أثار توجه ذوي ضحايا مجزرة جنديرس، التي راح ضحيتها أربعة أفراد من عائلة واحدة، في ليلة العشرين من مارس الجاري، وهي “ليلة النار” التي تسبق “عيد النوروز”، إلى بلدة أطمة بريف إدلب، التي تُسيطر عليها “هيئة تحرير الشام”، لمواجهة مُنفذي المجزرة، تساؤلاتٍ واستغراب المراقبين للوضع في عفرين، من خارجها.
فمنفذو المجزرة، هم قائد يسمى “حسن الضبع” ومسلحون من فصيل “جيش الشرقية”، أحد مكونات “الجيش الوطني السوري”، حيث كان قد سيطر الجيش التركي في مارس العام 2018، على عفرين، برفقة فصائل ما يسمى”الجيش الوطني”، بعد معارك دامية استمرت قرابة الشهرين، ضد “قوات سوريا الديمقراطية”.
لماذا توجّه ذوو ضحايا المجزرة للاستنجاد بـ”النصرة”؟
توجهت “منصة تارجيت” بهذا السؤال إلى مصدر مطلّع على الأرض في جنديرس، والذي قال أن “تجربة أهالي جنديرس مع جبهة النصرة، تشير إلى أن الأخيرة لم تقم بانتهاكات فجة بحقهم، على شاكلة ما تنفذه فصائل الجيش الوطني السوري، أقله إن النصرة مُنضبطة، ورغم أنها حركة دينية راديكالية، لكن مسلحيها على الأقل لا يسرقون”.
مردفاً: ” بجانب أن الناس في جنديرس على الأرض، لم يأخذوا الأمور بشكلها السياسي، بل بحثوا فقط عمن ينقذهم من جرائم مسلحي الجيش الوطني”، مستدركاً: “بأن الانتهاكات توسعت بشكل يومي ولم تتراجع، عندما دخلت النصرة في الفترة السابقة إلى عفرين”.
هل فرضية تدبير “النصرة” للمجزرة واردة؟
حول ذلك، أوضح المصدر لـ”تارجيت” أن “الأهالي لا يمتلكون معلومة دقيقة حول علاقة الجولاني مع الضبع، لكنه على يقين بأنه توجد علاقة تربطهم معاً، ليس فقط بين الجولاني والضبع، بل توجد كثير من الصور التي تجمع بين متزعمي من داعش وقيادات جيش الشرقية، الذين كانوا قيادات في داعش سابقاً”.
وقد عرض ناشطون عقب مجزرة جنديرس، صورة تجمع “أبو محمد الجولاني” متزعم “هيئة تحرير الشام”، مع “حسن الضبع” المتزعم في فصيل جيش الشرقية، ومُنفذ مجزرة جنديرس، وفق تأكيدات أهالي جنديرس.
وتابع المصدر لـ”تارجيت”: “بالتالي ليس الأمر سراً أو مُفاجئاً لنا، لأن الجولاني نفسه كان سابقاً متزعماً في داعش، قبل انفكاكه عن البغدادي، وعليه فإن كل هؤلاء قد رضعوا من الثدي نفسه، وهو الإسلام الراديكالي، وعلاقة هؤلاء مؤكدة مئة بالمئة، وعليه، أضع فرضية أن المجزرة مدبرة بين الجولاني وجيش الشرقية”.
وبخصوص ما يجعله مُتأكداً من تلك الفرضية، قال المصدر: “حتى يتوجه الأهالي للاستنجاد بالجولاني، ويمنح نفسه الشرعية للقضاء على الفصائل المتواجدة في عفرين، ويتسلم السلطة فيها”.
وأكمل: “كان مُخططا لتنفيذ بلاء ما في جنديرس، ليس بالتحديد ضد الضحايا الأربعة الذين تم استهدافهم، بل ضد أي تجمع كُردي، وكان مُمكناً أن يكون عدد الضحايا أكبر، لدفع الناس للتوجه إلى أطمة وجبهة النصرة، وحكومتها المُسماة بحكومة الإنقاذ، كي يقولوا لهم أنتم الوحيدون القادرون على القصاص لنا”.
