ووجهت رواية السلطات الأمنية الفرنسية التي ربطت هذا العمل الإرهابي في المركز الثقافي الكردي في باريس بدوافع عنصرية نابعة عن تصرف فردي لشخص يميني متطرف، بغضب عارم بين الجالية الكردية في فرنسا لا سيما وأن كل الدلائل والمؤشرات توحي بوقوف الاستخبارات التركية وراء هذه المذبحة، والكثير من النشطاء والمحللين يؤكدون بأنها عملية سياسية موجهة تندرج في سياق إبادة الشعب الكردي ويوجهون أصابع الاتهام إلى الدولة التركية ووقوف استخباراتها وراء ذلك، سيما وأن لها سوابق إجرامية مشابهة لهذه العملية الإرهابية ويسوقون العمل الإرهابي الذي اغتيل فيه ثلاث ناشطات كرديات في 2013 وفي نفس المكان وهن (ساكينة جانسز وفيدان دوغان وليلى شايلمز)، في حين لا يزال نظام حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا مستمر بحملته العنصرية ضد الكرد أينما وجدوا.
وقبل ارتكاب مجزرة باريس الثانية بيومين، طالب رئيس دائرة الاتصالات في الرئاسة التركية فخرالدين ألطون، فرنسا بإنهاء جميع أنشطة الكرد على أراضيها، مشيراً إلى عدم تلبية باريس لمطلبها هذا كونها حليفة لها في الناتو يضر بالعلاقات بين البلدين.
هجوم إرهابي بدوافع إرهابية
هذا وأقدم رجل ستيني على ارتكاب جريمة شنعاء بحق نشطاء كرد في العاصمة الفرنسية باريس، خلال هجوم مسلح على المركز الثقافي الكردي “أحمد كايا”، وبعدها مهاجمة مطعم ومحل حلاقة، أفضى إلى سقوط ثلاثة ضحايا وإصابة ثلاثة آخرين جروح أحدهما بليغة جداً، في حادثة مرعبة أعادت إلى الذاكرة مجزرة باريس التي جرت في الـ 9 من شهر كانون الثاني/يناير من 2013، والتي طالت ثلاثة ناشطات كرديات، ما دفع العديد من النشطاء والقوى الكردية بتعريف هذا العمل الاجرامي بمجزرة باريس الثانية، سيما وأن الضحايا هم من اللاجئين السياسيين الفارين من الدولة التركية.
لاق هذا العمل الإرهابي بحق الجالية الكردية في باريس، إدانة دولية واسعة، وعبر العديد من المسؤولين حول العالم عن حزنهم وتضامنهم مع الكرد وعائلات الضحايا، في مقدمتهم وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن والمستشار الألماني أولاف شولتز، فيما وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هذا الهجوم الذي استهدف الكرد بـ “البغيض”، بينما أشارت عمدة مدينة باريس، آن هيدالغو، إلى أن استهداف المجتمع الكردي هو استهداف لجميع الباريسيين، وكتبت في تغريدة لها: “يجب أن يتمكن الكرد، أينما كانوا، من العيش في سلام وأمن. أكثر من أي وقت مضى، و أن باريس إلى جانبهم في هذه الساعات المظلمة”
غضب كردي ودعوات لتحقيق شفاف
هز هذا العمل الإرهابي وجدان الشعب الكردي الذي تدفق إلى شوارع باريس في تجمعات غاضبة مع بعض نشطاء اليسار الفرنسي مطالبة السلطات القضائية بالكشف عن الجهة التي تقف وراء هذا الهجوم الدموي ومحاسبتهم، بعد أن تم إلقاء القبض على الفاعل المعروف باسم “وليام م” والذي يبلغ من العمر 69 عاماً.
كما وأدانت دائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا هذه الجريمة، وطالبت الحكومة الفرنسية بالعمل على وجه السرعة لتوضيح هذه العملية الإرهابية، وقالت على لسان رئيسها المشترك بدران جيا كرد: إن “الاعتداء على مقر الجمعية الثقافية الكردية هو عمل إرهابي ذو خلفية سياسية هدفه المباشر هو استهداف الكرد ويتناغم مع سياسة الابادة ضد الشعب الكردي”.
