“الميثاق الملي”.. مستشار أردوغان يدعو لاحتلال مدينة حلب السورية

بموازاة حديث محللين عن استحالة انسحاب تركيا من المناطق التي احتلتها على مدى السنوات الماضية بالشمال السوري، كأحد خطوات التطبيع مع حكومة دمشق، يتحدث مسؤولون أتراك عن ضرورة احتلال حلب ثاني أكبر مدينة سورية، من أجل إعادة ملايين اللاجئين السوريين المتواجدين في تركيا إليها، ما يؤكد صحة التقارير عن استمرار تمسك أنقرة بما يعرف بـ”الميثاق الملّي” القاضي بالسيطرة على مناطق بشمال العراق وسوريا على رأسها حلب والموصل.

ياسين أقطاي، مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قال في حديث لقناة تلفزيونية تركية، إن السيطرة على مدينة حلب يسهل إعادة ملايين اللاجئين السوريين إليها بشكل أسرع، وذلك لضمان عدم إعادتهم إلى مناطق سيطرة النظام السوري، ما يظهر بشكل جلي بحسب محليين عدم نية تركيا الانسحاب من الأراضي السورية التي تحتلها، والصعوبات التي تعترض تطبيق النقاط المتعلقة بأي اتفاق تطبيع بين أنقرة وحكومة دمشق، ليس أقلها إعادة اللاجئين وتسليم المناطق المحتلة لحكومة دمشق، حيث قال الرئيس السوري بشار الأسد، إن اللقاءات يجب أن تكون مبنية على إنهاء الاحتلال والوجود العسكري التركي داخل الأراضي السورية لكي تكون مثمرة.

عضو هيئة التفاوض السورية عن منصة القاهرة أحمد شبيب قال في تصريح لمنصة تارجيت: “إن وحدة سوريا أمر محسوم ويوجد حوله إجماع وطني كامل. وتصريح السيد أقطاي غير موفق ولا يخدم الاستقرار المنشود في بلدنا الذي ينعكس على دول جوار سوريا ويتعارض مع إرادة الشعب السوري التي عبرت عنها كل القوى السياسية والفواعل الوطنية السورية وقرارات مجلس الأمن الخاصة بالحالة السورية وأيضا كل بيانات مسار أستانا”.

شبيب أضاف في تصريحاته لمنصتنا أن “حلب وكل شبر من تراب سوريا سيكون تحت إدارة حكم رشيد سوري ديمقراطي غير طائفي وشامل، ونتمنى من جميع الدول الجارة والشقيقة والصديقة دعم ومساعدة الشعب السوري في تحقيق الانتقال السياسي الذي ينهي حالة الفوضى وعدم الاستقرار ويؤسس للبيئة الآمنة والمحايدة التي ستؤمّن العودة الطوعية والآمنة للاجئين السوريين، ويحقق استقرار سوريا مستقبلاَ ويكون فاعلاَ حقيقيا في تحقيق الأمن الإقليمي والانتصار على الإرهاب”.

معوقات تعترض طريق التطبيع بين تركيا وحكومة دمشق

ومن بين مؤشرات صعوبة المضي في طريق التطبيع عدم تحديد موعد حتى الآن للقاء وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو ونظيره السوري فيصل المقداد الذي قال بعد لقائه وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان في دمشق، إنه يتوجب على تركيا أن تنهي احتلالها للأراضي السورية من أجل المضي قدماً في إعادة العلاقات، وفي حين تحدثت وسائل إعلام تركية عن أن اللقاء لن يعقد قبل أسابيع، ذهبت مصادر إلى أنه لا يمكن توقع نتائج فورية منه كونه يناقش ملفات حساسة على رأسها “العودة الآمنة للاجئين” و”مكافحة الإرهاب”. وسط عدم اتفاق بين الطرفين بشأن المستهدف بهذا المصطلح، حيث أن “جبهة النصرة” التي تدعهما تركيا وتتعامل معها تصنفها حكومة دمشق وروسيا كمنظمة إرهابية.