ما الذي ضَمَنَ لـ”النصرة” استنجاد أهالي جنديرس بها؟
في سياق تلك الفرضية، استفسرت “تارجيت” عما كان يكفل لـ”النصرة”، توجّه أهالي جنديرس للاستنجاد بها، حيث أوضح المصدر أن “النقطة الأقرب إلى جنديرس، هي أطمة حيث النصرة، إذ يتوجه عادة كثير من أهالي جنديرس، لقضاء حوائجهم وتأمين مستلزماتهم من أطمة، دانا وسلقين، بريف إدلب”.
كما ذكّر المصدر، بالحملة الأمنية التي نفذتها النصرة قبل فترة في جنديرس، ولاحقت فيها فصائل الجيش الوطني السوري، حيث تعهدت للأهالي آنذاك بمُحاسبة الفصائل المسلحة، ما خلق نوعاً من الطمأنينة لديهم، تجاهها.
وأوضح المصدر لـ”تارجيت”: “يبدو لنا أن هناك جهات على الأرض، تعمل لتعويم جبهة النصرة في جنديرس، وبالأخص العرب الموجودين في المنطقة بالأصل، حيث كان كثير منهم مع النصرة، منذ العام 2013، ومنهم شخص يدعى الأستاذ جمال، الذي كان أستاذً للتربية الدينية، وقد هرب من جنديرس في الأعوام التالية للحرب الأهلية السورية، وشوهد بعدها أميراً من أمراء الدولة الإسلامية في العراق والشام، في إدلب”.
الأمر الآخر يتمثل في أن الجيش التركي يتجاهل شكاوى الأهالي، بالرغم من وجود نقاط له في الناحية، حيث لم يحاسب حتى اليوم، أي مُسلح في جنديرس، على الجرائم التي ارتكبوها خلال السنوات الخمس الماضية، ومن تم إلقاء القبض عليه، أخلي سبيله في اليوم التالي، وجلّ الفصائل المتواجدة في جنديرس وفي ريفها، منضوية ضمن فصيل جيش الشرقية، وهم من يرتكبون الانتهاكات في المنطقة.
هل الشبان المُقبوض عليهم، هم الجُناة الحقيقيون؟
بالعودة إلى مجزرة جنديرس، زعمت “حركة التحرير والبناء”، التابعة للجيش الوطني السوري، في الواحد والعشرين من مارس، إلقائها القبض على مُنفذي المجزرة، وعرضت لقاءً مُصوراً مع ثلاثة شبان في العشرينات من العمر، مُدعيةً أنهم الجُناة، لكن دون التطرق لـ”حسن الضبع”، القيادي في فصيل جيش الشرقية، المُنفذ الفعلي للمجزرة.
وفي هذا الصدد، اعتبر المصدر لـ”تارجيت”، إن القبض على هؤلاء الشبان “مسرحية”، مُستكملاً: “تم القبض عليهم بغية تمييع الجريمة، ونستطيع استنتاج ذلك من بيانات المُعارضة بمُختلف مُؤسساتها، من ائتلاف وغيرها، بينما لم يجري القبض على حسن الضبع، رغم أن معالم الجريمة واضحة”.
هل مطالب أهالي جنديرس مُمكنة التحقيق؟
في يوم تشييع الضحايا الأربعة، الثلاثاء، الواحد والعشرين من آذار مارس، أعلن أهالي جنديرس، عن اعتصامهم أمام بيوت الضحايا، حتى تنفيذ مطالبهم بالقصاص من القتلة الحقيقيين، كما رفع آلاف المتظاهرين، مطالب مُحددة تمثلت بإخراج المسلحين، ووضع عفرين تحت الحماية الدولية، والمُطالبة بدخول قوات البيشمركة إلى المنطقة.
