يصادف اليوم السبت\18 آذار مارس، الذكرى السنوية السادسة لسيطرة الجيش التركي وفصائل “الجيش الوطني السوري” الموالية له، على منطقة عفرين ذات الخصوصية الكردية شمال غرب سوريا، وذلك إثر معارك ضارية استمرت لـ 58 يوماً، بدأت في العشرين من يناير من العام 2018، تحت مسمى “عملية غصن الزيتون”.
الحرب التركية التي شنت حينها، أُرجعت إلى تهديدات مزعومة تنطلق من عفرين، ولحماية الأمن القومي التركي، الذي بات شماعة تستخدمها أنقرة في مهاجمة الدول المجاورة، وهو ما يُصاحب بكثير من الانتقاد، كونه لا يعد مبرراً لدولة بأن تغزو أخرى.
إذ لم تقدم أنقرة، لعملها العسكري أي مُبرر فعلي، كما لم تقدم لمجلس الأمن أي مسوغات للعملية العسكرية، ولم تبرز أي دلائل على التهديدات المزعومة، باستثناء ما كان ينشره الاعلام التركي عن عمليات عسكرية مزعومة من قبل قوات سوريا الديمقراطية، ووحدات حماية الشعب والمرأة، وهي القوات العسكرية التي كانت تتواجد في المنطقة وتحميها من الحرب الأهلية المستعرة على كامل الأراضي السورية منذ العام 2011، والتي كانت تُزكيها أنقرة، عبر تمويل وتسليح فصائل عسكرية، تارة تحت مسمى دعم مطالب الشعب السوري بالحرية والخلاص، وتارة تحت مسمى حماية أمنها القومي.
بعد 18 مارس العام 2018
ما أن أطبقت أنقرة وفصائلها السورية الموالية لها، سيطرتها العسكرية على عفرين وقراها الـ366 في ذلك اليوم، حتى رصدت كاميرات الصحفيين المرافقين لهم، وجلهم أتراك أو وكالات دولية تراقب العملية، (حتى رصدت) عمليات نهب وسلب واسعة، طالت كل ما وصلت إليه أيدي مسلحي “الجيش الوطني السوري”، ابتداءً من المعلبات الغذائية، مروراً برؤوس الماشية والدجاج، ووصولاً إلى المركبات والآليات الزراعية، وهو ما أطلق عليه الناشطون الكُرد مُصطلح “يوم الجراد”، كون المسلحين لم يتركوا أخضراً أو يابساً إلا وسرقوه ونهبوه.
لتدخل عفرين فيما بعد نفقاً مظلماً، عنوانه الانتقام من كل سكانها الأصليين الكُرد، حيث بدأت رحلة عذابات طويلة لم تنته إلى اليوم، فجرى سجنهم بتهم جاهزة، على رأسها مُوالاة “حزب الاتحاد الديمقراطي”، أو العمل مع مؤسسات “الإدارة الذاتية في مقاطعة عفرين”، بجانب الانتساب للقوات العسكرية التي كانت تحمي عفرين، قبل سيطرة الاتراك عليها واحتلالها.
وبدأت الاخبار تتحدث منذ ذلك الحين، عن عمليات تعذيب وقتل تحت التعذيب كان آخرهم المحامي لقمان حميد حنان البالغ من العمر (45) عاماً، في الثاني والعشرين من ديسمبر العام الماضي.
بجانب أخبار لا نهاية لها، عن عمليات سلب ونهب واستيلاء لمسلحين وآخرين مدنيين وطّنوا في عفرين بعد (غصن الزيتون)، وهو اسم العملية التركية ضد المنطقة، إضافة إلى قطع الأشجار واستهداف التلال الأثرية بعمليات حفر عشوائية نفذها المسلحون والموالون لهم.
إضافة إلى انتهاكات واسعة أخرى، رمت في مُجملها وفق مراقبين، إلى تهجير القلة المُتبقية من سكان عفرين الأصليين الكُرد، الذي كانت نسبتهم تاريخياً تصل إلى 98% من السكان، وتقلصت بعد (غصن الزيتون) إلى 25% في أفصل التقديرات، نتيجة التهجير القسري والتغيير الديموغرافي الذي انتهجته أنقرة في المنطقة.
