنديرس، هي استمرار لاستراتيجية تركيا كدولة احتلال في تلك المنطقة القائمة على إحداث تغيير ديمغرافي هناك، مشيراً إلى أن عمليات القتل والتهجير للسكان الأصليين من عفرين بعد احتلالها بموجب صفقة بين روسيا وتركيا وبمشاركة من حكومة دمشق، يدل على أن ذلك هو الهدف الأساسي لتركيا، ولافتاً إلى أن الأخيرة أطلقت يد الفصائل المسلحة للقيام بعمليات قتل وخطف ونهب للممتلكات لأنها تخدم أجنداتها، حيث تستطيع منعها من القيام بذلك لو أرادت.
صالح، أضاف أن جميع المناطق بالشمال السوري التي احتلتها تركيا يتم التعامل معها وكأنها محافظات تركية، من حيث رفع العلم التركي في الدوائر وتداول العملة التركية، وأنقرة تمارس هناك سياسة تتريك وتغيير ديمغرافي ممنهج، حيث انخفضت نسبة الكرد بالمنطقة بعد الاحتلال إلى أقل من خمسة وعشرين بالمئة بعد أن كانت نسبتهم هناك قبل الاحتلال أكثر من سبعة وتسعين بالمئة، وما يجري هناك يتم برضا ومباركة من روسيا والنظام السوري، الذي مارس هو الآخر سابقاً سياسة تعريب للمناطق الكردية في الجزيرة السورية.
من جانبه، أدان مجلس سوريا الديمقراطية في بيان، مجزرة جنديرس وطالب بمحاسبة مرتكبيها وجميع المسؤولين عن ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية والانتهاكات اليومية للقانون الدولي الإنساني التي تحصل بعفرين، مؤكداً أنه لا يمكن فصل المجزرة عن سياق الاحتلال والتهجير والتحريض ضد الكرد بالمنطقة، وطالب في الوقت نفسه بضرورة إعلان عفرين منطقةً منزوعةَ السلاح وإخراج كافة الفصائل المسلحة منها، والسماح بالعودة الآمنة لسكانها المُهجّرين تحت إشرافِ المجتمع الدولي وتسليم إدارتها لسكانها الأصليين، وإطلاق سراح كافة المعتقلين والمختطفين، وتعويض المتضررين، وضمان دخول وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية الدولية إليها، ومحاسبة المسؤولين عن كافة الجرائم التي ارتُكبته هناك.
هيومن رايتس ووتش تدين مجزرة جنديرس وتدعو لوقف القتل بعفرين
بدورها، أعربت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير لها عن إدانتها لمجزرة جنديرس، وطالبت بوقف الانتهاكات وعمليات القتل في منطقة عفرين، مؤكدةً على أن تركيا بوصفها قوة احتلال وداعمة للفصائل المسلحة في المناطق الخاضعة لسيطرتها شمالي سوريا، ملزمة بالتحقيق في عمليات القتل هذه وضمان محاسبة المسؤولين عنها، وقال نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المنظمة آدم كوغل، إن عمليات القتل هذه تأتي بعد أكثر من خمس سنوات من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وللقانون الدولي الإنساني والتي لم يتم التصدي لها.
خمسة أعوام من الانتهاكات في عفرين
مدير المركز الكردي للدراسات نواف خليل، أكد في تصريحاته لمنصتنا، أنه ومنذ بدء احتلال عفرين قبل خمسة أعوام، والعالم يشاهد ما يجري من انتهاكات هناك، حيث وثق مصور وكالة الصحافة الفرنسية منذ اليوم الأول لدخول القوات إلى عفرين صوراً تكشف كيف تتم عمليات النهب لممتلكات الكرد بدءاً من الماشية وصولاً إلى الآليات الثقيلة في ذلك اليوم الذي وصف بـ”يوم الجراد”، لافتاً إلى أن القوى المنضوية في “الائتلاف السوري” بما في ذلك المجلس الوطني الكردي برروا لتركيا تلك الممارسات بل أنكروا حدوثها، ومعتبراً في الوقت نفسه أن التصريحات المتضاربة لـ”قادة المعارضة” بشأن جريمة جنديرس توضح أن هناك محاولة لطي صفحة الجريمة، التي لن يسكت عنها الشعب الكردي هذه المرة، على حد تعبيره.
استهداف تركي ممنهج للكرد
وبحسب خليل، فإنه ومنذ التوقيع على اتفاقية لوزان قبل مئة عام، عملت تركيا بكل ما تملك لقمع أي تطلعات كردية، مثل ثورة الشيخ سعيد وثورة جبل آكري وغيرها، ولم تكتف بالقتل بل عمدت إلى تهجير الكرد في محاولة لتغيير جغرافية كردستان وتنفيذ تغيير ديمغرافي للمنطقة وجلب أتراك وقوميات أخرى إلى شمال كردستان تنفيذاً لما يعرف بقانون “إصلاح الشرق” الذي تم إقراره عام ألف وتسعمئة وخمسة وعشرين، الذي كان يهدف لإخلاء “ديار بكر” من الكرد بحلول عام ألف وتسعمئة وخمسين، مشيراً إلى أنه منذ عام ألف وتسعمئة وثلاثة وعشرين حتى ألف وتسعمئة وواحد وتسعين لم يتم الاعتراف بوجود الكرد في تركيا، حيث أنه في هذا التاريخ أقر سليمان ديمريل بوجود الكرد دون الاعتراف بحقوقهم القومية، كما أن الموقف التركي الرسمي أظهر العداء للاستفتاء على الاستقلال بإقليم كردستان العراق، إلى جانب أن أنقرة سمحت للفصائل المسلحة بدخول رأس العين/ سري كانيه عام ألفين واثني عشر، أي قبل تأسيس الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، كل ذلك يؤكد أن الممارسات في عفرين ممنهجة وتستهدف وجود الشعب الكردي.
إذاً، فجريمة جنديرس ليست الأولى ويبدو أنها لن تكون الأخيرة التي ترتكبها الفصائل المسلحة ومن ورائها تركيا بالمناطق المحتلة شمالي سوريا، إلا أنها سلطت الضوء على جرائم وانتهاكات تمارس بحق السكان الأصليين، الذين لازالوا يدفعون الضريبة الأكبر للحرب الدائرة في سوريا، التي ذكتها تدخلات الدول الإقليمية وحولتها إلى صراع مفتوح خدمةً لأهدافها التي يتصدرها تغيير ديمغرافية المنطقة.