تشهد محافظة السويداء جنوب سوريا، احتجاجات سلمية دورية منذ ثلاثة أشهر تقريباً، للمُطالبة بالتغيير السياسي، ونتيجة استياء الأهالي من الظروف التي تمر بها البلاد، وقد وصل غضب المتظاهرين إلى ذروته عندما دخلوا لمبنى المحافظة في ديسمبر العام الماضي، ومزقوا صور بشار الأسد، تعبيراً عن استيائهم من الواقع الاقتصادي الذي وصلت إليه المنطقة، وعموم المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة دمشق.
ومنذ ذلك الحين، تشهد ساحة “الكرامة\السير” وسط مدينة السويداء، اعتصامات أسبوعية، يحمل المشاركون فيها لافتات تُطالب بالتغيير السياسي، وتحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية.
وتوازت اعتصامات السويداء، مع دخول فصل الشتاء ذروته في سوريا، خلال يناير العام الجاري، وولوج البلاد في واحدة من أسوأ أزماتها المعيشية، بعدما انقطعت المحروقات بالكامل في معظم المناطق، لأسباب ربطتها حكومة دمشق بـ”ضعف التوريدات القادمة من إيران”، فـ”شّلت” حركة النقل في عموم سوريا، وزادت ساعات تقنين الكهرباء، المقطوعة لساعات طويلة بالأصل، وانسحبت التداعيات على قطاع الاتصالات السلكية، التي أصبح أغلب مقاسمها “خارج الخدمة”.
مُخدر لامتصاص الغضب الشعبي
وفي التاسع من يناير، نفذت في السويداء، إحدى الاعتصامات للمطالبة بتحسين الوضع المعيشي والإفراج عن المعتقلين وتطبيق القرار الأممي 2254، إضافة إلى رفع لافتات كُتب عليها “لن نصالح”، “المدارس خارج الخدمة” و”الشوارع بانتظار أطفالنا”، وأخرى تدلّ على تدهور الأوضاع الاقتصادية وتحمّل حكومة دمشق المسؤولية، كلافتة تقول: “إذا جاعت الشعوب، تُحاسب حكامها”.
وبهذا الصدد، تحدث “معن خداج”، وهو مواطن من محافظة السويداء لـ”منصة تارجيت”، حول الأحوال المعيشية فيها، فقال: “هي كباقي الأوضاع في المحافظات السورية، الخدمات متردية بشكل كبير، نقص حاد في كافة المواد وخصوصاً بالكهرباء والماء وسوء الاتصالات ونقص بل حرمان من المحروقات، وضغوطات من قبل النظام بقصد الإذلال من أجل الاستجابة له وعدم ظهور أي حالة معارضة، بل هي انتقامية، فلا يحاول النظام تقديم شيء يذكر، وهو بالأساس حق من الحقوق، كتوزيع مخصصات المازوت، أو يسرع في توزيعها عندما يشعر بغضب عام، كالاحتجاجات الحالية”.
مُشبهاً ذلك بأنه “نوع من المخدر للشعب، لامتصاص الغضب”، مؤكداً أن مسؤولية الأوضاع في سوريا، لا يختلف عليها اثنان، من حيث أنها تقع على عاتق “النظام الأمني الاستبدادي الذي بنا عرشه على حساب سوريا والسوريين، هو الذي أوصل البلاد إلى ما هي عليه، حيث استعان بأقذر الدول كالروس والإيرانيين للحفاظ على كرسيه، ولم يأبه بتدمير سوريا”.
جميع الخدمات شبه معدومة
وفي سياق التظاهرات، رفع أهالي بلدة “ذيبين” جنوب غرب السويداء، في السادس والعشرين من يناير، شعارات مناهضة لحكومة دمشق، أمام مبنى الناحية ومواقع حيوية في البلدة، منها: “عاشت سوريا ويسقط بشار الأسد”، “لا نفاوض لا نساوم، لا نصالح”، و”لا يضيع حق وراءه مطالب”.
وحول ذلك، قال “منيف رشيد” وهو كذلك مواطن من محافظة السويداء، في حديث إلى “منصة تارجيت”: “تعاني سوريا عموماً والسويداء خاصةً من ظروف قاسية، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، حيث تعتبر جميع الخدمات شبه معدومة وأحياناً كثيرة معدومة، فالشح بموارد الطاقة جعل جميع الخدمات من كهرباء وحركة نقل واتصالات سلكية ولاسلكية شبه متوقفة، والتقنين الجائر للكهرباء يصل الى أكثر من ٢٠ ساعة قطع للتيار يومياً، وبغياب الكهرباء تغيب معها جميع خدمات الاتصال”.
