لم يعد خافياً على أحد أن تركيا تنفذ حرباً متعددة الأوجه على مناطق شمال وشرق سوريا منذ عام ألفين وستة عشر تاريخ بدء احتلالها لمناطق بالشمال السوري، بدءاً بالهجمات والقصف البري والجوي مروراً بتهجير سكان وتغيير ديمغرافية المنطقة وليس انتهاءً بحرب المياه التي تشنها على المدنيين عبر استمرار حبس مياه نهر الفرات وتقليص حصة سوريا من تلك المياه ضاربةً عرض الحائط بكل الاتفاقيات الدولية التي تنظم حصص الدول من الأنهار المشتركة.
الإدارة العامة للسدود في شمال وشرق سوريا، أعلنت وقف سد تشرين عن العمل بدءاً من الأول من آذار/ مارس ولمدة أسبوع بسبب استمرار حبس تركيا واردات نهر الفرات عن الأراضي السورية منذ نحو عام، وانعكاس ذلك على البحيرات الموجود في النهر بما في ذلك بحيرة سد تشرين وسد الفرات التي استنفذت مخزوناتها الاستراتيجية خلال الأشهر الماضية، مؤكدةً أن القرار يأتي لإنقاذ الموسم الزراعي لعام ألفين وثلاثة وعشرين، حيث أن بحيرات السد تروي أراضي زراعية عديدة، ومشيرةً في الوقت نفسه إلى أنه وبسبب ضعف الوارد المائي فإنها ستضطر لوقف سد تشرين لفترات متقطعة تحدد عبر برامج مدروسة بالتعاون مع المؤسسات المعنية، ومشددةً على أن الأولوية هي تأمين مياه الشرب ومياه ري الأراضي الزراعية للسكان.
مدير سد تشرين المهندس حمود الحمادين قال في حديث لمنصة تارجيت: ” إن الواقع المائي في سد تشرين هو في حالة استنزاف دائم منذ أكثر من عام، والوارد المائي من الجانب التركي لا يغطي حاجة الممر من السد، ولا يكفي لتغطية ما يستهلك في التبخر ومياه الشرب والري ما عدا توليد الطاقة الكهربائية الذي يتم من البحيرات التي هي في حالة استنزاف كامل من المخزون منذ أكثر من عام، وبالتالي السد في أخفض منسوب له منذ تأسيسه”.
الحمادين، أضاف أن “الإدارة العامة للسدود وبالتعاون مع هيئة الطاقة وحرصاً على عدم المساس بالخطوط الحمراء وهي مياه الشرب ومن أجل إنقاذ الموسم الزراعي الحالي والذي يعتمد اعتماداً كاملاً بالري على نهر الفرات إما عبر محطات الضخ أو عبر المشاريع الخاصة، قررت إيقاف العمل في سد تشرين لمدة أسبوع”، مشيراً إلى أنه “لم يصل منسوب المياه في السد منذ تأسيسه إلى مثل هذه المستويات في مثل هذه الفترة من السنة وهي نهاية فصل الشتاء”، مرجحاً “اللجوء مرات أخرى لإيقاف العمل بالسد في حال استمرار نقص الوارد المائي”.
مخاطر إنسانية وبيئية جراء نقص مياه الفرات
وتقول تقارير، إن تركيا اتجهت بشكل مدروس منذ مطلع عام ألفين وعشرين، إلى تقليص واضح لحصة سوريا من مياه نهر الفرات إلى مستويات متدنية وصلت إلى أقل من مئتي متر مكعب في الثانية، رغم عقد اتفاقية بين الجانبين السوري والتركي عام ألف وتسعمئة وسبعة وثمانين، تضمنت تحديد حصة سوريا من مياه النهر بما لا يقل عن خمسمئة متر مكعب في الثانية، ما انعكس على سقاية الأراضي الزراعية وتوليد الطاقة الكهربائية في مناطق شمال وشرق سوريا، حيث تصل ساعات التغذية الكهربائية إلى نحو عشرين ساعة قطع مقابل أربع ساعات توصيل، ناهيك عن كوارث إنسانية وبيئية يخلفها انخفاض منسوب النهر تتمثل بالتلوث وانتشار النفايات، وما ينتج عن ذلك من أمراض وأوبئة كان آخرها انتشار واسع لمرض الكوليرا بالشمال السوري تسبب بعدة وفيات حتى الآن.
