أحمد قطمة
لا يزال الجنوب السوري ورغم سيطرة النظام عليه، نظرياً منذ منتصف العام 2018، في حالة شد وجذب، نتيجة المصالحات القسرية التي فرضت على محافظة درعا، بجانب الحركات الاحتجاجية في محافظة السويداء، التي انتهجت خيار الانكفاء في الحرب السورية، ولم تنجر إلى الحرب الطائفية التي كان جل السوريين ضحايا لها.
فمن الصعب القول أن المصالحات التي عقدها النظام في الجنوب السوري، أتت أكلها، إذ لا تزال العمليات الانتقامية تنال من قوات النظام من جهة، أو من المعارضين السابقين الذين عقدوا المصالحات من الجهة الثانية، هذا عدى عن الخشية الأردنية والإسرائيلية من التمدد الإيراني في الجنوب السوري، واتصالات الطرفين مع الروس بغية وضع حد لذلك التمدد، بجانب عمليات تهريب المخدرات التي تتم على قدم وساق، ويُتهم النظام السوري برعايتها بشكل أو بآخر، من خلال شبكات تهريب يبدو أن للنظام علاقات معها.
إقليم الجنوب
وفي ظل تلك المعطيات المتقاطعة، ذكر تقرير في الثالث والعشرين من يناير الجاري، صادر عن “تجمع أحرار حوران” المتخصص في تغطية شؤون الجنوب السوري أن “مشروع الإقليم الإداري في الجنوب لم يعد مجرد فكرة، حيث يتم العمل عليه منذ ثلاثة أشهر، والتحركات الأخيرة في درعا قطعت شوطاً كبيراً على الأرض من خلال عمليات تطهير المنطقة من خلايا تنظيم “داعش” وعصابات السلاح والخطف والسلب والسرقة”.
وربط التقرير بين فكرة الإقليم الإداري في الجنوب السوري بزيارة وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد آل نهيان إلى دمشق قبل أسابيع عدة، وأشار إلى أن “التصريحات التي أعقبت الزيارة لم تخرج عن المتداول إعلامياً حول العلاقة الثنائية بين البلدين، ولكن في حقيقة الأمر فإنّ هناك اقتراحات لحلول جزئية للوضع السوري الحالي بخاصة بعد تعذر إيجاد حل وفق قرارات الأمم المتحدة وبخاصة القرار 2254”.
وأكد تقرير “تجمع أحرار حوران” أن رئيس النظام السوري “اشترط أن تجري هذه العملية وفق قانون الإدارة المحلية رقم 107، حيث ستكون هناك أقاليم عدة في سوريا يمكن أن يصل عددها إلى 7 أقاليم، وذلك كي لا يُتهم النظام بقبول منح الجنوب سلطة لا مركزية”.
نشاط مُعارض في السويداء
ولعل ما يؤكد أن النظام السوري لم يعد لديه الكثير من الخيارات للقبول أو الرفض أو المساواة، ويجبره على قبول اللامركزية كنظام حكم، كونه سيخرج من عاتقه مسؤولية التردي الذي يعيشه المواطن على شتى الصعد، حالة الانهيار الاقتصادي والتردي المعيشي وفقدان أبسط مقومات الحياة وعلى رأسها المحروقات ومادة الديزل الأساسية للسوريين كمصدر أول للتدفئة في فصل الشتاء.
إذ ترتفع أسعاره بشكل جنوني، لم يعد يكفي معها راتب موظف حكومي لشهر كامل، بأن يؤمن الدفء له ليوم واحد، وهو ما أثر بشكل سلبي على حركة المواصلات وشتى أشكال الحياة، وقد شهدت على أثره محافظة السويداء في الجنوب السوري، مظاهرات واعتصامات متتالية منذ ديسمبر العام الماضي.
وقد قالت شبكة أخبار “السويداء 24” إن محافظة السويداء “تعيش حراكاً شعبياً منذ العام الفائت، تنوعت مظاهره، في ظل انسداد آفاق الحلول السياسية والاقتصادية، وتدهور الظروف المعيشية، وسط استياء وغضب شعبي واسع من السياسات الأمنية والاقتصادية”، فيما تدرّج التعبير عن الغضب الشعبي “من مظاهرات سلمية وحركات منظّمة للتعبير عن الاحتجاج، في المدن والأرياف، إلى مظاهرة غاضبة اقتحمت مبنى المحافظة وأحرقته، وما سبقها من انتفاضة مسلحة ضد جماعات شكلتها المخابرات العسكرية وحاولت إذلال السكان”.
