أكد وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، أن المشروع الاستيطاني الذي أعلن عنه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال الاجتماع في دورتها الـ 77، يعتبر مخالفة للشرعية الدولية وجريمة حرب، موضحاً أن حكومة بلاده مستعدة لإعادة كافة مواطنيها اللاجئين إلى أراضيهم الأصلية، فقط على تركيا الانسحاب من البلاد ووقف دعمها للمسلحين والإرهابيين، كما وجه خطابه إلى المعارضة في الائتلاف السوري التابع لأنقرة بأن حضن الوطن مفتوح لهم وبإمكانهم تسوية أوضاعهم الأمنية كما حدث من قبل في الغوطة ودرعا وغيرها من المناطق السورية.
دمشق ترحب بالعلاقات مع انقرة بشروط
وقال المقداد في لقاء مع وكالة روسيا اليوم برنامج “نيوز ميكر” في الـ 24 من الشهر الجاري إن بلاده ومنذ انهيار الإمبراطورية العثمانية كانت تسعى دائماً إلى إقامة علاقات مميزة مع تركيا، مشيراً أنه منذ عام 2000 وحتى عام 2010، كانت العلاقات ممتازة ومن أجل تعزيز هذه العلاقات نحن في سوريا قمنا باتخاذ إجراءات في بعض الأحيان لا تنسجم مع مصلحة شعبنا، لكننا ضحّينا بوضعنا الاقتصادي ومؤسساتنا من أجل تعزيز العلاقات مع جيراننا الاتراك”، منوهاً إلى أن المشاكل بدأت بين الطرفين عندما تدخلت تركيا بالشؤون السورية ودعمت المسلحين والإرهابيين في شن هجمات على البلاد عبر أراضيها قتلت ودمرت وهجرت الناس، حتى أنهم بنوا الخيم قبل بدء الحرب على سوريا متوقعين أن هذا الوضع سيستمر لبضعة أسابيع.
وتابع الوزير السوري، أن الانسحاب التركي من الأراضي السوري ووقف دعمها للمسلحين ليست اشتراطات بل أمر طبيعي في العمل السياسي، مؤكداً استعداد حكومة بلاده بإقامة علاقات طيبة وطبيعية مع أنقرة لكن ليس على حساب الأرض والدماء السورية وقطع المياه عن المواطنين وقصفهم وقتلهم في شمال البلاد، مستدركاً أن الوضع في إدلب من ضمن هذا الأمر ولن يتم التطبيع مع الجانب التركي بدون ذلك.
حكومة دمشق ترفض مشروع أردوغان الاستيطاني
حول ملف اللاجئين السوريين على الأراضي التركية والمعارضة التابعة لأنقرة أوضح المقداد، أن ما أعلن عنه أردوغان أمام الجمعية العامة في الأمم المتحدة مخالف للشرعة الدولية وجريمة حرب، فهو يبني مستوطنات على الأراضي السورية لإسكان مواطنين على حساب السكان الأصليين الذين تم تهجيرهم.
وكان الرئيس التركي في كلمته أمام الأمم المتحدة حول الملف السوري قال أن بلاده بنت 100 ألف منزل من الطوب في مناطق مختلفة بسوريا وهي بصدد الاستعداد لإنشاء 200 ألف منزل آخر في 13 موقعاً بهدف إعادة أكثر من مليون لاجئ سوري وتوطينهم فيها، داعياً المجتمع الدولي تقديم الدعم اللازم لحكومته في هذا الإطار.
وفي هذا السياق، أشار الوزير السوري أن حكومة بلاده مستعدة لإعادة كافة اللاجئين السوريين إلى أراضيهم الأصلية، وذلك ليس لأن هذا الأمر مشروط عليها، بل لأنهم مواطنون سوريون، وما على تركيا إلا الانسحاب الكامل من أراضيها ووقف دعمها للمسلحين والإرهابيين، كما توجه بخطابه إلى الائتلاف السوري التابع لأنقرة أنه يجب عليهم أن يدركوا بأن المعارضة قد سقطت ويمكن لهم العودة إلى حضن الوطن بعد تسوية أوضاعهم على غرار ما جرى من قبل في درعا والغوطة وغيرها من المناطق السورية، وفي ظل محاولات أنقرة بالتقارب مع دمشق واستمرار المفاوضات الأمنية والعسكرية بين الجانبين لتهيئة المناخ الملائم للتطبيع.
