مع تحول سوريا إلى ساحة للصراعات وتصفية الحسابات بين الدول، أصبحت أراضيها بنك أهداف كبير للقصف من مختلف الجهات خاصةً روسيا وتركيا وإسرائيل التي ما انفكت تستهدف مناطق البلاد على مدى عقد من الزمن، في إطار ما يقول مسؤولون إسرائيليون إنه استهداف مواقع إيران والفصائل التابعة لها ومحاولة منع طهران من التموضع على الحدود الشمالية للبلاد.
آخر فصول الاستهدافات داخل الأراضي السورية، قصف إسرائيلي على مطار حلب الدولي أخرجه عن الخدمة، حيث نقلت وكالة “سانا” السورية عن مسؤول عسكري في حكومة دمشق، أن إسرائيل قصفت جواً من البحر المتوسط غرب مدينة اللاذقية مطار حلب ما أسفر عن تدمير مدرجه وخروجه عن الخدمة، في حين أعلنت المؤسسة السورية للطيران، تحويل جميع الرحلات وطائرات المساعدات الإغاثية المقرر هبوطها في المطار إلى مطاري دمشق واللاذقية، في استهداف هو الثاني للمطار في غضون أشهر، حيث سبقه آخر نفذته طائرات إسرائيلية في السادس من أيلول/ سبتمبر الماضي، ما أسفر حينها عن مقتل ثلاثة عناصر من الفصائل التابعة لإيران من جنسيات غير سورية وإصابة خمسة آخرين.
أسلحة إيرانية وراء القصف الإسرائيلي
ومن جانبها، نقلت صحيفة “القدس العربي” عن مصادر وصفتها بالخاصة، أن الهجمات الإسرائيلية على المطار استهدفت شحنة أسلحة إيرانية تشمل آليات تصنيع وإنتاج صواريخ دقيقة لمشروع إيراني سري يتم العمل عليه في مؤسسة معامل الدفاع في منطقة السفيرة بريف حلب الشرقي، في حين قال نائب قائد قاعدة حميميم الروسية في سوريا أوليغ غورينوف، إن القصف تم بواسطة أربع طائرات “إف ستة عشر” من البحر المتوسط وتسبب بأضرار بالمدرج والرادار.
الكاتب والمحلل السياسي سامر الخليوي، قال في حديث لتارجيت، إنه من المعلوم أن إسرائيل لا تستهدف في سوريا إلا المواقع الإيرانية وأماكن وصول الأسلحة من إيران والعراق إلى سوريا مثل المطارات والسيارات الكبيرة الناقلة للأسلحة إلى جانب أماكن تخزين وإنتاج الأسلحة الإيرانية، مشيراً إلى أن هناك موافقة ضمنية روسية على هذه الهجمات.
وبحسب المحلل السياسي سامر الخليوي، فإن ما تريده إسرائيل من إيران هو أن تلتزم بقواعد اللعبة التي تديرها إسرائيل كما هو الحال بينها وبين حزب الله “الإرهابي” في الجيب اللبناني، الذي لا توجد فيه أية مشاكل لأن التفاهم هناك مستمر، مرجحاً استمرار هذه الاستهدافات حتى “تخضع” إيران للمطالب الإسرائيلية المتعلقة بإبعاد “المليشيات” الإيرانية وحزب الله اللبناني عن الحدود معها ووقف إمداد حزب الله بالأسلحة، ولافتاً في الوقت نفسه إلى أن إسرائيل لا تستهدف جيش الأسد لأنها هي من تعمل على الحفاظ عليه كونه نظام وظيفي يؤدي ما يطلب منه بعيداً عن “المهاترات الإعلامية الفارغة”، على حد تعبيره.
