واجهت مدينة جنديرس جنوب عفرين، ليلة العشرين من مارس، وهي “ليلة النار”، التي تسبق صباح “عيد النوروز القومي الكردي\رأس السنة الكردية”، مجزرة مُروعة، نفذتها إحدى فصائل الجيش الوطني السوري”، وراح ضحيتها 4 أفراد من عائلة واحدة، إضافة إلى 2مصابين.
وفي التفاصيل، قتل ثلاثة مواطنين كُرد، في مركز ناحية جنديرس بجانب وجود 2 مصابين، أحدهم إصابته خطرة، من عائلة بيت پيشمرگ المعروفة بالمدينة، بعد إشعالهم النار داخل منقل شواء أمام منزلهم.
حيث اعترض مسلحون من فصيل “جيش الشرقية” الموالي لتركيا، وأمروهم بإطفاء النار، لتحصل مُلاسنة وشتم من قبل المسلحين للكُرد ولعيد النوروز، قبل أن يتطور الأمر إلى إطلاقهم النار على المتواجدين هناك، مما أدى إلى مقتلهم، وهم كل من: الأشقاء الثلااثة (نظمي محمد عثمان /53/ عاماً- صباح اليوم، فرح الدين محمد عثمان /45/ عاماً ونجله محمد فرح الدين محمد /19/ عاماً، محمد محمد عثمان /٣٨/ عاماً)، والمصابين هما: ( محمد محمد/ نجل الضحية نظمي، و فراس عبدو خليل).
ويُسيطر ما يسمى “الجيش الوطني السوري” على منطقة عفرين، وهي واحدة من ثلاث مناطق كُردية رئيسية في شمال سوريا، منذ 18 مارس 2018، برفقة الجيش التركي، عقب عملية عسكرية سميت بـ”غصن الزيتون”، التي أدت لتهجير غالبية سكان المنطقة الأصليين الكُرد، لصالح توطين آخرين من المدن السورية الداخلية.
الكُرد لا ظهير لهم
وفي هذا السياق، تحدث “أبو مصطفى” وهو أحد أهالي ناحية جنديرس، لـ”منصة تارجيت”، حول المجزرة فقال: “هذه عائلة يقال لها عائلة بيشمرك، وهو (أي بيشمرك) مواطن كُردي تعود أصوله إلى قرية قده التابعة لراجو، وقد انتقل منذ زمن بعيد إلى جنديرس، وهم عائلة مُؤدبة جداً، مُحترمة وتُحب شعبها، يعملون في أعمال البناء، غير منتسبون لأي أحزاب سياسية، وليس لهم مشكلات مع أحد”.
مردفاً: “بيشمرك نفسه متوفى، لكنه أخاه وأبناء بيشمرك، كانوا جالسين حول النار (التي توقد في ليلة عيد النوروز)، حيث مر شخص من جماعة جيش الشرقية اسمه حسن الضبع المُنحدر من دير الزور، حيث حدثت مُلاسنة على خلفية أمره لهم بإطفاء النار، قائلاً إن إشعال النار غير مسموح به، فيما قالت العائلة الكُردية أنهم كُرد، ويحق لهم إشعال النار، لتتطور إلى رفع المُسلح لرشاشه وإطلاقه النار عليهم بشكل مباشر، مما أدى إلى استشهاد 4 منهم”.
منوهاً إلى أنه يعتبر الحادثة حالة طبيعية للحقد الذي يتواجد لدى المسلحين، ضد أبناء الشعب الكُردي في عفرين، واصفاً إياهم بـ”الحثالات الجامعة للحقد الشوفيني على الكرد”، مختتماً: “الكُرد في عفرين، مع الأسف لا ظهر لهم أو مُساند قد يُساهم في الدفاع عنهم، وتحصيل حقوقهم المهضومة”.
المُعارضة أسوء من النظام بـ101 مرة
أما “بافي دلير” وهو من سكان جنديرس، فقد قال لـ”تارجيت: “بدون شك هذه ليست المرة الأولى التي تحصل فيها مثل هذه الوقائع، انا وفرح الدين كنا سابقاً جيراناً في جنديرس، وسبق أن تعرضنا إلى الضرب من قبل الشرطة السورية، قبل ما تسمى (الثورة السورية)، في نهاية التسعينات من القرن الماضي، عندما كنا نشعل النار بأعياد النوروز، حيث كان الأمن السوري يأتي ويعتدي علينا ضرباً بالهراوات، لكنه لم يتجرأ في أي عام على ضربنا بالرصاص الحي”.
مُتابعاً: “حتى العام 2004، وفي ذلك العام، استخدم الأمن السوري الرصاص الحي بمواجهة مَن احيوا ذكرى مجزرة حلبجة (16 مارس)، حيث قتل عدة مدنيين في جنديرس، نتيجة العقلية العنصرية للنظام، ولكن مع الأسف، جاء مسلحو المعارضة، الذين يدعون إنهم مُستقبل وخلاص سوريا، إلى عفرين، ونفذوا أفعالاً عنصرية تتجاوز النظام بـ101 مرة إضافية، لأن خلفيتهم دينية راديكالية”.
