نداءات الاستغاثة من الرجال والنساء، وأصوات نحيب الأطفال وأنقاض المباني المدمرة والمستشفيات المكتظة بالجثث، باتت تسمع كل دقيقة في آذان السوريين الذي عاشوا الكارثة وكانوا شاهدين على ما حدث عند الساعة الرابعة وسبعة عشر دقيقة فجر يوم الاثنين 6 فبراير /شباط الجاري، حين وقع الزلزال المدمر الذي ضرب الجنوب التركي وامتد إلى عدة محافظات سورية “على رأسها مناطق شمال غرب سوريا” وخطف معه آلاف الأشخاص بينهم نساء وأطفال، فضلاً عن تدمير أحياء سكنية بأكملها فوق رؤوس ساكنيها الذين انطفأت صرخاتهم في حناجرهم بعد قرابة الأسبوع من وقوع الزلزال الذي بلغت قوته 7.8 درجة.
شمال غرب سوريا أكثر المناطق تضرراً من الزلزال
بدأت أهوال الزلزال ونتائجه تتكشف في محافظة إدلب ومناطق ريف حلب الشمالي بعد أقل من ساعة على وقوعه، حيث بدأت حينها صرخات الاستغاثة تصدر من كل حدب وصوب “على الرغم من انقطاع شبه تام للانترنت في ذاك الوقت العصيب” ليتضح أن حجم الكارثة والأضرار البشرية والمادية أكبر بكثير من الامكانيات المتاحة لدى فرق الاسعاف ومؤسسة الدفاع المدني السوري العاملة في مناطق سيطرة الفصائل المعارضة وتفوق قدراتهم بأضعاف، لأن الدمار الذي خلفه الزلزال امتد على مساحات جغرافية واسعة وشمل تهدم آلاف المباني وأغلبها طابقية.
مُدن جنديرس والأتارب وسرمدا وحارم وسلقين الواقعات بريفي حلب وإدلب شمال غرب سوريا، كان لهم النصيب الأكبر من الزلزال المدمر الذي أخفى معالم هذه المدن بشكل لا يتخيله العقل ويصعب وصفه بتقارير مكتوبة أو مصورة، حيث قال مسؤول المكتب الإعلامي في الدفاع المدني السوري خلال تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن أكثر من ثلاثة آلاف شقة سكنية تدمرت بشكل كلي ونحو عشرة آلاف منزل وشقة أخرى بالإضافة إلى دور عبادة (وربما العدد يفوق ذلك بأضعاف مضاعفة لأن بعض القرى والبلدات تعرضت للزلزال ولم تحتاج لتدخل فرق البحث والإنقاذ) دُمرت بشكل جزئي نتيجة تصدعها من القصف الجوي والبري الكثيف الذي شهدته على مدار سنوات الحرب من قبل قوات النظام السوري وحليفته روسيا.
وعن أعداد القتلى والمصابين أوضح المسؤول أن حصيلة قتلى الزلزال الذين انتشلتهم فرقهم حتى تاريخ 11 فبراير الجاري، وصلت إلى 2200 قتيل وثلاثة آلاف جريح أصيبوا بكسور ورضوض وجروح جسدية متفاوتة الخطورة، لافتاً إلى أن أعداد الضحايا والمصابين قد تفوق ذلك لأن بعض المناطق لم تحتاج إلى تدخل مباشر لرجال البحث والإنقاذ، فضلاً عن استمرار عمليات البحث والانتشال في أغلب المناطق التي ضربها الزلزال.
وهذا ما أكدته وزارة الصحة في محافظة إدلب بعد الكشف عن أرقام الضحايا والمصابين لمنصة “تارجيت”، إذ أوضحت الوزارة أن 3160 شخصاً موثقين بينهم أطفال ونساء قتلوا في كارثة الزلزال “بينهم عاملين في المجال الطبي والإنساني والخدمي وطلاب مدارس وجامعات“، وأن أكثر من خمسة آلاف شخص آخرين أصيبوا بجروح متفاوتة، في وقت لا تزال فرق الإنقاذ تواصل البحث عن المفقودين تحت الأنقاض لليوم السابع على وقوع الزلزال.
