مئات أو ربما آلاف السوريين المعتقلين في سجون الإدارة الذاتية ممن “ثبتت إدانتهم إما بالقتال إلى جانب “داعش”، أو التخابر معه”، يترقبون مصيرهم، بعد أن بدأت الإدارة الذاتية مطلع أكتوبر تشرين الأول 2019، بأولى المحاكمات التي شملت 6 آلاف من العناصر السوريين المتهمين بالانتماء لـ “داعش”، كانوا قد أُسِروا على يد قوات سوريا الديمقراطية خلال معاركها في مناطق متفرّقة شرقي وشمال شرقي البلاد.
إلا أن تلك المحاكمات توقّفت بعد نحو عشرة أيام مع بدء الهجوم التركي بمشاركة ما يسمى بـ “الجيش الوطني السوري” الموالي لأنقرة، على مدينتي رأس العين وتل أبيض، ضمن عمليةٍ عسكرية أطلقت عليها تركيا اسم “نبع السلام”.
لكن الإدارة الذاتية عادت وحاكمت أكثر من 10 آلاف آخرين في محكمة إرهاب خاصة عام 2020، وفق قوانين لا تتضمن أحكاماً بالإعدام.
ويحاكَم عناصر التنظيم المحليون حاملو الجنسية السورية في محكمتين ضمن مناطق الإدارة الذاتية، إحداهما في مدينة قامشلي، والثانية في كوباني، وتسميان “محكمة الدفاع عن الشعب”، مرتبطتين بشكلٍ مباشر بمجلس العدالة لشمال وشرق سوريا.
ومع بداية نوفمبر تشرين الثاني 2021، صادق المجلس العام في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، على توحيد قانون محاكمة سوريين متهمين بقضايا الإرهاب، يتألف من عشرين مادة. ويحدد الحد الأدنى للعقوبة من 3 أعوام إلى 15 عاماً، أما جرائم القتل، فتُشدَّد إلى الحكم المؤبد مدة 25 عاماً.
عناصر أجانب دون محاكمة
تحتجز قسد في سجونها، من دون محاكمة، أكثر من 15 ألفاً من عناصر “داعش”، يتحدّرون من دولٍ أجنبية متعددة، ويُعتقد أن كل هؤلاء يُشكّلون قنبلةً منزوعة الأمان، هذه القنبلة قد تكون ذريعة أقوى للتنظيم لدعم نشاطه الدعائي وتجنيد إرهابيين جدد، وتشجيع خلاياه النائمة على تنفيذ هجماتٍ مباغتة، كما حدث خلال الهجوم على سجن غويران بالحسكة يناير كانون الثاني 2022، ومن الممكن أن تساعده تلك العمليات مستقبلاً في إعادة بناء هيكله المنهار منذ خسارته آخر معاقله في معارك بلدة الباغوز بريف دير الزور مارس آذار 2019.
وفي أكثر من مناسبة، طالبت الإدارة الذاتية بإنشاء محاكم خاصة، لمحاكمة هؤلاء، وإعادة كل منهم إلى موطنه، إلا أن المجتمع الدولي بقي صامتاً من دون أي تحرّك.
قبل ذلك، وتحديداً في يونيو حزيران 2019، قال المستشار الأميركي ضمن قوات التحالف الدولي، وليام روبك، إنهم يناقشون مع شركائهم مسألة “إنشاء محكمة دولية لمحاكمة معتقلي تنظيم “داعش” المحتجزين لدى قوات سوريا الديمقراطية”.
مضى على تصريح روبك، أكثر من ثلاثة أعوام، ولمّا يزل الأمر على حاله، في ظل ازدياد الضغوط الأمنية على قوات سوريا الديمقراطية وسعيها لحماية سجونها التي توصف بأنها أكثر السجون خطورة في العالم.
تلويح بالحلول
في الثالث من أكتوبر تشرين أول 2022، قال المتحدّث الرسمي باسم دائرة العلاقات الخارجية للإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، كمال عاكف: “إننا بصدد إجراء محاكمات لبعض عناصر “داعش” المعتقلين في سجون الإدارة”، من دون تحديد موعد بدء تلك المحاكمات أو جنسية المحاكَمين.
تصريحات عاكف، تأتي بينما أكّد مسؤول المكتب الإعلامي في قوات سوريا الديمقراطية، فرهاد شامي، في تعليقٍ صحفي سابق لموقع الحرة الأميركي، أن الإصرار على إنشاء محكمة دولية مستقلة “ينبع من حرصنا على ضمان محاسبة عادلة للعناصر المتورطة في الأعمال الإرهابية وتعزيز الحماية للضحايا، وتعزيز الصلح الأهلي عبر مساءلة حقيقية للمجرمين”.
مقابل ذلك، شدّد شامي على “ضرورة توفير الحماية الدولية لمناطق شمال وشرق سوريا، لإنشاء محكمة دولية والمساعدة في توفير غطاء قانوني داخل المنطقة، وتأمين المتطلبات التقنية والمادية لإنشاء المحاكم وتدريب القضاة المحليين والدوليين ومراقبة الجلسات، وحماية الأدلة والضحايا”.
وقال: “اقترحنا إنشاء محكمة دولية مستقلة على أراضينا حيث ارتكب هؤلاء العناصر جرائمهم هنا، وعلى الرغم من تمكننا من إقناع كثير من الأطراف وحثهم على دعم هذا المقترح، إلا أنه ليس هناك اتفاق نهائي بهذا الخصوص إلى الآن”.
لقاءاتٌ متتالية أجرتها الإدارة الذاتية مع وفودٍ أجنبية زارت المنطقة على فتراتٍ متقطّعة، وناقشت خلالها قضية عناصر “داعش” الأجانب وإمكانية تسليمهم لدولهم لمحاكمتهم على أراضيهم، لكن لم يتخذ المجتمع الدولي أية خطوة إيجابية، ليبقى الملف مغلقاً حتى الآن، مع تلويح الإدارة الذاتية بين حينٍ وآخر بالبدء بإجراء محاكمتهم على أراضيها.