لا تزال تتوالى القصص والروايات حول أحداث الزلزال المدمر الذي وقع فجر السادس من فبراير الجاري، في جنوب تركيا وشمال غرب سوريا، ومنها في مركز ناحية جنديرس، بريف منطقة عفرين.
فبعد الشهادات الصادمة من جهة، ومقاطع الفيديو المصورة والأصوات المسجلة من جهة ثانية، والتي برهنت بالمجمل عمليات تمييز عنصري واجهت الضحايا الكُرد من سكان المنطقة الأصليين، خلال رفع الأنقاض أو دفن الضحايا أو توزيع المساعدات، تتواصل الشهادات التي تكشف المزيد من وقائع ما بعد الزلزال، والتي تُخفي المزيد من المآسي والقصص المُفجعة، حول تعامل مسلحي فصائل “الجيش الوطني السوري” الموالي لتركيا، مع ضحايا الزلزال، سواء المتوفين أم الناجين.
استغلال التركيبة الغربية لجنديرس
عقب تنفيذ تركيا عملية “غصن الزيتون” العام 2018، في منطقة عفرين الكُردية، والتي هُجر نتيجتها الغالبية العظمى من السكان الأصليين، مقابل توطين مئات الآلاف من المدنيين المُهجرين من أرياف دمشق وحمص وحماه وحلب ودير الزور وغيرها، باتت التركيبة السكانية في جنديرس كباقي مناطق عفرين، غريبة إلى حد بعيد، يجهل فيها كثير من الناس خلفيات السكان القاطنين في جوارهم، وهو ما سهل كما يبدو تبني مسلحين لعائلات فقدت أرواحها تحت الأنقاض، لتحقيق مكاسب مادية.
وفي الصدد، قال “سوزدار” وهو مواطن من سكان مدينة جنديرس في شهادته لـ”منصة تارجيت”: “تركيبة جنديرس السكانية تتشكل من القرى المجاورة، وفي بعض الحالات، لم يتمكن ذوو المنكوبين في جنديرس من الوصول إليهم حتى صبيحة يوم الزلزال، نتيجة انقطاع الاخبار والانترنت والاتصالات”.
تلك حالة سهلت مزاعم مسلحي المعارضة السورية، بعائدية العائلات المنكوبة لهم، حيث يسرد “سوزدار”: “تصور أن مسلحين من الفصائل مع علمهم بأن منزلاً ما من المنازل المنهارة، سكانه من الكُرد، كانوا يقومون بإخراج الضحايا من تحت الركام والمصاغ والذهب لا تزال على جثامين الضحايا من السيدات”.
مردفاً: “ليزعم أحد المسلحين أن هذه العائلة هي له، وأن هذا المنزل هو له، ويقوم على إثرها بأخذ جثامين الضحايا بسيارته والتوجه بها إلى عفرين، ولكن على الطريق، كان يجري تجريد السيدات الضحايا مما عليهن من ذهب ومصاغ، من أسوار وحلق وعقود، ثم يقوم المسلح بإيصال جثامين الضحايا إلى إحدى المشافي في عفرين، والادعاء بأنه أخرجهم من تحت الأنقاض”.
ليست حالات فردية
وحول أعداد الحالات المشابهة لهذه الحالة، أوضح “سوزدار” بأنه “لا يمكن القول بأن هذه كانت حالة فردية، حيث لم تنحصر في حالة ولا اثنتين ولا ثلاث ولا أربع” متابعاً: “وفي واحدة من الحالات، قام المسلح بوضع الجثامين أمام مقر الشرطة المدنية في عفرين، في حين كان اقربائهم قد وصلوا بعد إخراج الجثامين وأخذها، وتوجه ذوو الضحايا للبحث عنهم، ولدى إدراكهم بأن الجثامين قد أخرجت بالفعل، توجهوا للبحث عنها في المناطق المجاورة، فيما عملياً كان المسلحون قد أخرجوا ذويهم من تحت الأنقاض، وجردوهم من المصاغ والذهب، والقوا بهم أمام مقر الشرطة المدنية”.
ووفق الشاهد: “كان يجري أخذ جثامين الضحايا إلى المشافي أو الشرطة المدنية أو المقابر الجماعية، دون تحديد هوية الضحايا وأماكن إخراجهم منها، وعليه تكفل الدفاع المدني بدفن جماعي لجثامين الضحايا مجهولي الهوية، وهو ما أسفر عن اختلاط الجثامين مع بعضها (سكان أصليين وموطنيّن من خارج المنطقة)، ومنهم شاب من منطقة شيخ الحديد، دفن في المقابر الجماعية”.
وتأسف الشاهد كونه لم يتم توثيق جميع الضحايا بالصور قبل دفنهم في المقابر الجماعية، خاصة في اليوم الأول من الزلزال، حيث كل من جرى دفنه وقتها في المقابر الجماعية، كان من مجهولي الهوية بالمجمل، حيث كانت الأمطار غزيرة والأجواء شديدة البرودة، ولم يجري بالتالي تصوير الضحايا أو توثيق مواقع انتشالهم، وهي معلومات قد تساعد ذويهم في العثور عليهم مستقبلاً.
حالات مُشابهة في عفرين
ولا يبدو أن الأمر كان محصوراً في مركز مدينة جنديرس، التي طالها الضرر الأكبر من الزلزال، فحتى في مركز مدينة عفرين التي تضررت بشكل أقل، وشهدت انهيار عدد محدود من الأبنية، حصلت وقائع مشابهة.
إذ استفسرت “تارجيت” من مصادر مدنية حول حصول وقائع مشابهة، ويبدو أنها قد وقعت بالفعل، حيث قال “أبو ولات”، وهو مدني كردي من سكان المدينة الأصليين في حديث خاص لمنصة “تارجيت”: “في بناء يسمى مبنى الدرعوزي، واقع في عفرين القديمة قرب منزل آل نعوس، كان أحد قاطنيه المواطن الكردي جهاد كراد، المُحاسب في مشفى جيهان، والذي قضى في الزلزال مع ابنه، حيث حصلت واقعة مشابهة للوقائع في جنديرس”.
مستكملاً: “فبعد انهيار المبنى بفعل الزلزال، قام السكان بإخراج الضحايا من تحت الأنقاض، وكان أول من أخُرج جثمان سيدة هي زوجة أحد أبناء عائلة الدرعوزي، وكانت ترتدي مصاغاً في يدها، حيث قام أحد المسلحين بأخذها بزعم نقلها إلى المشفى، لكن الجثمان اختفى”.
لتكون المُفاجئة في الموقع الذي دفنت فيه السيدة بعد سرقة مصاغها، إذ ذكر “أبو ولات”: “بعد البحث عنها من قبل اقربائها بين الركام، لم يتمكنوا من العثور عليها، ليتبين لهم بأن جثمان السيدة غير موجود، وبعد نشر صور السيدة على مجموعات الواتساب بغية التعرف عليها، تبين بأنه قد جرى دفنها في مدينة قبتان الجبل شمال غرب حلب، حيث توجه ذوها إلى هناك وجلبوا جثمانها، لكن من دون مصاغ”.