منتصف أبريل الجاري، خرج “إدريس موسى” المواطن الكُردي المُنحدر من منطقة عفرين، شمال غرب سوريا، بفيديو قصير، ونشره على مواقع التواصل الاجتماعي، حول قيام تركيا اعتقال زوجته، مع أربعة من أطفالهما، بهدف الضغط على شقيقها المُقيم في مناطق الشهباء، وإجباره على العمل لصالح الاستخبارات التركية، لتزويدهم بالمعلومات والإحداثيات عن تحركات القوات الكردية هناك.
أكبر الأطفال المعتقلين سناً كان 12 عاماً، وأصغرهم بلغ سنة واحدة، فيما جرت عملية الاعتقال للسيدة والأطفال، قبل نحو ثلاثة أشهر ونصف من الآن، وذلك عقب أن توجه الزوج في نهاية العام الماضي، إلى القارة الأوروبية، في رحلة البحث عن مستقبل أفضل لعائلته، قبل أن تباغته تلك الكارثة، وتحول حياته إلى جحيم، حيث يقيم في الوقت الراهن، في النمسا.
أفراد العائلة
توجّه “إدريس” موسى المُنحدر من قرية “صوان صغير/ جقماق صغير” بريف عفرين، إلى الداخل التركي، عقب احتلال تركيا منطقة عفرين، وتعرضه لمضايقات عدة فيها، من قبل فصائل “الجيش الوطني السوري”، حيث اضطر للذهاب إلى إسطنبول، منذ خمس سنوات، ومكث فيها إلى أن تمكن من إحضار أفراد عائلته منذ سنة.
وتكونت العائلة من الزوجة “دجلة جمال بكر”، وهي من مواليد 1/1/1993، من أهالي قرية “مروانية تحتاني”، التابعة لمنطقة عفرين، وأطفالهما: ماريا\مواليد 2011، مروان\مواليد 2013، محمد علي\مواليد 2015، ميرا\مواليد 2021.
أريد عائلتي
ورغم أن وصوله إلى مهجره في النمسا، كان يُشكل “نافذة فرج” للعائلة، إذ كان يفترض بأنه سيتمكن بعد فترة من لم شملها من تركيا، لكن حصل ما لم يكن في الحسبان، عندما جرى التجاوز على شرعة القانون والأعراف، من خلال جعل عائلته أداة ابتزاز عاطفي، في مُواجهة شقيق الزوجة، لإجباره على الإدلاء بمعلومات لصالح الجانب التركي.
إذ قد غزت تركيا في يناير العام 2018، منطقة عفرين، ذات الخصوصية الكردية شمال غرب سوريا، وتمكنت من احتلالها في منتصف مارس من العام نفسه، وهو ما ترافق بتهجير مئات الآلاف من سكان المنطقة الأصليين الكُرد، إلى مناطق الشهباء في شمال حلب، وجعل أهالي عفرين المُهجرين، في حالة عداء مُباشر مع الطرف التركي، لن ينتهي قبل انسحاب آخر جندي تُركي من المنطقة، وإعادتها إلى سكانها الأصليين.
وبالعودة إلى الزوج، إدريس موسى، فقد سرد لـ “منصة تارجيت”، وقائع القصة الأليمة التي حلت بعائلته، فقال: “أريد أن يسمع العالم إنني أريد عائلتي، التي تم اعتقالها دون سبب”، مُردفاً: “في الشهر 11\2022، وصلت إلى النمسا، وبتاريخ 5\1\2023، جاءني اتصال هاتفي، وأخبرني بأن عدة سيارات تابعة للأمن التركي، جاءت إلى منزل عائلتي في إسطنبول، وقامت باعتقالها، بعد تفتيش المنزل”.
وتابع الزوج تفاصيل قصته: “عمدت إلى توكيل مُحام، فيما تم تحويل عائلتي إلى إدارة أمن إسطنبول الكبرى\قسم الإرهاب، ورفضوا توضيح سبب الاعتقال للمحامي، إلا أمام القاضي، بحيث لا يتمكن المحامي من القيام بأي رد دفاعي، وفي اليوم التالي، قالوا لي إنه قد تم الإفراج عنهم، وقد تحدثت زوجتي معي، وقالت إنه قد جرى تحويلهم إلى المشفى، وبعد ذلك تم أخذهم إلى مركز الترحيل في إسطنبول، إذ تم أخذ الهاتف من زوجتي، دون وجود أي مقومات معيشية هناك، إن كان لحفاً أو بطانيات، أو أي نوع من الخدمات”.
“وبعد مرور ثلاثة أيام، قال المحامي بأنه سيجري إطلاق سراحهم، حيث أوقفنا قرار ترحيلهم، لكن لن يجري الإفراج عنهم في إسطنبول، بل في الولاية التي استصدروا منها أوراق إقامتهم، وهي ولاية أورفا”، يقول إدريس، ويستكمل: “وبعد مرور أكثر من 48 ساعة، اتصل بي المحامي، وأخبرني بأنه قد جرى إرسال عائلتي إلى سوريا”، وهو ما أثار حفيظة إدريس الذي كان على أمل الإفراج عن عائلته، حسب ما أوضح له المحامي في البداية.