مؤكداً أن المسلحين تعمدوا توجيهم رصاصهم القاتل إلى صدور أهالي جنديرس، ولم يستخدموا الرصاص للترهيب، وهو ما كان يعمد إليه عادة عناصر الأمن السوري قبل العام 2011، حيث تم قتل الأفراد الأربعة من نفس العائلة بدم بارد.
المجزرة مُدبرة.. والمُعارضة تُحاول تمييعها
مستكملاً: “بإمكاننا أن نقول بأن ما يحصل هو نتيجة تلاحم العنصريين من العرب، مع العنصريين التُرك، لمواجهة الكُرد، وهو ما أنتج مجزرة جنديرس، إذ واجهوا الناس المُحتفلين بعيد النوروز، بالرصاص الحي في صدورهم العارية، والصور أكبر دليل على ذلك، حيث كل الإصابات القاتلة هي مُباشرة في الصدر”.
كما بيّن “بافي دلير”، أن المجزرة كان مُخططاً لتنفيذها بصورة ما، حيث كان هناك حالة أمنية مفروضة منذ صباح الإثنين، وقد طلب المسلحون من الناس عدم التوجه والتنقل بين عفرين ونواحيها، ومنها جنديرس، في ظل فرض حالة استنفار، مستدركاً: “اعتقد أن المجزرة كان مدبراً لها بشكل مُسبق”.
فيما أصدرت كل مما تسمى بـ”وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة” المُعارضة، بياناً أرجعت فيه المجزرة إلى ما أسمتها “مُشاجرة” بين مسلح ومدني من طرف والعائلة الكُردية من جهة أخرى، بينما أرجعت ما تسمى “حركة التحرير والبناء” التابعة لـ”الجيش الوطني السوري”، المجزرة إلى الاعتراض على إضرام النيران بالقرب من المخيمات، وهو ما اعتبرها ناشطون كُرد مُحاولات من المُعارضة لتمييع المجزرة.
المصداقية المفقودة للمُعارضة
وعقب المجزرة، خرجت مُظاهرة شارك فيها المئات من أهالي جنديرس، أمام المشفى العسكري، حيث امتنع ذوو الضحايا عن استلام جثامينهم، لكنهم فيما بعد، استلموها وتوجهوا ضمن موكب مُكون من عشرات السيارات إلى بلدة أطمة التابعة لمحافظة إدلب، بغية الاستنجاد بما تسمى “هيئة تحرير الشام”، وقد عرض نشطاء إعلاميون مشاهد مباشرة لتجمهر ذوي الضحايا وأهالي جنديرس في دوار أطمة، وعقبها عُرضت مشاهد مُصورة للقاء المدعو “أبو محمد الجولاني” مع ذوي الضحايا.
“روني”، وهو كذلك من أهالي جنديرس، قال لـ”تارجيت” حول ذلك: “بدايةً، رفض ذوو الشهداء استلام جثامين أبنائهم، قبل القصاص من القتلة، حيث تجمهروا أمام المشفى العسكري”، لكن ذلك تم فيما بعد، حيث سيجري دفن الجثامين غداً، وحول ذلك أشار “روني” إلى أنهم سيتوجهون غداً إلى مراسم دفن الشهداء، كأهالي جنديرس وباقي النواحي في عفرين، قائلاً: “تواصلنا مع الأصدقاء والمعارف، للمشاركة بالدفن، بأكبر عدد ممكن”.
وحول ما قيل عن اعتقال المتورطين في عملية القتل، قال “روني”: “تم إلقاء القبض على العصابة التي نفذت الجريمة، من قبل الشرطة العسكرية، وهم معروفون لنا، ويقودهم حسن الضبع من جيش الشرقية، الذين كانوا سابقاً منتسبين إلى داعش”، بيد أنه شكك بإمكانية مُحاسبة الجُناة فعلياً من قبلهم، قائلاً: “سيكونون الآن يشربون القهوة معاً في مقر الشرطة العسكرية”.
وهو ما ذهب إليه “بافي دلير”، الذي أوضح بأنه لا يعتقد بمصداقية مؤسسات المُعارضة الحاكمة في عفرين، قائلاً: “حتى لو كان قد جرى القبض عليهم، سيقومون بالإفراج عنهم غداّ، فمنذ دخولهم لعفرين، ورغم الكم الهائل من الجرائم التي ارتكبوها، لم يُحاكم أي واحد منهم، حتى أبو عمشة الذي جرى استبعاده لعدة أيام، عاد ويمارس إرهابه”.
هو آذار الكرد هو النوروز في ظل الاستبداد بدلاً من أن يكون مكللاً بالربيع والسلام واليوم الجديد يلونه المارقون والعنصريون بالدم، هو كأس يشرب منه الكرد عبر التاريخ، فهل بلغ السيل الذبى؟ هل ستكون هذه المجزرة ايذاناً بيوم جديد يثور فيه أهالي عفرين المحتلة في وجه محتليهم ومستبديهم؟
وهل ستكون هذه الجريمة ذريعة ناجعة لهيئة تحرير الشام للدخول الى منطقة عفرين من بابها الواسع ؟ بعد “دعوة أهالي عفرين للهيئة بالدخول”، يبدو أن وراء الأكمة ما وراءها، ووراء المجزرة ما ستتمخض عنه الأيام القادمة.