وعليه، فإن السويداء كما درعا، غير راضية بشكل واسع عن أداء حكومة دمشق، ولعل ذلك قد يدفعها لمساندة كبيرة لمشروع إقليم الجنوب، إن كان ذلك سيمنح أبناءها الحق في إدارة شؤونهم الحياتية، وفق نظام حكم لا مركزي، يضع المسؤولية على عاتق أبناء المحافظة، الذين يدركون حكماً المصاعب والإشكالات التي تعترضهم، وسيعملون بالتالي على حلها وفق ما هو متاح لهم.
إسرائيل تتحرك جنوباً
أما على الجانب الإسرائيلي، فقد باشرت آليات عسكرية إسرائيلية منذ أشهر بالعمل على إنشاء وتعبيد طريق داخل الأراضي السورية، بعمق يصل مداه الأدنى إلى قرابة 100 متر، بينما وصل في مناطق أخرى إلى كيلومتر واحد، وخلال تموز 2022، ذكرت صحيفة “يديعوت أحرنوت” العبرية، إنه بعد 48 عاماً من اتفاق وقف إطلاق النار في الجولان، يخوض الجيش الإسرائيلي معركة “صامتة ومتفجرة” ضد “حزب الله” وإيران لإعادة تشكيل الحدود مع سوريا، إذ يعمل على تنفيذ خطة تؤمّن الحدود، وتقوي الأنظمة الموجودة على طولها.
وقد عدّت الصحيفة أن الجيش الإسرائيلي مهتم باستغلال الفترة الانتقالية بعد “الحرب الأهلية” في سوريا، بغية محاولة بسط “السيادة الإسرائيلية بشكل كامل وملحوظ”، خاصة في عشرات الكيلومترات شرق السياج الحدودي، وأردفت أن الهدف النهائي لهذه الخطة، إعادة تحديد خط الحدود الدولي بعلامات كبيرة أو صف من البراميل البارزة، من أجل منع وجود إيران و”حزب الله” بالقرب من هذه المناطق، وعليه سينشر المزيد من وسائل المراقبة الإضافية في المنطقة، وبالتالي رفع مستوى العمليات الاستخباراتية هناك.
وبالتالي، فإن تحول النظام المركزي في سوريا، إلى نظام لا مركزي، سيمنع سطوة إيران وحزب الله اللبناني على جنوب سوريا، وهي نقطة اشتراك بين أهالي الجنوب السوري، وبين تل أبيب، إذ عانى السوريون خلال العقد الماضي من تجاوزات المليشيات الإيرانية الموالية للنظام، كما لا مصلحة لدرعا أو السويداء في تحولهم إلى “جنوب لبنان” جديد، يكون مسرحاً لمواجهات عسكرية مدمرة قد تحصل مستقبلاً، في حال أسست إيران وحزب الله قواعد لنفسها هناك.
الأردن والروس ليسا ببعيدين
فيما كشف تقرير روسي، في الخامس والعشرين من يناير الجاري، عن وجود تحركات روسية جديدة على حدود الأردن، بعد أشهر من التهديدات التي خلّفها تقليص التواجد الروسي على دول جوار سوريا، ونقلت وكالة سبوتنيك الروسية عن مصدر أمني سوري رفيع المستوى، لم تكشف اسمه، قوله إن “هناك إجراءات لوجستية جديدة سوف تشهدها الحدود (السورية الأردنية) خلال الأيام القليلة القادمة، تهدف إلى ضبط التهريب، وتقليص اختراق المجموعات المسلحة للشريط الحدودي بين البلدين”.
وتابع المصدر الأمني: أن “الحدود (السورية الأردنية)، وتحديداً جنوب مدينة درعا المقابل لبلدة “الرمثا” الأردنية، شهد يوم (الثلاثاء) جولة للشرطة العسكرية الروسية برفقة عدد من ضباط الأجهزة الأمنية السورية، ومسلحين سابقين من المعارضة”، وقال المصدر الأمني: “تم اتخاذ قرار بزيادة عدد المخافر الحدودية بين البلدين، بالإضافة إلى استمرار تسيير دوريات تابعة للشرطة العسكرية الروسية في المنطقة الممتدة بين ريفي السويداء ودرعا”.
لتكون الأردن بذلك ضمن قائمة المستفيدين من إقامة إقليم جنوب سوريا، كونه سيمنع إيران وحزب الله من التمدد، كما سيساهم في وقف تهريب المخدرات والممنوعات، التي يعاني منها الأردن كما أبناء الجنوب السوري أنفسهم، ويسعون إلى ضبطها وإيقافها، لكنهم يواجهون بعصابات وشبكات تهريب متكاملة، من الصعب التصدي لها دون تغيير شامل في بنية الحكم السورية.