موقف القوى السياسية
كان الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة، والذي يتخذ من الأراضي التركية مركزاً لنشاطه، مُباركاً بقوة للعملية العسكرية، إضافة إلى مُباركة التجمعات الدينية الدائرة في فلك المعارضة، ومنها المجلس الإسلامي السوري، وهي في المجمل قوى تُهيمن عليها جماعة “الإخوان المسلمين” السورية.
على المُنقلب الآخر، كانت الأحزاب السياسية الكُردية المُنضوية ضمن “مجلس سوريا الديمقراطية”، أو القريبة منها، والتي رفضت “الاحتلال التركي” لـ عفرين، جملة وتفصيلاً، ولطالما تتحدث عن ضرورة تحرير المنطقة، وعودة سكانها الأصليين، لكنه يبدو مطلباً أكبر من قدراتهم حتى الوقت الراهن، رغم أن الصورة لا تزال ضبابية ومبهمة.
لكنها على ما يبدو، تتحضر، تتجهز وتعمل سياسياً وعسكرياً، لتعويم قضية عفرين وعدم طيها مع الزمن، وهو ما يجعل مستقبل المنطقة غير واضح، مفتوحاً على مُختلف الاحتمالات، ومُرتبطاً إلى حد بعيد بتجاذبات القوى الكبرى وصراعاتهم على الأراضي السورية.
وفي هذا الصدد، أصدر “مجلس سوريا الديمقراطية”، السبت، بياناً أكد فيه أنه “بعد خمس سنوات من الاحتلال التركي لمنطقة عفرين، تسود المنطقة حالةٌ من الفوضى والفلتان وانعدام الأمن وتفشي ظاهرة حمل السلاح واستخدامه بشكلٍ عشوائي، وحالات اقتتال بين الفصائل الموالية لتركيا وامتدادات علنية لهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) على جغرافيا المنطقة تحت أنظار الجيش والاستخبارات التركية”.
مضيفاً: “كما ويعاني مهجّرو عفرين في مناطق ومخيمات الشهباء ومدينة حلب الأمرّين في ظل ظروف معيشية صعبة للغاية، محاصرون بين حواجز السلطة في دمشق وحواجز فصائل أنقرة الإرهابية، لا تصلهم الإغاثة الدولية ولا يعيرهم الإعلام العالمي أي اهتمام، كما أنهم ممنوعون من العودة إلى ديارهم بسبب غياب أدنى شروط العودة الآمنة”.
وأدان المجلس “الاحتلال التركي وممارساته في منطقة عفرين وباقي المناطق المحتلة في الشمال السوري”، مطالباً “المجتمع الدولي ممثلاً بمجلس الأمن الدولي والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية، بالتحرك والعمل على إنهاء الاحتلال التركي وإخراج الفصائل الموالية لها وتقديمهم للمحاكم الدولية، وتأمين عودة كريمة للسكان الكرد الأصليين وتعويض المتضررين”.
كما دعا المجلس “كافة الأطراف السورية المؤمنة بالحلول الوطنية إلى توحيد موقفها والعمل من أجل خلاص الجغرافية السورية الملتهبة من المحتلين والمتاجرين بالدم السوري”، مؤكداً “أن الحلول المستدامة لا تأتي عبر التطبيع بين سلطات مستبدة ومستغلة لآلام شعوبها، بل عبر مقاربات وطنية واقعية تراعي تطلعات الشعوب في العيش بكرامة وحرية”.
كيف ينظر أهالي عفرين لواقعهم؟
“أبو صلاح شيخو” وهو من أهالي عفرين الذين هُجروا قسراً، ولجأوا بعد (غصن الزيتون) إلى ألمانيا، قال في حديث لـ”منصة تارجيت”: “في 18 آذار لعام 2018، ذلك اليوم الأسود كان حزيناً وكئيباً على أهلنا الكرد في عفرين وضواحيها، عندما دخلتها قوى الظلام والتطرف، واستباحت ترابها وكل شيء يمثل هوية الكرد في تلك البقعة الجغرافية الصغيرة”.
مُردفاً: “تبقى في قلوبنا كبيرة وكبيرة، ما دمنا أحياء، لكن نأمل في القريب العاجل أن تعود عفرين وقراها كاملة إلى أهلها الكرد، وما كانوا من الأخوة العرب الذين هم بالأصل من سكان عفرين، ويكون لها خصوصيتها”، و”مخاوفنا أن تبقى هذه العائلات التي قدمت مع المرتزقة في عفرين، ونحن بالغنى عن هؤلاء الناس”.
