يعاني سكان منطقة الشهباء بريف حلب شمالي سوريا بمن فيهم مهجرو عفرين المحتلة وأكثر من ثلاثة آلاف أسرة نزحت إليها من متضرري الزلزال المدمر من أبناء حيي الأشرفية والشيخ مقصود ومنطقة جنديرس بريف عفرين، أوضاعاً إنسانية صعبة جراء الحصار الخانق الذي تفرضه قوات حكومة دمشق على المنطقة منذ أشهر، وسط تحذيرات من مخاطر تهدد حياة مئات الآلاف هناك.
ورغم مرور شهر على الزلزال، لا تزال قوات حكومة دمشق تمنع مرور المساعدات الإنسانية للمتضررين الذين نزحوا إلى منطقة الشهباء أو تفرض أتاوات كبيرة على بعضها تصل إلى الاستيلاء على أكثر من نصفها من أجل السماح لها بالمرور، حيث منعت قبل أيام دخول المساعدات المقدمة من الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا للمحتاجين هناك، وسط نقص كبير في المواد الأساسية بالمنطقة في ظل الحصار المفروض عليها منذ أشهر.
الرئيسة المشتركة لمجلس مقاطعة عفرين والشهباء بالإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا ملك حسين، أكدت في تصريحات إعلامية، أن حواجز الفرقة الرابعة التابعة لقوات حكومة دمشق، تفرض أتاوات كبيرة على المساعدات الإنسانية مقابل السماح لها بالمرور، مشيرةً إلى أن الإدارة الذاتية تقوم بتوسيع المخيمات وتأمين متطلبات النازحين وفق إمكانياتها المحدودة، حيث وزعت بلدية الشعب مواد البناء على الأسر التي تضررت منازلها، كما تم نصب خمسين خيمة في المدارس التي تضررت بشكل كبير لاستكمال العملية التعليمية، مطالبةً المنظمات الإنسانية بدعم المنطقة بشكل أكبر، وحكومة دمشق بتسهيل دخول قوافل المساعدات.
حكومة دمشق لا تعتبر شعب الشهباء تابعاً للدولة السورية
رئيس مجلس الشهباء وعفرين في حزب سوريا المستقبل محمد بيرم أكد في حديث لمنصة تارجيت “أن حكومة دمشق تمنع دخول المواد الأساسية والإغاثية للشعب السوري في الشهباء من المقيمين والمهجرين بشكل متكرر دون أي رادع”، مشيراً إلى أن “هذا الأمر ليس بجديد على دمشق التي تسعى بشكل متكرر لخلق المشكلات ولا تعتبر الشعوب المتواجدة في هذه المنطقة شعوباً تابعة للدولة السورية”.
بيرم قال: “إن حكومة دمشق تستخدم سياسة التجويع سواءً في الأشرفية والشيخ مقصود أو بالشهباء لعدة أسباب، أبرزها الضغط على السكان في هذه المناطق وخاصة المهجرين من عفرين المحتلة الذي فروا من مناطقهم هرباً من آلة الحرب التركية، ما يعتبر خيانة من دمشق للعفرينيين وتسويق لحكومة أردوغان من أجل المضي في خطة التطبيع بين الجانبين عبر التضييق على الشعب هناك”، واعتبر أن “هذا التطبيع لن يقود إلا إلى توسع للمشروع الاحتلالي التركي للشمال السوري، والذي بدأ باحتلال عفرين في آذار ألفين وثمانية عشر ثم احتلال سري كانيه/ رأس العين وكري سبي/ تل أبيض في تشرين الأول ألفين وتسعة عشر، وقبل ذلك جرابلس والباب وإعزاز وإدلب وكل هذه المناطق هي مناطق سورية، جرى احتلالها في إطار مساع حكومة العدالة والتنمية التركية لإحياء السلطنة العثمانية، أو إحياء الميثاق الملي الذي يحلم أردوغان بإيحاد صيغة لتطبيقه”.