مُتابعاً: “يعاني السكان من نقص تام بوقود التدفئة، حيث يمضون فصل الشتاء البارد على قطرات من الوقود التي لا تكفي لـ٥ أيام، مما أضطر السكان للاعتماد على قص الأحراج والأشجار للحصول على الدفء، لتخسر المحافظة أكثر من ٧٠% من ثروتها الحراجية، والخوف الأكبر أن يتوجه الناس للأشجار المثمرة، ناهيكم عن الارتفاع الجنوني للأسعار، الذي شمل جميع السلع وخاصة الغذائية، مما اضطر الكثيرين من الناس للاستغناء عن الكثير من المواد الأساسية، متل البيض والحليب ومشتقاته واللحوم بجميع أنواعها، الأمر الذي أدى لظهور حالات من سوء التغذية لدى الأطفال”.
الفساد من رأس الهرم
وبخصوص الخدمات الأخرى التي يقع على عاتق الدولة تأمينها لمواطنيها، قال “رشيد” لـ”تارجيت”: “لا ننسى التراجع بمستوى التعليم بسبب سوء الخدمات بالمدارس، لا قرطاسية ولا تدفئة ولا مدرسين، يمكن القول بأن الحركة بالمحافظة شبه مشلولة، كل هذا والحكومة غائبة ولا تأبه بأي من هذه المشاكل التي سببها الرئيسي هو الفساد الحكومي، الذي يبدأ من رأس الهرم حتى قاعدته، وعدم المحاسبة من قبل الجهات المختصة المنخورة فساداً”، مرجعاً مسؤولية ما آلت اليه الأوضاع بالقول: “سبب ما نحن فيه، هو النظام الحاكم الذي يرعى الفساد والمفسدين”.
لافتاً إلى أنه “منذ انطلاقة الحراك السلمي المدني بالسويداء، حرص منظمو الحراك على أن تكون المطالب، تنفيذ القرارات الدولية وخاصة القرار ٢٢٥٤ الذي يضمن الانتقال السلمي للسلطة السياسية، لأنه دون تحقيق الانتقال السلمي للسلطة، لا يمكن تحقيق أي تقدم باتجاه التغيير الجذري للوضع المعاشي المتردي، الذي يعاني منه كافة السكان ممن هم ضمن مناطق سيطرة النظام”، مستدركاً: “الحل يبدأ بتوافق دولي على تنفيذ القرارات الأممية، وإلزام هذا النظام بتطبيق القرارات دون قيد أو شرط”.
الاعتصام الدائم.. رسالة للعالم أجمع
وأصدر “الحراك المدني الثوري في مدينة السويداء”، في الثالث والعشرين من يناير، بياناً خاطب فيه الشعب السوري على امتداد الجغرافية السورية، بكل طوائفه ومذاهبه، قال فيه: “نقفُ واضحينَ أكثرَ منْ ذي قبلْ، حاسمينَ أكثر من ذي قبلْ…ضدَّ الاستبداد بكل أشكاله ومفاهيمه، ضدَّ الفسادِ في أعلى هَرَمه حتى قاعدته”، وأردف “الحراك”: “ضد التوريث في السياسة والدين، ضد الدولة البوليسية وحكم العسكر، ضد الفكر الواحد والحزب الواحد وادعاء امتلاك الحقيقة، وتوزيع شهادات الوطنية، ضد التخوين والتهجير والاعتقال التعسفي ومصادرة حرية التعبير”.
كما أكد البيان على “الوقوف لأجلِ وطنٍ مستقلٍّ من كل الاحتلالات والوصايات، حرٍّ بلا تسوياتٍ وبلا مساوماتٍ وبلا إملاءاتٍ خارجية، ودعم الحراك الثوري إقامة نظامِ حكمٍ ديمقراطي وتداولٍ سلميٍّ للسلطةِ والاحتكامِ لصناديقِ الاقتراع، ولمحاسبةِ أمراءِ الحرب والفساد”.
ويُساند الناشط السياسي “مهند شهاب الدين”، الذي يُشارك في تنظيم الاعتصامات الدورية بالسويداء، منذ عدة أشهر، ما ذهب إليه “منيف رشيد” حول ضرورة الانتقال السلمي للسلطة السياسية في سوريا وفق القرارات الدولية، فيقول في حديث لـ”منصة تارجيت”: “لا شك أن للتدهور الاقتصادي المتسارع تأثيره على الواقع الاجتماعي الاقتصادي والسياسي، وهذا نتيجة طبيعية حتمية لسياسة اقتصادية فاشلة، غبية من قبل سلطة الاستبداد والأمر الواقع، لذا فقد خرجات مظاهرة يوم ٤ ديسمبر ٢٠٢٢ تًطالب بشعاراتها الثلاث (العيش، الحرية، العدالة الاجتماعية)، والتي جابهها النظام بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين، راح ضحيتها شهيد مدني و١٨ جريحاً”.