عفرين رمزاً للمقاومة والتمسك بالهوية الكُردية
أما “روهلات إيبش” وهو من أهالي عفرين وهاجر الى أوروبا بعد الاحتلال فقال لـ”تارجيت”: “في مثل هذا اليوم، حاول النظام الفاشي التركي عبر تاريخه الدموي محو الهوية الكُردية العفرينية”، متابعاً: “أقول هنا، قد حاول لأن الدولة التركية حاولت كثيراً خلال القرن المنصرم إبادة وصهر الهوية الكُردية في عفرين، لكنها لم تنل من كُرد عفرين وهي محاولة من محاولاتها القذرة”.
مُستدركاً: “العفرينيون متمسكون بهويتهم الكُردية أينما كانوا، لأنهم حافظوا على كُرديتهم وخصوصيتهم ونقلوها للجيل الجديد الواعي والمدافع عن قضيتهم ومنهم من قدم روحه دفاعاً عنها”، ومؤكداً أن “عفرين باتت اليوم، رمزاً للمقاومة والتمسك بالهوية الكُردية، ولا خوف من ضياع حق تمسك به أبنائه”.
كما أشار لـ”تارجيت”: “سوف نخبر أبنائنا لماذا الدولة التركية حاولت وتحاول الآن إبادتنا في عفرين، ومحو هويتنا الكُردية في عفرين مباشرة وعبر مرتزقتها من السوريين اللذين تبين إنهم في الأصل لم يكن هدفهم نظام الأسد، وإنما إبادة الكُرد يداً بيد مع النظام الفاشي التركي”، مختتماُ بالقول: “سوف نخبر أبنائنا هذا الشيء، لكي يبقوا شامخين وأشداء متمسكين بهويتهم وأرضهم وأرض أجدادهم، وما المحتل التركي ومرتزقته إلا زائلون”.
غصة لا توصف
أما الفنان التشكيلي الكُردي المُنحدر من عفرين، “أصلان معمو”، والذي هجر أيضاً من عفرين في العام 2018، فقد قال لـ”تارجيت”: “كثير من الأحيان لا نستطيع أن نعبر عن مشاعرنا الدفينة، وخاصةً عندما يكون الأمر متعلقاً بشيء متل التهجير القسري، أن يحترق الإنسان وينفصل عن جذور ترابه ومكان الذكريات التي عاش عليها في طفولته”.
مُستطرداً: “هو شيء قبيح ومأساوي، ونحن في القرن الـ21 المليء بمغريات التطور، الانسانية تنتهي وتنتحر في الشعور بالتهجير القسري، وبنفس الوقت نجد الإنسان يبحث عن الجمال ضد القبح الذي تصنعه آلات الحرب الغادرة والبشعة”.
وحول امنياته كعفريني، أوضح لـ”تارجيت”: “كأي إنسان بسيط أسكن في زاوية من زوايا الأرض، أن أعود وأكمل مشوار التطور الذي بدأت به في عفرين، عبر تأسيس مركز لتعليم الفن التشكيلي، وأن أطوره أكتر وأصل الي مستويات عالية، وأن تستمر النهضة في منطقتي، لأجل الأجيال القادمة، حتى تستطيع أن تُحقق ولو شيئاً بسيطاً من أحلام جميلة تسعى لها، ونعود إلى عفرين، ونكمل ما بدأناه من مشوارنا”، حيث كان الفنان التشكيلي يمتلك مرسماً شهيراً في عفرين، وساهم مع آخرين في تطوير مستوى الفن التشكيلي في المنطقة عبر معهده الخاص، إضافة إلى المعاهد الموسيقية التي تواجدت في عفرين قبل هجوم تركيا وفصائلها السورية.
وأنهى “معمو” حديثه لـ”تارجيت” بالبوح عن مخاوفه، فقال: هذا اليوم فيه غصة لا توصف بتهجيرنا قسراُ وليس بإرادتنا، والخوف من أشياء كثيرة، هو التغيير الديمغرافي وشكل المدينة الجميلة التي كانت تعيش بسلام واطمئنان كطفل وديع في حضن أمه، الخوف من سيطرة القبح على الجمال في هذا العالم السيء جداً، فنحن نحب الجمال ونسعى اليه”.