كانت أرضية ملعب مدينة بورصة التركية، في الخامس من مارس الجاري، على موعد مع مواجهات عنيفة، شهدت تراشقاً بالحجارة وعبوات المياه، طالت رؤوس لاعبي فريق “آمد سبور”، ثم الاعتداء على الفريق الضيف القادم من ديار بكر ذات الغالبية الكُردية، جنوب شرقي البلاد.
إذ تحولت المُباراة بين نادييّ “بورصة سبور” و” آمد سبور” إلى حلبة، وهدف لأنواع مختلفة من المقذوفات، تضمنت (سكاكين، زجاجات، حجارة)، قبل مُهاجمة لاعبي نادي “آمد سبور” في غرفة تغيير الملابس أيضاً، ورغم أن ذلك قد يبدو مألوفاً للوهلة الأولى وحدثاً مُكرراً في دوريات العالم بأسره، لكن التدقيق في خلفياته تأخذنا إلى أمكان أخرى.
كيف بدأت الأعمال العدائية؟
لم تختصر الأعمال العدائية على أرضية المعلب، بل كانت الظروف التي سبقتها مُشيرة إلى أنها ستقع، فيما بدى أن السلطات في مدينة بورصة تجاهلت بشكل متعمد حماية النادي الضيف، حيث كان مفترضاً منع جمهور نادي “بورصة سبور” من الدخول للملعب، عندما بدأت الأعمال العدائية، قبل انطلاق المباراة، حيث تجمهر العشرات من مشجعي “بورصة”، خارج مقر إقامة لاعبي “آمد سبور”، وهو فندق أضحى هدفاً لإطلاق الألعاب النارية وتريد الأغاني العنصرية المُعادية للكُرد.
وانتشرت مئات المقاطع المصورة على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي كشفت كيف جرى رشق رؤوس لاعبي آمد سبور بالحجارة والزجاجات وعبوات المياه، مما أدى لتعرض عدد من لاعبي ومشجعي الفريق الكُردي لإصابات مختلفة، كما لوّح أنصار “بورصة سبور” على المدرجات، بصور محمود يلدريم المُلقب بـ “يشيل” وطارق أوميت، وهما عضوان سابقان في “فرق الموت التركية”، وكانا يقومان بعمليات القتل والاغتيال بحق الكُرد، بذريعة أنهم يشكلون خطراً على الأمن القومي التركي.
“كانتوج تيميل”، حارس مرمى أمد سبور، كان الهدف الرئيسي لرشقات الجماهير التركية، وكان عليه الابتعاد عن خط المرمى بسبب الرميات، لذا توقفت المباراة لفترة، ووفق ما أظهرت مقاطع مُصورة، استمرت الاعتداءات حتى بعد انتهاء المباراة، وقام حساب نادي آمد سبور بنشر فيديو حي للاعبي الفريق الخصم وهم يقتحمون أرض الملعب ويعتدون على لاعبي فريقهم أثناء عملية الإحماء قبل انطلاق المباراة.
التحية العسكرية حاضرة
فضلا عن ذلك، كشف نادي آمد سبور عن تعرضه للاعتداء، في ممرات غرف خلع الملابس، من قبل مسؤولي ملعب بورصا سبور وتحديداً مشرف الأمن الخاص بأصحاب الأرض وضابط الأمن وحتى الموظفين وضباط الشرطة، وأشار النادي إلى أن الفريق: “يذهب فقط للعب كرة القدم، النادي فوق السياسة، إنها المدينة نفسها مدينتا”.
ولم تقتصر الأجواء المشحونة والاستفزازية على صور من ارتكبوا الجرائم بحق المكون الكُردي، بل شملت احتفال جماهير “بورصة سبور” بهدفي فريقها بإلقاء التحية العسكرية التركية، بجانب محاولة مناصريه الدخول لأرضية الملعب والاشتباك مع لاعبي النادي الكُردي في نهاية المباراة، فيما عرض إعلاميون، مشاهد مُصورة بينت أن عدداً من أفراد القوات الأمنية، شاركوا في الهجوم على أعضاء فريق “آمد سبور”.
وفاز “بورصة سبور” بـنتيجة 2-1 على ضيفه “آمد سبور”، لكن ورغم الخسارة، بقي فريق “آمد سبور” في المركز الثالث برصيد 41 نقطة بفارق 3 نقاط عن الصدارة التي ينفرد بها كوروم بـ44 نقطة، بينما وصل “بورصة سبور” إلى 25 نقطة في المركز الخامس عشر، وهي ضمن دوري الدرجة الثانية في تركيا.
