طفلة في ريف إدلب تروي مشاهد الرعب التي عاشتها ليلة زلزال شباط.
لم تتخيل الطفلة زينب الأطرش (13 عاماً) أن تفقد كل أفراد عائلتها بالزلزال المدمر الذي ضرب شمال غرب سوريا فجر السادس من فبراير / شباط الفائت، وتبقى وحيدة تصارع ذكرياتها المحفوفة بالآلام والجروح التي لا يمكن لأحد أن يمحيها من ذاكرتها وذهنها.
“قبل الزلزال بساعات اتوفى أخي الرضيع وكان عندنا عزاء بالبيت وكلشي نام في بيتنا هديك الليله مات ويا ريتني كنت معهم ومتت ورحت معهم” تقول الطفلة زينب التي نجت من الموت المحتم بسبب تواجدها خارج المنزل ليلة وقوع الزلزال، خلال حديثها مع منصة “تارجيت” الإعلامية؛ إن ثلاثة عشر شخصاً من أقربائها قضوا تحت أنقاض منزلهم المؤلف من ثلاثة طوابق، بينهم والديها واخوتها الخمسة، لتبقى هي الناجية الوحيدة من أسرة كبيرة خُطفت أرواحهم لحظة وقوع الكارثة عند الساعة الرابعة وسبعة عشر دقيقة فجراً.
حين وقعت الواقعة
قبل وقوع الزلزال المدمر بساعات قصيرة، طلبت الأم من ابنتها زينب أن تذهب مع زوجة عمها كي تنام عندهم لأنها كانت متأثرة بوفاة أخيها الرضيع، تقول زينب: “وصلت إلى منزل عمي المجاور لمنزلنا ووضعت رأسي على وسادة ابنتهم التي تكبرني بعام واحد لأنام إلى جانبها، وما إن غفوت حتى استيقظ الجميع حين شعرنا بالأرض تهتز بنا وبدأ المنزل يتفسخ وأغراضه تتزحزح يميناً وشمالاً تزامناً مع الأصوات الغريبة والمرعبة التي كانت تسمع من كل حدب وصوب، ومن شدة الخوف دفعنا عمي بسرعة إلى الخارج وأبعدنا عن المنزل، لكني صُدمت من هول المشهد الذي جعلني أقف كالصنم حين لم أرى منزلنا الذي يفصل بيني وبينه أمتار قليلة فقط”.
وتضيف “اقتربت من المنزل برفقة عمي ليتضح لي أن منزلنا منهار وشاهدت عدد من الأشخاص يتهامسون ويسألون بعضهم كيف سنعمل على إخراجهم وما الطرق المتاحة، سألتهم عن من تتكلمون فلم يجيبونني لكن حين ألححت بسؤآلي فأجابوني أن عائلتي بأكملها بقيت تحت هذه الأسقف لأنهم لم يتمكنوا من الخروج، لكنهم قالوا لي أيضاً أنهم أحياء وسيعملون على إنقاذهم بالسرعة الممكنة، وهنا بدأ عشرات الأشخاص بنقل أكوام الحجارة لفتح ممر يتمكنوا من خلاله الدخول والتغلغل بين الأسقف، لأن الدفاع المدني اعتذر عن المشاركة في عملية الإنقاذ بالوقت الحالي بسبب حجم الكارثة الكبير في المدن والمناطق الأخرى كما أخبرنا”.
ثوانٍ معدودة حولت حياة زينب إلى جحيم
ثوانٍ معدودة من يوم الإثنين الذي أطلق عليه “اليوم الأسود على السوريين”، كانت كفيلة بأن تقلب حياة زينب إلى جحيم بعد أن تحول منزلهم الطابقي الذي تطل شرفاته على المزارع والبساتين المشجرة التي يمر بجانبها نهر العاصي، إلى أكوام ضخمة من الركام والأنقاض، خُنق تحتها العديد من الأرواح التي تحبها، وجعلتهم أثر بعد عين عن تلك الطفلة التي كانت تراقب بدموعها لأكثر من ثمانية ساعات متواصلة، عمليات انتشال ذويها من بين الجدران والأسقف المنهارة بمعدات بدائية، رافضة الابتعاد من جوار المنزل الذي أخفيت معالمه وتفاصيله، على أمل أن يخرج أحد أحبائها من بين الأنقاض ويكون على قيد الحياة كي تحتضنه، لكن الموت حينها كان أقرب إليهم منها.
أفراح تحولت إلى مآتم
قبل وقوع الزلزال بحوالي عشرون يوماً تزوج حمزة “شقيق زينب الأكبر توفي مع زوجته” بحفل زفاف كبير وجميل كما أخبرتنا الطفلة، وفي اليوم الذي وقع فيه الزلزال كان من المفترض أن يتم حفل خطوبة لأخاها محمد، لكن شاءت الأقدار أن يتوفى شقيقها المولود حديثاً بمرض، حيث أجبروا حينها على تأجيل الخطوبة إلى وقت آخر، إلا أن العائلة لم تكن على دراية بأن حياتهم كلها ستتوقف بعد ساعات من وفاة مولودهم، وسيغادرونها دون عودة تاركين خلفهم زينب ابنة الثلاثة عشر ربيعاً “التي نهش البرد عظامها وجعلها طريحة الفراش لمدة يومين حين كانت تنتظر خروجهم من تحت الأنقاض أحياء”، تتصارع مع ذاكرتها وذكرياتها التي عاشتها مع والديها واخوتها الخمسة، كل ما مرت بجانب منزلهم الذي كان يحتضنهم جميعاً قبل أن تنتقل للعيش في خيمة مصنوعة من النايلون والبلاستيك، تحت رعاية أعمامها.