رسائل أميركية دبلوماسية من سوريا على هامش زيارة رئيس الأركان لشمال الْبِلاَد
على وقع تطورات متسارعة تشهدها المنطقة منذ كارثة الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا، ليس أقلها زيارات وفود عربية عديدة للعاصمة السورية دمشق ولقاء الرئيس السوري بشار الأسد، والتوترات المتصاعدة بين إسرائيل وإيران، والهجمات التي تتعرض لها القواعد الأمريكية في سوريا والتي تتهم بتنفيذها الفصائل التابعة لطهران، يصل رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة مارك ميلي إلى مناطق شمال وشرق سوريا، لتقييم مهام محاربة تنظيم داعش الإرهابي.
تأكيد على الشراكة بين التحالف الدولي وقسد
ميلي أكد للصحفيين المرافقين له خلال الزيارة غير المعلنة، أن القوات الأمريكية وشركاءها قوات سوريا الديمقراطية يحرزون تقدماً في ضمان إلحاق الهزيمة بتنظيم داعش الإرهابي، مشيراً إلى أن محاربة التنظيم هي ضرورية للحفاظ على أمن الولايات المتحدة وأمن المنطقة، ومجدداً التأكيد على الالتزام بمحاربة داعش بمساندة الحلفاء في قسد، والاستمرار بجهود ملاحقة خلايا التنظيم حتى القضاء عليه نهائياً، ومشدداً في الوقت نفسه على أهمية مراجعة إجراءات الحماية للقوات الأمريكية من الهجمات التي تتعرض لها في سوريا بشكل مستمر، والتي كان آخرها منتصف شباط/ فبراير الماضي، عندما هاجمت طائرة مسيرة قاعدة كونيكو شرقي سوريا التي تتواجد فيها قوات أمريكية دون وقوع خسائر بشرية.
رئيسة تحرير منصة “وايت هاوس إن أرابيك” مرح البقاعي قالت في تصريحات لمنصة تارجيت الإعلامية: “إن زيارة رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة إلى شرق سوريا طبيعية لأن هناك عدة قواعد أمريكية بالمنطقة وهناك التحالف الدولي ضد داعش الذي يعمل من شرق الفرات إلى جانب العلاقات مع القوى الكردية الموجودة على الأرض، والتي عملت معها قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة في حربها ضد تنظيم داعش الإرهابي، إلى جانب مساع واشنطن لإفراغ مخيمات النازحين شمال شرق سوريا وإعادة جميع “المتطرفين” الذين انتسبوا إلى داعش إلى بلدانهم الأصلية، وهو أمر مهم جداً للولايات المتحدة كمقدمة لأي حل سياسي كامل في سوريا.
زيارة ميلي تأتي في وقت تشهد فيه المنطقة بشكل عام وسوريا بشكل خاص تطورات ملحوظة، أبرزها البدء بخطوات تطبيع العلاقات بين تركيا وحكومة دمشق برعاية روسية، وبدء دول عربية عديدة بتغيير سياساتها تجاه حكومة دمشق والرفض الأمريكي العلني لهذه الخطوات والذي تجلى بشكل واضح في تصريحات وزير الخارجية أنتوني بلينكن، الذي أكد أن واشنطن تعارض بشدة أي تطبيع لأي دولة مع الرئيس السوري بشار الأسد قبل البدء بحل سياسي حقيقي للأزمة يقود إلى انتقال ديمقراطي للسلطة، وتأكيد البيت الأبيض أن التجميد الجزئي لعقوبات قيصر المفروضة على سوريا بعد الزلزال هو من أجل تسهيل دخول المساعدات الإنسانية للمتضررين، ولا يعني رفع أي عقوبات عن بشار الأسد وحكومته.
مبادرات لحل سياسي واستطلاع أمريكي للموقف
مرح البقاعي، أضافت في تصريحاتها لتارجيت، أن هناك مبادرات عديدة من أجل الوصول إلى حل سياسي في سوريا، والولايات المتحدة ستكون موجودة بقوة في هذه المبادرات لحماية مصالح الشعب السوري حيث أنها كانت منذ بداية الثورة السورية حليف قوي جداً للشعب السوري في خروجه ضد النظام في دمشق، لذلك فهذا سبب آخر مهم للزيارة من أجل مقابلة الشركاء على الأرض في شرق الفرات ومعرفة ماذا يدور على الأرض من جانب الشركاء والأمريكيين المتواجدين بالقواعد الأمريكية، من أجل الوصول إلى أفضل مبادرة لحل سياسي يحقق مطالب السوريين التي خرجوا من أجلها في العام ألفين وأحد عشر.
رئيسة تحرير منصة “وايت هاوس إن أرابيك”، أشارت إلى أن موقف الولايات المتحدة من محاولات بعض الدول العربية تطبيع العلاقات مع النظام السوري، ثابت ويتمثل برفض الدخول في مثل هذه العمليات ولكن واشنطن لن تقف في وجه الدول الراغبة بالتطبيع، لسبب أساسي هو أنها تعتبر ان هذا التطبيع سيكون محدود بسبب عقوبات قيصر المفروضة على النظام، والتي تجعل من الصعب تعويمه أو تنشيطه، وتبقي هذا التطبيع شكلياً كما حدث بالنسبة لتطبيع الإمارات والبحرين وإعادة فتح السفارات، والذي لم ينتج عنه أي علاقات سياسية حقيقية على الأرض، لافتةً إلى أن الزيارة لا تحمل أي رسائل لتركيا الحليفة لأمريكا في “الناتو” والتي سيتم توجيه رسائل مباشرة إليها من قبل القنوات الرسمية الأمريكية.
استعداد أمريكي لتحولات عسكرية والتزام بحماية الحلفاء
وبحسب البقاعي، فإن هناك أوضاعاً جديدة في المنطقة تتعلق بإيران، بمعنى أن هناك تهديدات كبيرة ومتكررة من قبل إسرائيل بضرب المفاعلات النووية الإيرانية قبل أن تتوصل طهران لإنتاج سلاح نووي كامل خلال أسابيع كما هو متوقع، فالولايات المتحدة تحاول أن تكون مستعدة لهكذا تحول عسكري كبير جداً بالمنطقة لحماية مصالحها وحلفائها كالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية وهم تحت “التهديد المباشر” من قبل إيران، ومن هذا المنطلق تأتي الزيارة في وقت خاص جداً يتعلق بتهديدات إيران و”ميليشياتها” التي تنتشر بالمنطقة، والأهم من ذلك كله توصل إيران لمرحلة متقدمة جداً من تخصيب اليورانيوم بعيداً عن مراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تضعها على بعد خطوات من امتلاك قنبلة نووية.
يذكر، أن الولايات المتحدة التي أجرت أكثر من مرة مناورات عسكرية مشتركة مع إسرائيل، تحاكي الهجمات على مواقع نووية إيرانية، قد قالت إنها ملتزمة بأمن الحلفاء في الشرق الأوسط خاصةً إسرائيل ودول الخليج، ولن تسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي، رغم أنها لا تزال تعتبر الطرق الدبلوماسية هي الأنجح للتوصل إلى تفاهمات وإعادة العمل بالاتفاق النووي الموقع بين القوى الكبرى وإيران عام ألفين وخمسة عشر، والذي انسحبت منه إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عام ألفين وثمانية عشر وأعادت فرض العقوبات على طهران، التي عادت بدورها إلى أنشطة تخصيب اليورانيوم.