وبعد هذا العمل الإرهابي، تجمع الآلاف من الجالية الكردية وأصدقائهم من الشعب الفرنسي في ساحة الجمهورية بمدينة باريس، حيث كان من المقرر تنفيذ مسيرة باتجاه جمعية “أحمد كايا” الثقافية مكان الحادث، للمطالبة بتحقيق شفاف والكشف عن الجهة التي تقف وراء هذه الجريمة، معبرين عن غضبهم من الرواية الرسمية للسلطات الفرنسية.
وأفاد الناشط السياسي كادار بيري مدير مؤسسة كرد بلا حدود لمنصة تارجيت الإعلامية، أن عشرات الآلاف من الكرد والفرنسيين تجمعوا في ساحة الجمهورية، حيث كان هناك مسيرة مقررة باتجاه مركز أحمد كايا الثقافي، إلا أن دخول بعض الأطراف غير المنضبطة من الفرنسيين على خط المسيرة وانجرار بعض الشبان الكرد معهم، أدى بالقائمين على هذا النشاط بإنهائها بوقت مبكر حتى لا يكون هناك تصعيداً واستغلالاً لهذا التجمع الذي طالب بتحقيق شفاف حول مجزرة باريس الثانية.
وتابع بيري في حديثه معلقاً على تطورات الحدث، أن السلطات القضائية الفرنسية حولت يوم السبت 24/12/2022 المجرم الجاني إلى مشفى الأمراض العقلية للتأكد من صحته العقلية، حيث لا يمكن بحسب الادعاء الفرنسي التحقيق معه الآن، لأنه غير متوازن ومختل عقلياً، وهذا ما أثار نقاط وعلامات استفهام كثيرة، ومن ناحية أخرى أن السلطات القضائية الفرنسية أقرت بأن ما حصل هو جريمة عنصرية وليس عمل إرهابي وهذا أيضاً يثير علامات استفهام.
عمل إرهابي بأدوات متطرفة
وأوضح الناشط السياسي الكردي كادار بيري لمنصة تارجيت، أن “تصريح وزير الداخلية الفرنسي، جيرالد دارمانان مناقض لما صرح به رئيس البلاد إيمانويل ماكرون، الذي أشار في تغريدته إلى أن الجالية الكردية والكرد هم المستهدفون بهذا العمل الإرهابي، وأيضا يتناقض مع تصريحات رئيس بلدية باريس الكبرى، آن هيدالغو، التي أكدت بأن الكرد بشكل خاص وأبناء مدينة باريس مستهدفون”.
تصريح جيرالد دارمانان مناقض لما صرح به الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي أشار في تغريدته إلى أن الجالية الكردية والكرد هم المستهدفون بهذا العمل الارهابي.
كادار بيري
وكان دارمانان قال في تصريحه: أن “منفذ الهجوم لم يستهدف الكرد على وجه التحديد بل عمله هذا استهداف للأجانب، لافتاً إلى أن دوافعه عنصرية وتصرف بمفرده”.