توافق بين حكومة دمشق والاحتلال التركي على محاربة مشروع الإدارة الذاتية
رئيس مجلس الشهباء وعفرين في حزب سوريا المستقبل أضاف “أن الحصار الذي تفرضه الفرقة الرابعة التابعة لحكومة دمشق على المنطقة يأتي في سياق التوافق بين الحكومتين السورية والتركية لمحاربة المشروع الديمقراطي المطبق منذ سنوات بمناطق شمال وشرق سوريا”، مشيراً إلى أن “حكومة دمشق فتحت طرقها ومطاراتها ومعابرها لدخول المساعدات لعدة مناطق سورية بعد كارثة الزلزال واستمرت بفرض الحصار على الشهباء”، لافتاً في الوقت نفسه إلى أن “دمشق تعتبر الإدارة الذاتية عدواً لها، علماً أن الأخيرة ومنذ تأسيسها وهي تدعوها لحوار سوري سوري يقود إلى حل نهائي للأزمة تكون فيها سوريا لكل السوريين، وتكون البوابة لنشر الفكر الديمقراطي في كامل المنطقة، على حد تعبيره”.
وكان رئيس دائرة الإعلام في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا جوان ملا إبراهيم ومنظمات حقوقية قد أكدوا في الأيام الأولى بعد الزلزال “أن قوات حكومة دمشق طالبت بنسبة سبعين بالمئة من المساعدات المقدمة من مناطق الإدارة الذاتية للمتضررين من الزلزال في حلب لقاء السماح لها بالمرور، وذلك في وقت كان الآلاف من المنكوبين بحاجة ماسة لمساعدات عاجلة، ما ادى لارتفاع عدد الضحايا” وفق ما أفادت تقارير حقوقية حينها.
وشدد بيرم على “أنهم كجهة سياسية إلى جانب المنظمات الحقوقية، يبذلون الجهود ليكونوا صوت السوريين في الشهباء والأشرفية والشيخ مقصود وإيصال معاناتهم إلى المنظمات الدولية والمجتمع الدولي، سواءً إلى مراكز القرار العالمية عبر مكاتب العلاقات في مجلس سوريا الديمقراطية والأحزاب السياسية أو المؤسسات والوسائل الإعلامية”.
الحصار الحكومي على حيي الأشرفية والشيخ مقصود بحلب ومنطقة “الشهباء” بريفها الشمالي، وبالتالي حرمان آلاف المنكوبين من الزلزال الذين يفترشون الأرض ويلتحفون السماء من مساعدات هم بأمس الحاجة إليها، وما سبق ذلك من معاناة إنسانية لسكان المنطقة تجلت أبرز صورها في فقدان أطفال لحياتهم بسبب البرد وعدم السماح بدخول المحروقات اللازمة للتدفئة، ناهيك عن نقص كبير بحليب الأطفال، كلها تؤكد صحة التقارير عن استغلال الأطراف السورية وعلى رأسها حكومة دمشق لكارثة الزلزال للحصول على مكاسب سياسية ومادية، على حساب مأساة ومعاناة المتضررين، الذين لايزالون الجهة الأقل استفادة من مساعدات الزلزال.
استغلال الأطراف السورية سواءً حكومة دمشق أو الفصائل التابعة للاحتلال التركي لكارثة الزلزال بدأت تثير قلق الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية التابعة لها، التي ترى أن دمشق تستثمر في التعاطي الإقليمي والدولي مع الكارثة ووصول مساعدات ووفود إلى مطاراتها ومناطقها من دول عربية كانت قبل ذلك في قطيعة معها، من أجل مواصلة انتهاكاتها بحق السوريين واستغلال مآسيهم المتلاحقة، واستغلال الصمت الدولي على حصاراتها المتكررة لمناطق سورية مختلفة آخرها منطقة الشهباء بريف حلب الشمالي.