المعابر أحد مواضيع المفاوضات الأمنية والعسكرية
كشفت صحيفة الوطن المقربة من النظام السوري، أن “المنافذ الإنسانية” بين المناطق التي يسيطر عليها المسلحين التابعين لأنقرة وتلك الخاضعة لسيطرة حكومة دمشق أحد المواضيع الرئيسة على طاولة المفاوضات الأمنية والعسكرية الجارية راهناً بين الجانبين السوري والتركي.
وقالت الصحيفة نقلاً عن متزعمين للفصائل المسلحة التابعة لتركيا، بأن موضوع المعابر قيد النقاش، وأن لبعضها أولوية لوضعه في الخدمة، مثل معبر أبو الزندين الذي يصل جنوب شرق مدينة الباب مع شمال شرق محافظة حلب، مشيرة أنه لم تحدد بعد الفترة الزمنية التي ستستغرقها المفاوضات بشأن فتح تلك المعابر والتي تصر روسيا عليها، وقد يكون ذلك خلال شهرين أو ثلاثة كأقصى حد.
وأشارت بحسب مصادرها، إن «فتح المعابر مع مناطق الحكومة السورية إجراء روتيني لا مفر منه، في إطار الرعاية الروسية لملف المصالحة السوري التركي، وفي ضوء جهود المصالحة التركية مع القيادة السورية، وهو مسألة وقت ليس إلا، وقد توضع في الخدمة بأي وقت من دون إعلان مسبق، في حال استمرار النتائج الإيجابية للمفاوضات الاستخباراتية بين البلدين».
لقاء بين وزيري خارجية أنقرة ودمشق
قال نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف أن بلاده تدعو إلى تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، وهي على استعداد دائم لتهيئة هذا الأمر، مصرحاً أن “موسكو تدعم فكرة تنظيم اجتماع لوزيري خارجية تركيا وسوريا.. ونحن على استعداد للمساعدة في عقده إذا لزم الأمر”، مشيراً أن “الاجتماع سيكون مفيداً. نحن نتحدث عن إقامة اتصالات بين الجانبين، حاليا تجري الاتصالات على المستويين العسكري والاستخباراتي بين الجانبين.. نحن ندعم هذا اللقاء، ونشجعهم على ذلك”.
وفي ذات السياق، نقلت صحيفة حريت التركية مؤخراً تصريحاً لأردوغان قال فيه بإنه كان مستعدا للقاء الرئيس السوري بشار الأسد على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون في سمرقند، لو أن الأخير حضر هناك.
من جهته، أشارت وسائل إعلامية تركية أن الزيارة المرتقبة لزعيم حزب الوطن التركي المعارض “دوغو برينجك” قد ألغيت من قبل النظام السوري، فيما اتهم المعارض التركي حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا بالوقوف وراء ذلك، حيث ذكر، أنّهم قالوا إلى حكومة النظام “لا تقابلوا دوغو برينجك قبل أن تقابلونا، اجتمعوا بنا قبل أن تجتمعوا به”.
هذا ولا تزال المساعي الروسية جارية في التقارب بين النظامين السوري والتركي، وإعادة تطبيع العلاقات بينهما لقاء قبول موسكو بتوسط أنقرة في الأزمة الأوكرانية وعقد مجموعة من الاتفاقات المالية والاقتصادية ودعم اردوغان في الانتخابات الرئاسية القادمة، فيما يرى الكثير من المراقبون أن على دمشق أن تستغل موقفها القوي والمساند من قبل حليفتها روسيا في المفاوضات مع الجانب التركي وتطالب بإلغاء اتفاقية أضنة التي وقعتها في عام 1998 تحت ضغط دولي وعربي آنذاك.