الباحثة والسياسية السورية لمى الأتاسي، قالت في تصريحات لمنصة تارجيت: “إن تركيا التي بادرت بخطوات التطبيع مع النظام السوري، تفكر في مصالحها فقط على حساب السوريين، الذين يحاول العالم فرض سياسة الأمر الواقع عليهم عبر اتفاقات بين روسيا وتركيا بصمت عربي وغربي يعكس الموافقة على هذه الخطوات، حتى أن المظاهرات الرافضة للتطبيع والتي تصف قادة المعارضة بـ”الخونة” لا تنشر على وسائل الإعلام العالمية، وهؤلاء القادة بدورهم يواجهون سخطاً شعبياً في الشمال السوري، حيث هاجم محتجون غاضبون على خطوات التطبيع، رئيس “الائتلاف السوري” سالم المسلط ونعتوه بـ”الشبيح” نظراً لتماهي مواقفه مع تركيا بشأن التطبيع مع حكومة دمشق، كما أغلقوا مقر “الائتلاف والحكومة المؤقتة” في مدينة إعزاز”.

انقسامات تركية وجوائز ترضية اقليمية في ملف التطبيع مع دمشق

كما ظهرت بوادر انقسام داخلي في تركيا بشأن التقارب والتطبيع مع حكومة دمشق، انعكست في وسائل الإعلام، حيث تبدي الموالية منها للحزب الحاكم، تردداً في دعم التطبيع مع دمشق، وتتبنى فرضية استباقية لتحميل الأخيرة أي فشل لجهود التقارب، فيما تطرح وسائل إعلام المعارضة التركية، أن أردوغان يحاول استغلال خطوات التطبيع مع حكومة دمشق إعلامياً من أجل تعزيز حظوظه في الانتخابات المقررة في حزيران/ يونيو القادم، مبديةً استغرابها من الاستدارة الكبيرة لحزب العدالة والتنمية ورئيسه أردوغان نحو دمشق والرئيس السوري بشار الأسد بعد سنوات القطيعة والهجوم الإعلامي عليه ووصفه بـ” الدكتاتور والقاتل”.

إيران التي يستعد رئيسها إبراهيم رئيسي لإجراء زيارة إلى كل من دمشق وأنقرة خلال الفترة القادمة، وبعد صمت بشأن خطوات التطبيع بين حكومة دمشق وتركيا، أعلن وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان ترحيبها بالخطوة، في موقف يثير تساؤلات ومخاوف بشأن صفقات وجوائز ترضية بين اللاعبين في الملف السوري لاسيما روسيا وتركيا وإيران كتلك التي تمت في أوقات مختلفة من عمر الأزمة ودفع السوريون ثمنها، وذلك بعد إظهار وسائل إعلام مقربة من الحكومة الإيرانية معارضة للتطبيع ووصف الرئيس السوري بشار الأسد بـ”الخائن”، على اعتبار أن تركيا كانت ولا تزال أكبر الداعمين للفصائل المسلحة التي تقاتل قوات حكومة دمشق لاسيما في الشمال السوري، كما تتهم بتنفيذ عمليات تهجير قسري للسكان لإحداث تغيير ديمغرافي في المنطقة يخدم أجنداتها التوسعية.

إذاً، هي ضبابية تلف مستقبل خطوات التطبيع بين تركيا وحكومة دمشق، سواءً من حيث إمكانية المضي بها قدماً أو تنفيذها على أرض الواقع في ظل الصعوبات التي تعترضها، وأخرى تتعلق بطبيعة عقلية السلطات الحاكمة في كل من دمشق وأنقرة من حيث ما يقول مراقبون إنه رفض حكومة دمشق لأي حل سياسي حقيقي وتمسكها بإعادة البلاد إلى ما قبل عام ألفين وأحد عشر، والنوايا الاحتلالية والتوسعية لتركيا في المنطقة ممثلة بما يعرف بـ”الميثاق الملي” الذي أقر بعد مناقشات سرية أعد في عام ألف وتسعمئة وعشرين، بإشراف من الرئيس التركي آنذاك مصطفى كمال أتاتورك، ويوضح حدود تركيا متضمنة مناطق واسعة من سوريا والعراق أبرزها حلب والموصل، وأكدت تصريحات مستشار أردوغان الأخيرة بشأن احتلال مدينة حلب السورية استمرار التمسك به.

قد يعجبك ايضا