مناطق سيطرة النظام أقل ضرراً
تأثرت عدة محافظات خاضعة لسيطرة “حكومة دمشق” كاللاذقية وحلب وحماة وطرطوس بكارثة الزلزال الذي حدث، فجر الإثنين الفائت، حيث قضى وأصيب مئات الأشخاص لحظة وقوعه فيما لا تزال فرق الإنقاذ هناك تعمل على انتشال الضحايا من تحت المباني المدمرة بمساندة ومساعدة فرق مختصة بالكوارث الزلزالية من عدة دول عربية وأخرى غير عربية، بحسب وسائل إعلامية مقربة من النظام السوري الذي ظهر رئيسه ضاحكاً خلال زيارته للمناطق المنكوبة في وقت يبكي السوريين دماً من هول المأساة التي يعيشونها.
ويتخوف السكان القاطنين في مدينة حلب شمالي سوريا من انهيارات كبيرة ومتتالية في الأبنية الطابقية التي تصدع قسم كبير منها جراء الزلزال، إذ رصدت كاميرات مراقبة انهيار العديد من المباني بعد ساعات طويلة من وقوع الزلزال جراء تصدعها من القصف خلال سنوات الثورة.
يذكر أن شبكة الرصد الزلزالي في سورية قد بينت أن زلزال فبراير/شباط هو الأقوى منذ عام 1995 حيث كان بقوة 7.7 وضرب فجر الاثنين منطقة لواء إسكندرون، وتلاه زلزال آخر بقوة 6.4 درجات في منطقة طوروس على الحدود السورية التركية. وبحسب تحديث وزارة الصحة في “حكومة دمشق” فقد وصلت حصيلة القتلى إلى 1408 و2341 مصاباً جراء الزلزال.
مناطق الادارة الذاتية
وفي مناطق شمال شرق سوريا فر معظم السكان إلى الشوارع والساحات العامة والحدائق إثر تدمير العديد من الأبنية السكنية، وخوفاً من سقوط منازلهم فوق رؤوسهم بعد تصدعها جراء الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وامتد بشكل عالي إلى سوريا، ووصل تأثيره إلى مناطق شمال وشرق سوريا التي تعاني أيضاً معظم الأبنية السكنية فيها من التصدع بسبب الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.
وكانت أعداد الضحايا والمصابين من الزلزال في تلك المنطقة بوتيرة أخف من المناطق السورية الأخرى، إذ قتل وأصيب حوالي 50 شخصاً وفق هيئة الصحة في الإدارة الذاتية.
ولكن معظم سكان حيي الشيخ مقصود والأشرفية ذوي الغالبية الكردية واللتان لا تزالان خاضعتين لحصار قوات النظام، فقد تأثرت مساكنهما الطابقية ولم تعد صالحة للسكن، وقصد أكثر من 3000 عائلة مخيمات مهجري عفرين في الشهباء، وهناك مئات العائلات التي بقيت بلا مأوى يفترشون الشوارع والسيارات وكذلك بعض الخيم التي أقيمت على عجل في حي الشيخ المقصود.
آلاف القتلى والمصابين من السوريين في زلزال تركيا
ترتفع حصيلة ضحايا الزلزال السوريين المقيمين في تركيا ساعة تلو الأخرى نتيجة تواجدهم بكثرة في الولايات الجنوبية التي نالت النصيب الأكبر منه بأعداد القتلى والدمار الذي حل في الأبراج السكنية والبنى التحتية، إذ وصل عدد الضحايا الذين وصلت جثثهم إلى مناطق شمال غرب سوريا عبر معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا إلى 1050 قتيل، عدا الذين دفنوا في المقابر التركية دون التعرف على هوياتهم أو مسقط رأسهم، فيما ما تزال أعداد كبيرة من جثامين الضحايا تتوافد على مدار الساعة وهذا ما ينذر بارتفاع الحصيلة إلى أعداد ضخمة، وفق ما أفادت به مصادر من وزارة الصحة بإدلب لـ “تارجيت”.
وفي يوم الزلزال السابع بدأت صرخات الاستغاثة تنطفىء في حناجر أصحابها العالقين تحت الأنقاض (حتى لحظة إعداد هذا التقرير المأساوي) في المناطق المنكوبة شمال غربي سوريا تحديداً، كما بدأت بصائص الأمل بالنجاة تتضاءل بعد أن استبدل الأنين المحموم تحت الحجارة الثقيلة والكثبان الاسمنتية، برائحة الموت والأجساد التي غادرت أرواحها إلى السماء تشكوا كل من خذلها وتركها تصارع بمفردها العذاب والألم لساعات طويلة في أجواء باردة وصلت درجة حرارتها إلى واحد واثنين وثلاثة تحت الصفر.