بعد اغتراب 15 عاماً.. الزلزال يُدمّر عائلة “محمد أوسو” وحلمه بجنديرس

قبل عام ونصف، قرر “محمد عبد الرحمن أوسو” العودة من لبنان، إلى منطقته عفرين، رغم ما تعانيه الأخيرة منذ استيلاء الجيش التركي وفصائل “الجيش الوطني السوري” عليها، في 18 مارس العام 2018، من انتهاكات وتجاوزات تطال السكان الأصليين الكُرد، كونه قد ضاق ذرعاً بالغربة، وحنّ إلى أرضه التي ترعرع فيها.

وبالفعل حصل ذلك، فعاد “محمد” مع عائلته إلى جنديرس، حيث يُقيم ذوّوه في قريته التابعة للناحية وهي “خالتا\خلطان”، ليستقر في مركز الناحية مع عائلته الصغيرة التي تتكون من 5 أفراد، هم محمد وزوجته ياسمين، وأبنائه عبد الرحمن ودليار ودليناز.

قرار “محمد” بالعودة كان يعود لسببين رئيسيين، أولهما أنه ضاق ذرعاً من المعيشة في الاغتراب، وبات يحنّ إلى أرضه، راغباً بإتمام حياته فيها، وثانيهما، تقدّم والده بالعمر، وعدم قدرته على خدمة الأراضي الزراعية التي يمتلكونها.

لكن، بعد عام ونصف من الإقامة في جنديرس، وتجهيزه محلاً تجارياً فيها قبل سبعة أشهر، شاءت الأقدار أن يكون “محمد” مع كامل أفراد عائلته، ضحايا للزلزال المُدمّر الذي وقع فجر السادس من فبراير الماضي، وحصد أرواح أكثر من 50 ألف إنسان في جنوب تركيا، وشمال غرب سوريا.

اغتراب لـ15 عاماً
مُقرّب من “محمد عبد الرحمن أوسو” سرد لـ”منصة تارجيت” بعضاً من تفاصيل قصة عودته لجنديرس، فقال: “أربعة من أخوة الفقيد يُقيمون في لبنان، والفقيد كان الأخ الأكبر من بينهم، حيث كان يُقيم في لبنان ويُمارس حياته هناك، منذ نحو 15 عاماً، إذ كان يعمل فيها كعامل مياومة”.

مُتابعاً: “بعد فترة، اشترى محمد بيتاً في جنديرس، ضمن شارع يلانقوز، كما كان يمتلك بيتاً في قريته خالتا، وقد قال لي (للمُقرّب) بأنه يرغب بالعودة لأنه تعب من الغربة، وألمّ المرض بوالده، فلم يعد قادراً على حراثة الأراضي، كونهم يقومون بحراثتها بالدواب”.

وحول أعمار الجد والجدة وعائلة محمد، قال المُقرّب: “يبلغ عمر الجد نحو 75 عاماً، فيما الجدة فيبلغ عمرها نحو 65 عاماً، أما محمد، فكان يبلغ من العمر 40 عاماً، وزوجته ياسمين نوري كيلو 35 عاماً، وأبنه الأكبر عبد الرحمن محمد أوسو 16 عاماً، وابنائه الآخران وهما توأم شاب وفتاة، فعمرهما 14 عاماً، وهما كل من دليار (الشاب) ودلينار (الفتاة).

“محمد” واسترداد محله
ووفق المُقرّب، كان “محمد” يعمل في جنديرس بأعمال البناء، وقد قام بتجهيز محله الذي كان سابقاً “على العضم\غير مكتمل البناء”، وتحت سيطرة فصائل “الجيش الوطني السوري”، حيث تمكن من استرداده، لكن لم تكد تمر 7 شهور على ذلك، إلا وقد ضرب الزلزال المنطقة، ليكون “محمد” أحد ضحاياها مع عائلته”، وبيّن المُقرّب: “بيته كان في الطابق الأول، وقد انهارت عليهم 3 طوابق أعلى منزلهم، وبلغ كامل مجموع ضحايا البناء 28 فرداً”.

مُستدركاً لـ”تارجيت”: “لا يمكن وصف هول الواقعة على أهله، فقد تمت سرقتهم من بينهم، وهذا قضاء الله لهم، وبعد وقوع الزلزال بيوم كامل، لم يتمكن أحد من إخراج جثاميهم إلا بعد مرور 25 ساعة على وقوع الزلزال، حتى جرى تأمين جرافة لرفع الأنقاض، والبدء بإخراج محمد مع عائلته”.

ولفت المُقرّب إلى أنه بعد الزلزال، توجه نحو 20 رجلاً من قرية “خالتا”، ومثلهم نحو 20 رجلاً من قرية “كفر صفرة” التي تنحدر منها “أم محمد\الجدة”، إلى منزل الأبن “محمد” في جنديرس، لرفع الأنقاض عنهم، مُستخدمين أدوات بدائية، بغية التأكد أولاً من وجود الضحايا تحت الأنقاض، لكنهم بقوا بجانب الأنقاض دون تمكنهم من رفعها.

ردّة فعل الجد والجدة
وأشار المُقرًب: “لقد كنا على أعصابنا بعد الزلزال، وعقب 25 ساعة، جاءتنا الأخبار بأن عائلة محمد بدأت تظهر أطرافهم تحت الأنقاض وهم متوفون، ولا تصدر منهم أصوات، حيث انهارت عليهم أطنان من الأسمنت، وفارقوا الحياة تحتها”.
“لا يمكن وصف ردة فعل والد محمد ووالدته (الجد والجدة)” يُوضح المُقرّب لـ”منصة تارجيت”، مُتابعاً: “يعاني الجد من أمراض بالقلب، وبداية لم يتجرأ أحد على إعلامه بخبر فقدان كامل عائلة ابنه محمد، بل تم إعلامه فقط بأن الزوجة (ياسمين) والابنة (دليناز) قد وجدتا متوفيتين”.

مُردفاً: “ليسأل الجد عن بقية العائلة، حيث تم إخباره بأن البحث جاري عنهم، وفيما بعد جرى إخباره بالخبر بشكل تدريجي، أما الجدة فبقيت نحو 15 يوماً غير مُدركة لما يجري حولها، من هول الخبر”، مُختتماً لـ”تارجيت”: “هو جرح في القلب لا يمكن تجاوزه، وحسرة لا نتمنى أن تصيب أحداً، فمن الصعب جداً أن يُغادر أحبائك من بينك، وأن تحترق فلذة كبدك أمامك”.

لكن ليس “محمد” الوحيد الذي دُمرّ الزلزال حلمه بالحياة على أرضه، فالدمار شمل كل أفراد أسرته والمُحبين له، الذين حلموا بأن يعود أبنهم البكر ويقوم بخدمة والده المُسن ووالدته المُسنة في سنواتهم الأخيرة، وهو ما بدى حلماً صعب التحقيق على أرض لم تفارقها المصاعب والشدائد من خمس سنوات، ليزيد الزلزال طين جنديرس وأهلها الأصليين، بلةً وشدة.

قد يعجبك ايضا