مردفاً: “كنتيجة للغليان الشعبي، تقرر إقامة اعتصام دائم كل يوم اثنين في ساحة الكرامة، حتى تحقيق المطالب الشعبية المحقة، ومنها القرار (٢١١٨، ٢٢٥٤)، نعرف تماماً أن النظام غير قادر على تقديم أي شيء، والاعتصام الدائم إنما هو رسالة للعالم أجمع، نبين فيها حقيقة موقفنا الرافض للاستبداد، ومطالبتنا بالتغيير، ليعلموا حقيقة ما نعيشه وما نطمح اليه، لذا كتبت الشعارات السياسية وبجرأة، نتحدى من خلالها النظام الأمني المستبد، وكذلك كانت هناك شعارات بالتنسيق مع الحراك الثوري بباقي المحافظات السورية”.
ثورة جياع
ويتابع الناشط السياسي حديثه لـ”تارجيت”، فيقول: “ما يحاول البعض اخفاءه، إن أول شعار لإسقاط النظام كان بتاريخ الثلاثين من نوفمبر للعام 2010، في قرية أم الزيتون ومدينة شهبا، لذا ومع انطلاق شرارة ثورة سوريا الحبيبة، كانت السويداء حاضرة بمظاهراتها، ولقد تم اعتقال الكثير من النشطاء، منهم من مات تحت التعذيب كالشهيد مروان الحصباني، ومنهم من لايزال مجهول المصير كالمعتقل ناصر بندق، فيما اتخذت السويداء شكلاً خاصاً بها لمساندة الثورة، فمنعت أبناءها من الالتحاق بالجيش إجبارياً، حتى وصل عدد المطلوبين للخدمة إلى ٤٠ الف رافض، دفع ضريبتها الطلاب والموظفون وغيرهم ثمناً باهظاً”.
إلا أن “شهاب الدين” لا يخفي امتعاضه من المعارضة التي اتخذت اشكالاً مشابهة للنظام من حيث التعاطي مع المكونات السورية المختلفة، فقال: “لكن وللأسف، أشباه النظام من المعارضة الإخوانية، يسوقون بتطرف إنها ثور جياع، وهذا إنما يصب في عين الهدف الذي يسوق له النظام، لكن في الواقع، لنا اتصالات يومية مع الثوار السوريين الاحرار الذين نفتخر ونثق بهم، وأبواق المعارضة والنظام لن تثنينا عن هدفنا المتمثل بـ (دولة العدالة والقانون)”.
العمالة لـ إسرائيل
وحول ما أثير من تبعية الدروز في السويداء لإسرائيل، وهي تهمة روجها الموالون لحكومة دمشق، في ردهم على الاعتصامات بالمحافظة الجنوبية، عقب “شهاب الدين” بالقول: “من يُطالب بخروج كل الاحتلالات عن الأرض السورية، لن يقبل أبداً بأن يكون تابعاً لاحتلال، فإن كان النظام مدعوماً من الاحتلال الروسي والإيراني، والإخوان مدعومين من تركيا، فكان لابد لهم من أن يصفوننا نحن الأحرار مثلهم خونة ويشيعوا تبعيتنا لإسرائيل، علماً أننا وموقفنا واضح، نقوله من خلال شعاراتنا دائماً، ورفاقنا بالجولان المُباع، أحرار الجولان طبعاً، نرفض رفضاً قاطعاً أي تبعية لأي جهة كانت، إسرائيل هي كيان محتل لأرض عربية، ندعم حقهم بمقاومة الاحتلال، ولنا الحق أيضاً بمُقاومته وطرده”.
أما على مستوى العلاقة مع دروز إسرائيل، قال: “نحن لا تربطنا معهم إلا علاقة النسب والقرابة، ولا اتصال بيننا أبداً كقوى وطنية ثورة ومعارضة، أما فيما يخص دروز الجولان المُباع، فهذا شأن أخر، فالجولان مدينة تتبع لمحافظة القنيطرة السورية، ولنا الحق كسوريين أن نتصل بهم ويتصلوا بنا، ففي الجولان الذي نعتبره مُحتلاً مُباعاً، أحرار ننسق معهم لوقفات مُشتركة، وسبق أن شاهد العالم اعتصامات الخيام بـ٢٠١٨”.
الحل بسوريا لامركزية
مُوضحاً رؤيتهم كنشطاء في المحافظة لشكل الحل في سوريا، بالقول: “لا نرى سوريا الوطن بالمستقبل دولة مركزية، فهذا مرفوض تماماً، والحل بسوريا لا مركزية إدارية موسعة، أو فدرالية، لكن ما نتمناه ونسعى إليه، أن يكون على قاعدة الجنوب السوري، (السويداء، درعا، القنيطرة)، وهذا ليس بالطبع انفصالاً كما يسوق له نظام دمشق، إنما هو شكل إداري يُنظم الشكل الإداري للدولة السورية الحديثة، كدولة مواطنة”.