وحول الدعوة إلى دخول قوات البيشمركة، لفت المصدر لـ”تارجيت”، إلى أنه يعود إلى تَمَكُنْ “منظمة بارزاني الخيرية” خلال الفترة السابقة، بعد الزلزال المُدمر، من الدخول إلى عفرين وجنديرس، وهو “ما خلق لدى البعض أملاً نسبياً، بالقدرة على إدخال قوة عسكرية إلى جنديرس، وعفرين، مستقبلاً، حيث لم يتعاطى الأهالي مع الحدث بشكل سياسي، بل بشكل عاطفي”، واصفاً ذلك بـ”الغريق الذي يتمسك بالقشة”، أملاً بإنقاذه.
وتابع بأن “مطالب ذوي الشهداء كانت واضحة، منذ الدقيقة الأولى لتنفيذ المجزرة، وتمثلت بالمطالبة بإعدام الجُناة (حسن الضبع والمسلحون المرافقون له)، في نفس المكان الذي نفذت فيه المجزرة، أما مطالب القوى السياسية في جنديرس وعفرين، فقد ظهرت في بيان ألقي خلال تشييع جثامين الشهداء، ورددها المتظاهرون، إذ تم تنظيم المطالب، ومنها الحماية الدولية ودخول البيشمركة، ومُحاكمة الجناة وطرد “الجيش الوطني السوري” من عفرين”.
مُطالبة القوى الكُردية بالدعوة الصريحة لخروج الجيش التركي
وتقدم المُراقب بمُلاحظات لـ “تارجيت” فقال: “ملاحظاتي، هي أنه قد جرى تجاهل الدور التركي، وتجاهل دعوته للقيام بواجباته كقوة احتلال، وتجاهل مُطالبته بإخراج جيشه من عفرين، وهو ما سيعني بشكل آلي نهاية فصائل الجيش الوطني، التي لا تتمتع بأي حاضنة في عفرين، حيث يستطيع سكان عفرين الأصليون الكُرد، تحرير أنفسهم بأنفسهم، إذا انسحب الجيش التركي ورفع غطائه عن مسلحي الجيش الوطني”.
ودعا المصدر “القوى السياسية في عفرين، إلى تحمل المسؤولية التاريخية المُلقاة على عاتقها مهما كان الثمن، عبر مُطالبتها لـ تركيا بالخروج من عفرين بشكل واضح وصريح”، فـ “عفرين تضمحل وتنتهي، رغم الشعارات التي رفعت في التظاهرات، والتي كانت تقول بأن عفرين كُردية، لكن الواقع عكس ذلك، ونسبة الكُرد باتت قليلة، والمسؤول عنها هو الوجود التركي”.
كما طالب المصدر “الأطراف الكُردية المُشاركة في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمُعارضة، بالخروج منه”، مُردفاً: “حتى لو جاءت مُتأخرة، إن كان شهداء جنديرس سيكونون سبباً لصحوة كُردية، تدفع القوى السياسية لتغيير مواقفها، فإننا سنؤيد خطواتها، والتصريحات وحدها غير كافية، بل هي بحاجة إلى خطوات عملية، وألا ستكون مجرد زوبعة في خضم حالة الهيجان الشعبي”.
مُختتماً بالقول: “يجب ألا تكون التصريحات مُؤقتة، وألا يجري تبرير الجرائم بأنها حالات فردية، أو بأن 75% من الأخبار عن عفرين، غير صحيحة، كما أعلن البعض سابقاً”.
هذا ولا تزال المُظاهرات والاعتصام أمام منزل ضحايا المجزرة في جنديرس، قائمةً لليوم الثاني على التوالي، في ظل الغضب الشعبي العارم، وهو ما يُشير إلى عدم اقتناع ذوي الضحايا وأهالي جنديرس وعفرين عموماً، بالرواية المزعومة حول القبض على الجُناة المُفترضين، بالأخص أن الجاني الرئيسي في المجزرة وهو “حسن الضبع”، لا يزال طليقاً، ولم تجري مُحاسبته.