لقاء موسكو الثلاثي.. خطوة على طريق التطبيع بين حكومة دمشق وتركيا

على أنقاض سوريا مدمرة بشكلٍ شبهِ كامل، وعلى وقع معاناةٍ إنسانية وأزمةٍ اقتصادية ومعيشية معمّقة لملايين السوريين، خلفتها أكثر من عشر سنوات من الحرب التي أتت على معظم مقدرات البلاد، يجتمع مسؤولون بارزون من تركيا وحكومة دمشق برعاية روسية في موسكو للمرة الأولى منذ أكثرَ من أحدَ عشرَ عاماً.

وزيرا الدفاع السوري علي محمود عباس والتركي خلوصي آكار، ورئيسا استخبارات البلدين اجتمعوا الأربعاء الماضي في العاصمة الروسية موسكو بحضور وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، وبحثوا تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق وآليات إعادة مسار العلاقات إلى ما قبل ألفين وأحد عشر، في لقاءٍ وصفته حكومة دمشق بــ”الإيجابي” وقالت تركيا إنه مقدمة للقاءاتٍ على أعلى المستويات لتسوية الملفات الخلافية.

الاجتماع الذي سبقته تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أكد فيها استعداد بلاده لإعادة تطبيع العلاقات مع حكومة دمشق، وبهذا الصدد قال الباحث في العلاقات الدولية محمود أبو حوش في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن الهدف الأساسي من اللقاء بالنسبة للأطراف الثلاثة روسيا وتركيا وحكومة دمشق، هو محاصرة قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرق البلاد، وضرب الإدارة الذاتية هناك، حيث أن أنقرة تدّعي أن وجود هذه القوات على حدودها الجنوبية يهدد أمنها القومي، إلى جانب محاولتها التخلص من عبء اللاجئين السوريين وإعادتهم إلى بلادهم، في إطار ما يسميها الطرفان السوري والتركي “العودة الآمنة” للاجئين، والذين أعلنت تركيا بشكل رسمي البدء بعمليات إعادة نحو مليون منهم بموجب خطة أعلن عنها أردوغان.

أما حكومة دمشق فتهدف من وراء ذلك بحسب الباحث محمود أبو حوش، لإعادة بسط سيطرتها على كامل التراب السوري لا سيما مناطق شمال شرق البلاد، الغنية بالنفط والغاز في محاولة لترميم اقتصادها المنهار وتعويض شح المحروقات في مناطقها وبالتالي معالجة الأزمة المعيشية المتفاقمة هناك خاصة خلال الأشهر الأخيرة، إلى جانب الاستفادة من الخطوة في إعادة تعويم نفسها والتموضع الدبلوماسي والسياسي في المنطقة، حيث تعتبر دمشق أن أبرز مكسب تحققه هو تطبيع علاقاتها مع المحيط الإقليمي بعد أكثر من عشر سنوات من العلاقات المضطربة والعزلة السياسية.

في حين تهدف روسيا من وراء اللقاء وتطبيع العلاقات بين تركيا وحكومة دمشق توجيه ضربة للولايات المتحدة الداعم الأساسي لقوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية، وبالتالي محاولة تحجيم الدور الأمريكي في الداخل السوري، الذي يصرح المسؤولون الروس بشكل متكرر أنه “غير شرعي” ويطالبون بخروج القوات الأمريكية من الأراضي السورية.

هذا الاجتماع الثلاثي، هو تحت مجهر الإدارة الأمريكية التي تراقب عن كثب مجرياته وتطوراته بحسب أبو حوش، وعليه فإن أي خطوة متقدمة من الأطراف الثلاثة في هذا المجال ستكون مرهونة بردة الفعل الأمريكية أو الانتظار لحين تكشّف موقف واشنطن حيال هكذا لقاءات، وهي التي تعارض أي تطبيعٍ مع الرئيس السوري بشار الأسد دون الانخراط في مفاوضاتٍ سياسية حقيقية تقود إلى حلٍّ نهائي للأزمة التي تعانيها سوريا.

وعقب اتصالٍ هاتفيٍّ مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يوم السبت الماضي، قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في تصريحاتٍ صحفية، إنه سيعقد لقاءً مع وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في النصف الثاني من الشهر الجاري، بحضور لافروف، دون أن يحدد مكان اللقاء، الأمر الذي اعتبره مراقبون كمقدمةٍ للقاء بين الرئيس التركي رجب أردوغان والرئيس السوري بشار الأسد، وهو أمر يقول مراقبون إن أنقرة تسعى إليه قبل الانتخابات التركية في حزيران/ يونيو المقبل، في محاولة لإحداث اختراق في ملف إعادة اللاجئين السوريين ونزع تلك الورقة من يد المعارضة التركية التي تستخدمها للضغط على حزب العدالة والتنمية الحاكم في ظل تنامي تصاعد الرفض للسوريين بين الأتراك.

هذه التطورات، قوبلت برفض كبير من السوريين لا سيما في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة والتي لطالما قدمت أنقرة الدعم لها في الشمال والشمال الغربي، حيث خرج عشرات الآلاف في تظاهرات عارمة مؤكدين رفضهم لأي تطبيع مع حكومة دمشق التي يقولون إنها مسؤولة عن جميع المآسي التي يعانيها الشعب السوري، وسط حالة من التوجس والخوف بشأن مصيرهم في حال ذهبت تركيا بعيداً في العلاقات مع دمشق، وهي التي أعلن وزير خارجيتها جاويش أوغلو بعيد اللقاء الثلاثي استعداد بلاده إعادة المناطق التي تحتلها في الشمال السوري إلى سيطرة حكومة دمشق في حال “تحقيق الاستقرار السياسي”.

من جانبها نددت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا باللقاء التطبيعي الرسمي بين مسؤولين أتراك وسوريين في موسكو، واعتبر الرئيس المشترك لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية بدران جيا كرد، أن هذه اللقاءات محاولات لترسيخ أقدام أردوغان وحزبه في السلطة عشية الانتخابات المقبلة، وقال إن أردوغان سيستخدم كافة أوراقه للبقاء في السلطة، ما يؤدي لاستمرار سياساته المعادية، المتمثلة بالقتل والتدمير والإبادة للكرد وشعوب المنطقة، مشيراً إلى أن هذه اللقاءات ستتطور لمرحلة جديدة من الصفقات والخطط المعادية لمصالح السوريين بكافة مكوناتهم، وضرب مكتسباتهم بإحياء اتفاقية أضنة التي كانت مجحفة وجائرة بحق مكونات المنطقة حسب وصفه.

يذكر، أن العلاقات بين تركيا وحكومة دمشق، شهدت قطيعة منذ اندلاع الأزمة السورية عام ألفين وأحد عشر، حيث اتهمت دمشق أنقرة بدعم من تسميها بالفصائل المسلحة لمحاربة الدولة السورية، كما أن تركيا احتلت عدّة مناطق في الشمال السوري، بعد عمليات عسكرية بدأتها عام ألفين وستة عشر في مدينتي جرابلس والباب شمالي حلب، وصولاً إلى عملية “غصن الزيتون” في عفرين ألفين وثمانية عشر، وانتهاءً بعملية “نبع السلام” في مدينتي رأس العين وتل أبيض شمال شرقي البلاد في تشرين الأول/ أكتوبر ألفين وتسعة عشر.

قد يعجبك ايضا