بعد الترحيل للداخل السوري
لم يكن لدى إدريس إلا أن يتعاطى مع الأمر الواقع كما هو، في ظل مساعيه الحثيثة للاطمئنان على زوجته وأطفاله، “لكن رغم ذلك لم تتصل عائلتي معي”، يوضح إدريس، ويقول: “فطلبت من المحامي تقصي الأمر، والتأكد من عبورهم للمعبر إلى الداخل السوري، وبعد عدة ساعات، أخبرني بعدم وجود أسماء أفراد عائلتي على المعبر ضمن قوائم العابرين للداخل السوري، حيث قال لي بأنه قد جرى ترحيلهم، لكن دون أن تتوفر معلومات عن ترحيلهم أو مُغادرتهم للدخال السوري”.
تلك الحيثيات جعلت قلب إدريس على نار، وأفقدته صوابه وهو ينتظر أي خبر من عائلته، و”بعد عدة أيام، جاءني اتصال من زوجتي”، يُشير إدريس، ويُردف: “ودون سلام، قالت لي زوجتي إن هناك شخصاً يريد أن يتحدث معي، حيث تكلم باللغة العربية، وسألني إن كنت أعلم التحدث بالتركية، فأجبته بالنفي، ليتحدث معي شخص آخر بالتركية، ويترجم الأول بيننا، وقد بدى لي أن المُتحدث بالتركية هو ضابط”.
ويلفت إدريس: “أكد لي بأن عائلتي موجودة لديهم، وأوضح بأنه لا توجد أي تهمة مُثبتة عليهم، لكنه قال بأنه علي أن أطلب من شقيق زوجتي (الموجود في مناطق الشهباء شمال حلب، حيث يُقيم مُهجرو عفرين)، بأن يتعامل معنا، ويعمل لدينا”، أي مع الجانب التركي.
ويستكمل إدريس قصته: “عرض علي المُتحدث بالتُركية، بأن يعيد أفراد عائلتي فوراً إلى منزلهم في إسطنبول، أو يرسلهم إلى سوريا، حسب رغبتي وبسيارته الخاصة، لكنني أكدت له، بأنه لا علاقة لي مع شقيق زوجتي أو عمله، وقلت له ما دام أفراد عائلتي لا تهم مُوجهة إليهم، فإنني أُطالب بالإفراج عنهم، وسألته بأي شريعة يقبلون على أنفسهم احتجاز إنسان بغير حق، ليُجيب المُتحدث بالتُركية بأنه لا يرغب بسماع حديث زائد، مُؤكداً أنه إن لم أنفذ المطلوب مني، فإنني لن أرى عائلتي مُجدداً، وفصلوا الهاتف في وجهي”.
زوجتي تتوسل إلي
بحنق وعصة قلب، يروي إدريس لـ “تارجيت”، الألم الذي شعر به عندما وجد زوجته وهي تتوسل إليه حتى أحدث شقيقها، فقال: “عقب يومين، عادوا للاتصال معي، وتحدثت زوجتي معي قائلة إنها تُقبل يدي وقدامي كي أنقذهم”.
“لكنني كررت بأنني لا أملك إجبار شقيقها على القيام بأعمال لا يرغبها”، يُبين إدريس، ويُشير: “قلت لزوجتي، ما دمتِ لم تفعلي شيئاً وأنتِ مُحتجزة بغير حق، فوضي أمركِ لله، والله كريم، ويرى كل شيء، فعادوا إلى إغلاق الهاتف في وجهي، وكانت تلك المُكالمة الأخيرة بيننا”، وفيما بعد “أرسلوا لي صوت زوجتي، وهي تُناشد شقيقها بأن يُنقذها، بجانب رسائل بالعربية والكُردية بعثت لي”.
أما حول مكان احتجاز عائلته، فقد ذكر إدريس أنهم مُحتجزون في سجن بمنطقة حوار كلس، داخل الأراضي السورية، لكن ضمن نقطة تركية، وقد ختم حديثه لـ “تارجيت” بالقول: “أنا الآن بانتظار فرج الله، وأن تدخل الرحمة إلى قلوب المُعتقلين، حتى يفرجوا عن أفراد عائلتي، لا شيء آخر يمكن أن أفعله حالياً سواء الدعاء”.
دعاءٌ مُحق لا يملك الزوج غيره، فيما يملك العالم والمنظمات الدولية والمجتمع الدولي، أن يُطالبوا دولة من المُفترض أنها مُوقعة على كثيرٍ من العهود والمواثيق الدولية، بالكشف عن مصير تلك العائلة وغيرها، ممن يجري اتخذاهم أدوات ابتزاز عاطفي، وضغط على المُنتسبين أو العاملين ضمن القوى الكُردية، الساعية لترسيخ حقوق واحدة من المُكونات السورية، وهو حق للسوريين دون غيرهم، كونه السبيل الوحيد لمنع حروب أهلية مُستقبلية، على شاكلة ما تعيشه منذ 12 عاماً، والتي كانت أحد أهم أسبابها، سياسات الإنكار والتهميش، لمُختلف المُكونات السورية، سواء الإثنية أو الدينية أو الطائفية.