أما عسكرياً.. فتتواجد في المحافظة مجموعة فصائل عسكرية أبرزها، “حركة رجال الكرامة”، التي تؤكد أنها حركة عسكرية مستقلة لرد الظلم عن أبناء الطائفة الدرزية في السويداء، لكنها في عين الوقت لا تخفي وجود قنوات تواصل بينها وبين حكومة دمشق، وتوضح بأنها في إطار هدف واضح ومُعلن، ألا وهو إطلاق سراح المعتقلين ومتابعة قضايا المظلومين، دون ان يكون لها مطامع سياسية.
مسلحون محليون لحماية السويداء
“أبو تيمور” من الجناح الإعلامي لـ”حركة رجال الكرامة”، قال في حديث خاص لـ”منصة تارجيت”: “إن “حركة رجال الكرامة، حركة شعبية عسكرية، أسسها الشيخ الشهيد المرحوم أبو فهد وحيد البلعوس ورفاقه لحماية المحافظة من الفصائل المتطرفة والجور الأمني، وهي ذات بعد وطني جامع غير متطرف”.
وأبرز المواجهات العسكرية التي خاضتها الحركة، كانت التصدي لهجوم “جبهة النصرة” على قرية دير داما عام 2014، بجانب طرد تنظيم “داعش” من قرى الريف الشرقي بالسويداء، بعد هجوم دامي نفذه التنظيم على القرى الدرزية عام 2018، وحولها، أشار “أبو تيمور”: “خاضت الحركة عدة معارك على حدود الجبل، مثل معركة الدفاع عن قرية داما في الريف الغربي للمحافظة ضد تنظيم جبهة النصرة، إضافة لمعركة المُقرن الشرقي، ضد تنظيم داعش الإرهابي حيث قدمت الحركة الكثير من الشهداء والجرحى”.
مُعارضة الدروز للتجنيد الإجباري
وبخصوص الفصائل المتواجدة في المحافظة وتبعيتها، كشف “أبو تيمور” إنه “توجد فصائل عدة وكثيرة، منها الوطني الشريف، ومنها المرتبط أمنياً، والبعض له أجندة خارجية غير وطنية، بيد أن السواد الأعظم من مسلحي المحافظة، هم مسلحون محليون يهدفون لحماية المحافظة”.
وتُعارض “الحركة” تجنيد الشبان الدروز ضمن صفوف قوات حكومة دمشق، وترفض مشاركتهم في الحرب السورية، كما لا تقبل الحركة بوضع سلاحها وتشكيلها العسكري تحت مظلة أي طرف، ووجهت مقترحات للروس، لتبييض السجون السورية وفتح معبر رسمي بين المحافظة والمملكة الأردنية، لتحسين الأوضاع الاقتصادية في المحافظة.
وقد أكد “أبو تيمور” رفض الحركة منذ تأسيسها الخوض في دماء السوريين، والتجنيد بشكل إجباري، بجانب رفض الانضواء تحت أي قيادة عسكرية حكومية سواء كانت روسية أو حكومية في سوريا، و”ذلك لأننا مستقلين بقرارنا، وهدفنا وطني جامع، لتحقيق مصلحة السوريين، وعليه، لا نقبل أي تبعية لأي جهة داخلية أو خارجية، ومرجعيتنا الأولى، وطنية سورية”.
جيش وطني لا أداة
لكن لم يُخفي “أبو تيمور” أمله في أن “يكون جيش سوريا المستقبلي، وطنياً، هويته جامعة، ذو عقيدة وطنية، هادفاً لحماية الحدود، وألا يكون الجيش السوري أداة بيد أحد، لتحقيق أهداف صغيرة”.
وفيما يخص رؤيتهم لشكل الحل في عموم الأراضي السورية، فقد نوّه “أبو تيمور” لـ”تارجيت”، إلى أن “العديد من الأفكار والمشاريع السياسية تُطرح في الجنوب السوري”، لكن دون أن يلمسوا طرحاً جدياً حقيقياً مُتفقاً عليه أو مدعوم من قبل المجتمع الإقليمي والدولي والعربي، لذلك يقول إنهم مع “أي مشروع يضمن حقوق وكرامة جميع السوريين، ويضمن مُحاسبة كل المجرمين أينما كانوا بعدالة قانونية حقيقية، ويُحافظ على وحدة سوريا الأم، بغض النظر عن شكل وتفاصيل ذلك المشروع أو الطرح لشكل الدولة”.