نجحت حكومة دمشق، إلى حد ما من استغلال كارثة الزلزال المُدمر الذي وقع في السادس من فبراير الجاري، في جنوب تركيا وشمال غرب سوريا، وتُجدد في العشرين من نفس الشهر، بغية تعبيد طرق الدبلوماسية والشرعية التي خسرتها خلال العقد المُنصرم.
فبعد 12 عاماً من القطيعة بين دمشق وعمّان، زار نائب رئيس الوزراء، وزير الخارجية وشؤون المغتربين الأردني، أيمن الصفدي، العاصمة دمشق، والتقى بـ”بشار الأسد” في الخامس عشر من فبراير الجاري، مؤكداً خلالها التضامن مع الشعب السوري، والوقوفِ بجانبه لتجاوُز المحنة وتداعياتِ الزلزال.
واعتبرت زيارة الصفدي، أول زيارة رسمية لوزير خارجية أردني إلى سوريا، منذ اندلاع الأزمة السورية في عام 2011، سبقها إجراء العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني اتصالاً هاتفياً بـ بشار الأسد، مُعزياً بضحايا الزلزال.
كما كانت الزيارة، وفق الصفدي نفسه، محطة لبحث العلاقات الثنائية بين الأردن وسوريا، وبحث الجهود المبذولة للتوصل لحل سياسي ينهي الأزمة، وينهي الكارثة، ويحفظ وحدة سوريا وتماسكها وسيادتها ويعيد لها أمنها واستقرارها ودورها.
تسييس الأزمات والكوارث
فيما لاقى تسييس الأزمات والكوارث وتسييس المساعدات وأعمال الإغاثة، كثيراً من الأخذ والجذب بين المراقبين، خاصة مع سعي دمشق لاستغلال الأزمة للعودة إلى المحيط العربي الذي قاطعه، وفي هذا الصدد، قال المحلل السياسي الأردني “صلاح ملكاوي” في حديث خاص لـ”منصة تارجيت الإعلامية”، تعقيباً على زيارة الوزير الأردني، بأنها: “تأتي في قلب إدارة مصالح العلاقات الدولية، فبعضها لغرض تحقيق مكاسب، الآخر للاستثمار في الأزمة للضغط على الطرف المأزوم، والبعض الآخر لفتح جسور آنية على هامش الأزمة للاستفادة منها لاحقاً”.
مردفاً: “لا يمكن أن أصف زيارة وزير الخارجية، بانها اختصرت على الجانب الإنساني، صحيح أنه قدّم واجب العزاء باسم الملك، واسمه واسم الشعب الأردني للشعب السوري، لكنها كانت محاولة لفتح جسور آنية على هامش الأزمة للاستفادة منها لاحقاً، وهذا أمر متعارف عليه في العلاقات الدولية، ولا يعد مذموماً من الناحية السياسية، رغم ما قد يراه البعض موقفاً استغلالياً، هذا في العلاقات الدولية، فما بالك بالعلاقة بين شعبين شقيقين ومتجاورين أيضاً كما في حالة الأردن وسوريا، وهنا لأبد من التذكير بأن الأردن كان من أكبر المتأثرين جراء الحرب في سوريا سياسياً، اقتصادياً، اجتماعياً، أمنياً وعسكرياً”.
الحرب السورية وأضرار الأردن منها
وتضرر الأردن كثيراً من الأزمة السورية، نتيجة إغلاق الحدود، بجانب وجود أكثر من مليون ونصف لاجئ سوري على أراضيه، وانخفاض التبادل التجاري من 400 مليون سنوياً قبل عام 2011 إلى 90 مليون في الوقت الراهن.
وهو ما ذهب إليه “ملكاوي” بالقول: “وقع عبء كبير على الأردن، جراء استقبال مئات الآلاف من الأشقاء السوريين، الفارين من القتال والقصف، إضافة لإغلاق المعابر الحدودية بين البلدين لعدة سنوات، مما عاد سلباً على الاقتصاد الأردني وأيضاً السوري، إضافة لما ترتب على الأردن من أعباء أمنية وعسكرية جراء الأحداث في سوريا”.