مُشابهة لأحداث القامشلي
أعادت مشاهد الاعتداء على نادي “آمد سبور” إلى الأذهان، الأحداث التي وقعت بمدينة قامشلي شمال شرق سوريا، في العام 2004، عندما أدت هجمات عنصرية مُماثلة، اتهمت حكومة دمشق بتدبيرها آنذاك، إلى انتفاضة عارمة شملت كل المناطق الكُردية في شمال سوريا، ضد حكومة النظام السوري في دمشق.
حينها، هاجم عنصريون موالون لحكومة دمشق، الشبان الكًرد من جماهير “نادي الجهاد”، خلال مباراة لكرة القدم مع “فريق الفتوة”، مثلما تعرض الشبان الكُرد من جماهير نادي “آمد سبور” للهجوم من قبل العنصريين الأتراك.
وعليه، لا يبدو أنه يمكن القول بأن الحدث العنيف في بورصة، كان عادياً أو عابراً، لكونه أشعل سابقاً في سوريا انتفاضة عارمة، مع إدراك الجماهير أن خلفية الاعتداءات كانت عنصرية شوفينية، وليست في إطار التنافس والندية، ما يفتح المجال مستقبلاً لتطور الأحداث في تركيا، إلى ما لا تُحمد عقباه.
انتقادات كبيرة لتعامل السلطات
وانتقدت جهات سياسية وإعلامية عدة في تركيا، الهجوم العنصري بحق لاعبي وجماهير نادي “آمد سبور”، من بينهم الرئيس المشترك السابق لـ”حزب الشعوب الديمقراطية”، صلاح دميرتاش، الذي أكد مواصلة النضال، فيما تقدمت نقابة المحامين في ديار بكر، بشكوى إلى النيابة العامة، وطالبت بإجراء تحقيق في ذلك الهجوم العنصري.
بينما شارك أورهان ساريبال، النائب عن حزب الشعب الجمهوري، برسالة تتعلق بالهجوم العنصري، وذكر أنّه على الرغم من التحذيرات، لم يتم اتخاذ أيّة إجراء من قبل الأمن التركي، شاجباً الاعتداءات التي تعرضت لها جماهير “آمد سبور”.
بالصدد، صرح “مدحت سنجار”، الرئيس المشترك العام لحزب الشعوب الديمقراطية (HDP)، المُعارض في تركيا، لـ”منصة تارجيت”، حول الاعتداء، لافتاً إلى أن “الوضع خطير للغاية، ومُتقلب تجاه الانتخابات، وخطر الاستفزاز مُرتفع للغاية، خاصة من قبل النظام، الذي قد يرغب في توجيه أصابع الاتهام إلى الكرد وحزب العمال الكردستاني، لخلق شعور بعدم الأمن في البلاد”.
كما أشار “سنجار” في تصريحاته لـ”تارجيت”، إلى أن “آمد سبور لعب ضد بورصة سبور في عام 2016 وفاز عليه، وبعد المباراة، أرسلوا تغريدة لتكريس انتصارهم للمقاتلين الأكراد في سور منطقة آمد، ما أثار حفيظة أهل بورصة”، مُوضحاً أن “الأكراد في تركيا إما علمانيون للغاية أو متدينون للغاية، والمتدينون يصوتون تقليدياً لحزب العدالة والتنمية”.
منوّهاً إلى أنه “بعد المباراة (الأخيرة)، تم احتجاز 9 أشخاص، لكن أطلق سراحهم على الفور”، قائلاً: “لا أعتقد أنه ستكون هناك أي عدالة لكل هذا العنف، لكن ربما يكون هناك رد فعل من الاتحاد الأوروبي لكرة القدم وفيفا، عبر مُعاقبتهم لنادي بورصة سبور”، واستدرك بأنه في تركيا “يستخدم الأكراد اسم آمد لمدينة ديار بكير منذ فترة طويلة، مؤكداً أن آمد هو أقدم اسم للمدينة، وله أصول آشورية لكن الأتراك لا يعرفون كل هذا، ويرفضون كلمة “آمد”.
وديار بكر أو آمد، هي أكبر مدينة في جنوب شرق تركيا، وقد وضعها الحلفاء ضمن “كُردستان” المُقترحة في معاهدة سيفر، والتي رسمت حدود الشرق الأوسط بعد انهيار الدولة العثمانية، لكنها أخضعت فيما بعد لتركيا الحالية، بموجب معاهدة لوزان بين تركيا وبريطانيا وفرنسا، بيد أن المدينة ظلت نقطة محورية في الصراع بين الدولة التركية ومختلف الثَورات الكردية.