“الإدلاء بهذه المعلومات قد يتسبب بمقتلي، ولو كنت أعلم أن موتي سيُنقذ عفرين، لما قلت لا، لكني أدرك أنني سأفقد روحي كهباء منثور”، بتلك العبارة سرد “أبو جيان” وهو من أهالي جنديرس الأصليين، بريف عفرين، لـ”منصة تارجيت”، بعضاً من مأساتهم، عما يتوارد من معلومات وأخبار بخصوص تجاوزات فصائل “الجيش الوطني السوري” الموالي لأنقرة، في منطقة جنديرس التابعة لعفرين، والتي كانت واحدة من أكثر المناطق تضرراً بزلزال السادس من فبراير، ومركزه مدينة قهرمان مرعش جنوب تركيا.
لكن لم يستطع “أبو جيان” في خضم حديثه المُقتضب، إلا أن يخوض في البعض من التفاصيل المُفجعة حول واقع السكان الأصليين الكُرد في جنديرس، والتي ينفذها مسلحو فصائل “الجيش الوطني السوري”، ومدنيون جرى توطينهم في عفرين، من مناطق سورية كثيرة، عقب احتلالها من الجيش التركي والفصائل التابعة له بما سمي عملية “غصن الزيتون” العسكرية ، والتي نفذت بداية العام 2018.
من قصص المأساة اليومية
إذ أشار “أبو جيان” إلى واحدة من تلك القصص الكثيرة، والتي اعتبر بأنها من أصغر الوقائع التي تحصل يومياً وبشكل واسع، فقال: “يكفي أنك عندما تسير بسيارتك، وتكون السيارة التي تسير أمامك بقيادة مُسلح أو مُوطّن، بمجرد أن يعلم بأنك كُردي، فإنه يتقصد السير في منتصف الطريق، مُتعمداً ألا يتيح لك المجال لتجاوزه”، مردفاً: “وكأنه يقول لك، تجاوزني إن كنت رجلاً، وبطبيعة الحال، نتجنب الصدام معهم، لأننا نُدرك بأن العواقب ستكون وخيمة علينا”.
أما على الحواجز، فالأمر مُشابه، حيث يؤكد “أبو جيان”: “إن كانت السيارة لمدني كُردي، فإنه يجري توقيفها وتفتيشها بشكل دقيق وكامل، أما إذ كانت السيارة للمدنيين الموطنّين، فلا يجري إيقافهم أساساً”.
لافتاً إلى أن العالم بأسره رأى كيف تمت سرقة المساعدات التي جرى إرسالها إلى جنديرس، بجانب رصد كل المنظمات للانتهاكات المُمنهجة التي طالت السكان الأصليين الكُرد في عفرين منذ 5 سنوات (إبان عملية غصن الزيتون)، دون أن يحرك ساكناً، وهو ما يبدو أنه قد أفقد في “أبو جيان” وغيره آخرين من أهالي عفرين، الأمل بالخلاص من الحالة المزرية التي يعيشونها.
“حديثنا لا يُقدم ولا يُؤخر، أصابنا الاستياء من هذه الحالة، فحتى رامي عبد الرحمن (مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان)، لا يجري الاستماع إلى ما يقوله”، يُوضح “أبو جيان”، مُردفاً لـ”تارجيت”: “فماذا سنقول نحن المدنيون العاديون”.
تعاطف وتكاتف اجتماعي
أما حيال المساعدات، فقد لفت “أبو جيان” إلى إنها قُدمت بشكل رئيس عن طريق الأقرباء والمعارف، ويستطرد بحديثه: “هناك البعض ممن هاجر وعمره 15 عاماً، ولا يعرف من عفرين إلا اسمها، ويعرف فقط أن أصوله من عفرين، خلال فترة الزلزال، عمد إلى التبرع بالمال، وطلب منا أن نوصلها للمُحتاجين، لقد وجدنا تعاطفاً وتكاتفاً اجتماعياً وإنسانياً وقومياً”.
وتابع: “قاموا بإرسال المُساعدات من دون سابق معرفة مع المُحتاجين، لكنها بطبيعة الحال تبقى مُجرد حالات إسعافية، آنية، بمبالغ بسيطة، بيد أن الشعور بالفخر كان مُهيمناً، وقد نمّت التحية والسلام اللذان كانا يُرسلان من مُتلقي التبرع لصحاب المعروف، روح العطف والخير في المجتمع، وهو أمر إيجابي، وهو ما ينطبق على الذي أرسل المُساعدة، خاصة عندما كان يرى كيف تتبلور الأمور على أرض الواقع، وكذلك الذين وزعوا المُساعدات المالية على المُتضررين من المُتبرعين بالخارج، الجميع كانوا فخورين، ومنهم أنا”.
مُتحدثاً “أبو جيان” بغبطة عن مشاعره حينها، بالقول: “كم تعرفنا على أشخاص جدد في هذه الأزمة، عندما كنا نذهب للقاء أُسر لا نعرفها سابقاً، ونقول لها أن هذه المُساعدة من الشخص الفلاني، كنا نكبر في عيونهم، كما كانوا يكبرون هم في عيوننا”.
مبادرات تحتاجها عفرين
لكن الرجل لم يخفي امتعاضه من الواقع الحالي في عفرين، فيقول: “شعبنا الكُردي بحاجة إلى تلك المُبادرات بالدرجة الأولى (التبرعات الخارجية) لأن المعادلة السياسية ليست لصالحنا، مردفاً: “ما كان يحصل قبل الزلزال بشكل يومي، كان أسوا من الزلزال، لكننا قلنا علّه الزلزال يُساهم في تنبيه البعض، للتوبة إلى ربهم وعودتهم إليه، بيد أن التضاد أصبح أوسع من السابق، ورغم ذلك نبقى نتأمل خيراً، وبالنتيجة الحياة لن تتوقف، وسيبقى الشعب مصدراً للحياة”.
أما عن حالة جنديرس الراهنة، فقد بيّن “أبو جيان” أن المدينة مُدمرة، وبحاجة إلى وقت لرفع الأنقاض عنها، وإعادة الحياة إليها، منوهاً إلى أن الكثير من الأبنية لا تزال الأنقاض فيها غير مرفوعة، مُتوقعاً وجود ضحايا تحتها، كونه كان في المدينة كثير من الغرباء “الموطنّين” الذين لا يعرفهم أحد من أبناء جنديرس، مستدركاً: “هذه ليست معلومة لكنها تصوّر، خاصةً أنه توجد أبنية لا تزال على حالها، منذ يوم الزلزال الكبير”، في السادس من فبراير الماضي.