انخفاض المنسوب وانقطاع التيار الكهربائي
نسبة انخفاض مياه النهر وصلت في بحيرة سد تشرين إلى أكثر من خمسة أمتار، وفي بحيرة سد الفرات إلى نحو أربعة أمتار، حيث وثقت صور ومقاطع فيديو وثقها ناشطون تحوّل أجزاء كبيرة من مجرى النهر إلى أراض قاحلة، وكأن النهر تحول إلى واد أو جدول ماء صغير لا يكفي سوى لعيش الأسماك، وسط تحذيرات تطلقها الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا ومجلس سوريا الديمقراطية ومنظمات حقوقية من كوارث تهدد سكان المنطقة في حال استمرار أنقرة بحبس مياه النهر، ومطالبات متكررة بضرورة تدخل دولي لوقف هذه الممارسات التركية التي تنعكس على سكان سوريا والعراق.
المهندس حمود الحمادين أكد في حديثه لمنصتنا، على أن المخاطر التي تهدد المنطقة في حال استمرار تركيا بحبس مياه الفرات، تتمثل في فشل الموسم الزراعي وبالتالي تهديد الأمن الغذائي لسكان البلاد حيث أنه من المعروف أن المنطقة هي سلة الغذاء السورية، إلى جانب الأضرار المتمثلة بنقص مياه الشرب وتلوثها بسبب انخفاض منسوب بحيرات السد أفقياً ومن المعروف أنه كلما نقص خزان المياه كلما زاد تركيز الملوثات، خاصةً أنه لا يوجد محطات لمعالجة المياه إنما يتم ضخ المياه مباشرةً أو عبر الصهاريج ولا تخضع لأي عملية تنقية.
وكانت هيئة الطاقة في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، قد بدأت منذ مطلع العام ألفين وواحد وعشرين، بتخفيض ساعات التغذية بالتيار الكهربائي بسبب الانخفاض الهائل في منسوب الفرات، وتوقف معظم عنفات التوليد، وتوجيه العاملة من هذه العنفات من أجل تغذية مطاحن الحبوب وتأمين مياه الشرب، في حين وصلت نسبة الأضرار التي لحقت بالأراضي الزراعية في منطقة كوباني بريف حلب لأكثر من خمسين بالمئة جراء نقص مياه النهر وفق توثيقات رسمية، وسط مخاوف كبيرة من جفاف وتصحر يهدد المنطقة خاصةً في ظل نقص كميات الأمطار خلال السنوات الأخيرة، وتأكيدات من منظمات حقوقية بشمال وشرق سوريا أن تركيا تستخدم المياه سلاحاً ضد المدنيين لدفعهم لترك مناطقهم خدمةً لمشروع التغيير الديمغرافي الذي تسعى لتنفيذه في المنطقة وباشرت به بشكل عملي بدءاً من عفرين وصولاً إلى مناطق حوض الفرات في الرقة والحسكة.
مدير سد تشرين، لفت إلى أن “المنطقة كانت قبل قرار إيقاف العمل بسد تشرين، تعاني من نقص ساعات التغذية الكهربائية واللجوء إلى التقنين بسبب نقص مياه الفرات، أما الآن وبعد القرار فقد تم قطع الكهرباء بشكل نهائي، وبالتالي حرمان ما يقرب من سبعة ملايين مواطن من الكهرباء، التي تنعكس على أمور حياتية أخرى”.
وكانت سوريا قد وقعت مع العراق في عام ألف وتسعمئة وتسعة وثمانين اتفاقية بشأن حصص البلدين من مياه الفرات تضمنت منح العراق خمس وثمانين بالمئة من مياه النهر مقابل اثنين وأربعين بالمئة لسوريا، وذلك على أساس المسافة التي يقطعها النهر في أراضي البلدين، إلا أن عاملين في سد تشرين شمال شرقي سوريا، أكدوا في تصريحات إعلامية أنه تم تخفيض كمية المياه الممررة إلى الأراضي العراقية إلى أقل من أربعمئة متر مكعب في الثانية، جراء نقص الوارد المائي من تركيا، الأمر الذي انعكس أيضاً على الأهوار جنوبي العراق، التي جفت بدورها وتحولت إلى أراض قاحلة، ما جعل ناشطون ومنظمات حقوقية عراقية يدقون ناقوس الخطر من كوارث تهدد الإنسان والبيئة والحيوان على السواء.