متابعاً: “ما زلنا نتحمل الوزر الأكبر منها حتى اليوم، ولا أدل على ذلك من عصابات التسلل وتهريب السلاح والمخدرات التي ما توقفت يوماً عن استهداف الأردن واستقراره، بجانب التذكير بالمليشيات الطائفية الموجودة على طول الحدود في الأراضي السورية، سواء بالقنيطرة أم درعا بريفيها الغربي والشرقي، إضافة إلى محافظة السويداء وبواديها”.
كما ذّكر المُحلل السياسي الأردني بالمجموعات الإرهابية، قائلاً: “لا أدل على ذلك، من قتل تنظيم داعش الإرهابي في قرية جاسم السورية الواقعة بريف درعا قبل شهرين”، مشيراً: “نعم الظروف الإنسانية فرصة لتحرير الموقف السياسي، هذا الكلام سليم”.
شبه إجماع عربي
وحول إمكانية تأسيس واقع علاقة جديد، بين الأردن وسوريا، في ظل ما رأه بعض المراقبين اختلافاً في موقف الأردن من الأزمة السورية، في السنوات الأخيرة، عندما نأى بنفسه عن الدعم للمعارضة السورية، رأى “صلاح ملكاوي” إنه “ليس الأردن فقط الذي اختلف موقفه، بل العرب جميعاً”، موضحاً: “الدول العربية جميعاً اختلفت مواقفها، ونأت بنفسها عن تقديم أي دعم أو مساعدة للمعارضة السورية أو الفصائل المقاتلة، خاصه في الأردن، فنحن نتكلم عن صيف 2018، منذ عودة سيطرة قوات النظام على كامل الجنوب السوري بضمانة روسية، وهذا حدث خارج اتفاق استانة”.
وأضاف: “دعنا نقول إنه يوجد شبه اجماع عربي بأن الوضع في سوريا لا يجب أن يستمر على هذا الشكل، ولا يجب أن يستمر ترك الشعب السوري على هذا المنوال، كان الزلزال الذي حصل وحجم الاضرار والمصاب كبير باتجاه إخوتنا في سوريا، سواء الموجودين داخل مناطق الشمال أو الموجودين في الجنوب التركي، أشبه ما يكون بدق جرس تذكير، أن هناك أزمه منسية، وإنه طال أمد ألمها لمدة 12 سنة، ولا بد من التذكير إنها واجبة الحل”.
لافتاً إلى أن الموقف الأردني ثابت من المعضلة السورية، بالقول: منذ 12 سنة، ولليوم، ينادي الأردن بحل سياسي، ولم يتغير موقفه، فتصريحات الملك، ووزير الخارجية الحالي أيمن الصفدي أو السابق ناصر جودة، كانت دائماً تكرر أن الأردن ينادي بحل سياسي، وفقاً للقرارات الدولية الصادرة عن مجلس الامن”.
دمشق وفك العزلة السياسية والدبلوماسية
وليست زيارة الصفدي الأولى عربياً منذ وقوع الزلزال، إذ زارها وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، في الثاني عشر من فبراير، فيما أعلنت وزارة الخارجية الأميركية عن رفع بعض العقوبات المفروضة على شخصيات في النظام الحاكم بدمشق، بشكل مؤقت، بهدف إيصال مساعدات إلى المتضررين من الزلزال في أسرع وقت ممكن.
وعليه، تُتهم دمشق بانها تسعى إلى فك عزلتها سياسياً ودبلوماسياً، وتخفيف حدة العقوبات الغربية عليها، من خلال الاستثمار بالوضع الإنساني في شمال غرب سوريا، إذ خلقت الكارثة باباً لكسر الجمود بعلاقات دمشق على الساحة العربية، وقد رحب بشار الأسد خلال لقائه مع الصفدي بأي “موقف إيجابي” يصدر من الدول العربية، التي قطع عدد منها علاقته مع دمشق، منذ بداية النزاع في سوريا.
وبالسياق، يعتقد “ملكاوي” إن دمشق “بدأت تنجح فعلاً بفك عزلتها سياسياً ودبلوماسياً”، مستطرداً: “شاهدنا بشار الأسد يزور مسقط كرئيس دولة، عكس ما اعتدنا عليه خلال 12 سنة الماضية، شاهدناه بطائرة سورية، وليس بطائرة تحمل علم البلد الذي سينقل إليه كما حصل مع روسيا سابقاً، بل شاهدنا طائرة سورية، وتصرف وفق البروتوكول الذي كان يتبعه قبل 2011، إذ أرسلت السلطات السورية طائرة نقلت المسؤولين السوريين المشاركين بالزيارة قبل وصول طائره بشار الأسد، وشاهدنا استعراضاً لحرس الشرف، وعرض علني للزيارة وليس كما في السابق، عندما كان يتم الإعلان عنها بعد عودة بشار الأسد لسوريا، بل تم الإعلان عنها بشكل مباشر”، منوهاً إلى أن الأسد “بدأ يتصرف وكأنه رئيس دولة شرعي، وهذا يعني نوعاً من الاستخدام للازمة”.