بيري في حديثه عما إذا كانت هذه العملية بدافع عنصري أم إرهابي، أكد أنه يجمع الاثنين معاً وقال: “هذا الشخص فرنسي عنصري له سابقتين حيث اعتدى على مخيم للاجئين في باريس، في تلك المرة كان يحمل سكيناً أو شيئاً ما يشبه السكين واعتقل وقتذاك لمدة عام، وهذه المرة وبعد عشرة أيام من خروجه من السجن هذا الخروج المشروط، الذي يمنع عليه حمل أي سلاح، وهنا تبرز تساؤلات كثيرة فاذا كان هذا العمل بفعل عنصري كيف تمكن هذا المجرم خلال عشرة أيام بعد خروجه من السجن بالحصول على سلاح ناري والتخطيط لاستهداف المركز الكردي بالذات الذي يقع في شوارع فرعية، وتابع بيري مشككاً برواية السلطات الأمنية الفرنسية “إن كان هذا الهجوم عنصري كان باستطاعة هذا المجرم أن يفرغ شحناته العنصرية في أي مكان آخر، لماذا هذا المركز الثقافي الذي شهد سابقاً عملاً إرهابيا، وكل هذا يؤكد بأن هذا العمل إرهابي سياسي موجه”، واستدرك قائلاً: “صحيح هو عنصري ولكن تتطابق عليه صفات الإرهابي الموجه والمنظم ضد طرف وجهة معينة بذاتها، وهذا السؤال برسم الإجابة من قبل السلطات الفرنسية من خلال التحقيقات مع هذا الإرهابي، لأنه لا يمكن لشخص مختل عقلياً كما يدعون، أن يتحرك ويخطط ويقتني سلاح ناري وينفذ جريمته، خاصة وهو يبلغ من العمر 69 عاماً”.
تركيا تقف وراء مجزرة باريس الثانية
وتعليقاً على هذا الأمر، تساءل الناشط السياسي الكردي كادار بيري حول الدوافع الحقيقة وراء هذا العمل الارهابي ومن المستفيد منه ومن المتضرر، وقال: إن “الدولة التركية هي المستفيدة الوحيدة من ذلك، لأن تركيا هي من تحارب الكرد، أما المتضررون فهم الكرد والشعب الفرنسي والحكومة الفرنسية والعلاقات الكردية الفرنسية والتي تساند الكرد في قضاياهم العادلة هي المتضررة أيضاً في هذا الموضوع”.
وفي هذا السياق كتب شيار خليل مدير صحيفة ليفانت والذي كان في مكان الحدث، على صفحته الشخصية قائلاً: “بحسب شخصيات كردية تابعة للمركز الثقافي الكردي كانت متواجدة في مكان الحدث، أن من استهدف هم قيادات اجتماعية وسياسية بجانب عازف بزق كردي، وأن العملية كانت مدبرة بكل تأكيد، وأن من قام بالهجوم جاء بسيارة وأوصله أحدهم لأمام المركز، ليقوم بالهجوم على من يتواجد هناك، ثم يتجه لمكتبة كردية مجاورة أيضاً ويطلق النار، وبعدها توجه إلى مكان للحلاقة أيضاً وأطلق النار هناك”.
وأضاف “هذه الشخصيات التي التقيت بها، (وعلى ذمتهم) قالوا أن من نفذ العملية فرنسي ذو أصول تركية، لكن وزير الداخلية الفرنسي لم يذكر غير أنه فرنسي متطرف”.
واختتم خليل بالقول:
وبكل تأكيد لا يستبعد بأن يكون أردوغان والمخابرات التركية من نفذت العملية كما قال بعضهم هناك.
هل ستكشف باريس عن حقيقة المجزرة؟
ولا يزال الكرد يستذكرون “مجزرة باريس الأولى” التي وقعت في التاسع من يناير/كانون الثاني في كل عام، ويطالبون فرنسا بالكشف عن حقيقة هذه المجزرة التي استهدفت ثلاثة ناشطات كرديات في عام 2013، واللاتي كنَ ملاحقات من قبل السلطات التركية.
وأوعز الناشط الكردي كادار بيري عدم كشف فرنسا عن حقائق مجزرة باريس الأولى إلى احتمال وجود اتفاقات استخباراتية بين جهاز الاستخبارات الفرنسية ونظيره التركي، وقال: كنا نحضَر لنشاط في اليوم السابع من الشهر القادم للتنديد بالسلطات الفرنسية ومطالبتها بإظهار الحقيقة حول هذه المجزرة، ولكن الآن باتت هناك مجزرتين، ومازلنا نطالب بالشفافية من الدولة الفرنسية وأيضاح الحقائق للشعب الفرنسي أولاً وللجالية الكردية ثانياً”.