هجوم إسرائيلي ليس الأول ولن يكون الأخير
ومن جانبه، قال عضو الأمانة العامة في المجلس السوري للتغيير المستشار حسن الحريري، في تصريحات لمنصة تارجيت، إن الهجمات الإسرائيلية على مطار حلب ليست الأولى ولن تكون الأخيرة داخل الأراضي السورية، وتأتي في سياق الاستهدافات لإيران وأذرعها بالمنطقة حيث سبقها استهداف أخطر في حي كفرسوسة بالعاصمة دمشق وقبلها هجمات كثيرة مشابهة بمناطق مختلفة من سوريا، مشيراً إلى أنها جاءت بعد تصريح لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بخصوص التحركات في جنوب لبنان، وأن إسرائيل لن تسكت حيال أي تهديد قرب حدودها الشمالية حتى لو كلفها ذلك اجتياحاً برياً، على حد تعبيره.
سوريا ساحة لتصفية الحسابات
القصف الإسرائيلي لمطار حلب، جاء بعد يوم واحد فقط من تفعيل إيران منظومة الدفاع الجوي في العاصمة السورية دمشق للتصدي للهجمات الإسرائيلية، حيث أفادت مصادر سورية مطلعة أن الفصائل التابعة لإيران استغلت كارثة الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا ودخول المساعدات الإنسانية خلال الفترة القليلة الماضية، من أجل إدخال منظومة الدفاع الجوي عبر معبر القائم – البوكمال بين العراق وسوريا وتسليمها لحكومة دمشق، في حين أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أنه تم إعطاء أوامر من قبل طهران لقادة الفصائل التابعة لها، بعد دخول المنظومة، بتخفيف التحركات داخل سوريا خوفاً من استهدافات إسرائيلية، لافتاً إلى أنه من المتوقع دخول المزيد من الأسلحة الإيرانية خلال الفترة القادمة لنشرها بالمواقع العسكرية في كل من دير الزور وحماة واللاذقية.
منظومة الدفاع الجوي الإيرانية تمثل تهديداً لإسرائيل
المستشار حسن الحريري، أضاف في تصريحاته لمنصتنا “لا شك أن منظومة الدفاع الجوي التي نشرتها إيران في سوريا، تمثل تهديداً بالنسبة لإسرائيل، فجاءت الضربات الإسرائيلية على مطار حلب كرد على هذا الأمر”، مشيراً إلى أنه من غير المستبعد ارتباط كل هذه الأمور بالملف النووي الإيراني، ومبيناً أنه من الوارد أن تتطور وتتصاعد الأمور خلال الفترة المقبلة، خاصةً بعد الحديث عن احتمال استهداف المنشآت النووية الإيرانية بشكل كامل من قبل إسرائيل، فاحتمالية توجيه “ضربة كبيرة جداً” لتلك المواقع وارد بشكل كبير مستقبلاً.
ورغم أن وزارة الخارجية في حكومة دمشق أصدرت بياناً بعد الهجوم على مطار حلب، استنكرت فيه ما أسمته بـ”العدوان الإجرامي” الذي نفذه الكيان الإسرائيلي على المطار، وطالبت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بالتدخل لوضع حد للهجمات الإسرائيلية على الأراضي السورية، إلا أن المستشار حسن الحريري، قال إن النظام السوري “سعيد” بهذه الهجمات، ومن غير المستبعد أنه هو من أعطى المعلومات بخصوص الأماكن والأهداف التي جرى استهدافها.
ومنذ ألفين وثلاثة عشر، وبعد عام على بدء التدخل العسكري الإيراني في سوريا لدعم حكومة دمشق بمواجهة الفصائل المسلحة المعارضة، تحولت الأراضي السورية إلى هدف أساسي للطائرات الإسرائيلية التي تشن غارات تستهدف بالدرجة الأولى مواقع الحرس الثوري الإيراني والفصائل التابعة لإيران، والتي تنشط بشكل أساسي في دمشق وريفها ودير الزور وحلب وحمص، وذلك بتنسيق مباشر مع روسيا الحليف الآخر لحكومة دمشق والتي يربطها مع طهران تحالف أيضاً وترسم خارطة السيطرة بالشمال السوري بموجب اتفاقات وتسويات مع الاحتلال التركي، في صورة توضح مدى تحويل الأرض السورية لساحة للمساومات بين الدول، ومحاولاتها الإبقاء على حالة اللاسلم واللاحرب في سوريا خدمةً لمشاريعها ومصالحها على حساب مآسي السوريين ومعاناتهم.