الأردن والاستثناء من قانون قيصر
ويعتقد مراقبون أن الأردن حاول في العام 2021، الحصول على استثناء أميركي من قانون “قيصر”، عندما التقى الملك عبد الله الثاني بالرئيس الأميركي جو بايدن في “البيت الأبيض”، حيث تم افتتاح الحدود البرية عقب الزيارة، بغية إنعاش خطوط الترانزيت.
لكن المحلل الأردني “ملكاوي” لم يتوافق مع هذه النظرية، فقال لـ”تارجيت”: “نحن لم نحصل على استثناء، كان المشروع هو نقل الكهرباء المنتجة بالغاز المصري إلى لبنان عبر سوريا، وهذا المشروع لم يتحقق حتى الآن نتيجة التحفظ عليه، ولا أظن إننا حصلنا على استثناء، هذه المعلومة غير دقيقة، هناك تفهم دولي وعربي لحساسية وضع الأردن، بسبب سوء أوضاعه الاقتصادية والثقل الواقع عليه جراء استقبال أكثر من مليون ونصف سوري على أراضينا، وهذا يشكل ضغطاً على البنيه التحتية وعلى الاقتصاد وعلى القطاعات المختلفة، والأردن يتحرك ضمن شبه اجماع عربي، بضرورة العودة لبحث حل حقيقي للأزمة السورية، وأن لا تظل مُعلقة”.
وبخصوص إمكانية تجميد قانون قيصر حالياً، بسبب الظروف الإنسانية الناجمة عن الزلزال في سوريا، قال “ملكاوي” لـ”تارجيت”: “لن يتساهل الامريكان في تطبيقه، خاصة خلال المرحلة القادمة، مع احتدام الحرب الروسية الأوكرانية”.
وبيّن الأسباب بالقول: “أصبحت سوريا ورقة تنافس بين الروس والأمريكيين، لذلك لا أظن أن الأمريكيين قد يتساهلوا بتطبيقه، لكن هناك غض طرف مُؤقت بسبب الزلزال والأوضاع الإنسانية، كي لا يتم تحميلهم مسؤولية أي كوارث إنسانية أو مآسي قد تحصل، أما الشق السياسي، فالأمريكيون يسعون إلى تقوية أوراقهم في سوريا، والملف السوري ذاهب للتسخين أكثر منه للحل، وفق وجهة النظر الأمريكية”.
الشام الجديدة
ولدى الأردن إطاران، ثلاثي ورباعي للتعاون المشترك مع دول إقليمية، ويبدو أنه يطمح لأن تكون سوريا، جزءاً من هذا التعاون المشترك، حيث لا يستطيع الأردن مد الكهرباء إلى لبنان إلا عن طريق سوريا، كما تطمح الأردن إلى أن تكون سوريا والعراق ومصر، جزءً في مشروع إقليمي كبير ومشاريع استثمارية.
وهو ما أكده “صلاح ملكاوي” لـ”تارجيت”، بالقول: “من المؤكد أن هناك طموحات ليست أردنية فقط، حتى سوريا، مصر والأردن والعراق، هذا التحالف الأول، حقيقة يوجد جزء مُكمل للمشروع يشمل سوريا أيضاً، ولكن لم يتم الحديث عنه بسبب الظروف الموجودة، نتحدث عن الشام الجديدة، وحتى الشراكة الرباعية أيضاً تشمل سوريا، ولكن كل هذه المشاريع ما زالت مُعطلة بشقها السوري، بسبب الأحداث في سوريا”، مستدركاً حول العلاقة بين عقوبات قيصر وإطارات التعاون بين الأردن وسوريا: “لا أظن أنه سيكون هناك تساهل بضم سوريا، سواء للمحور الثلاثي أو المحور الرباعي”.