ما يقارب نصف المواد الغذائية وتحديداً 40 بالمائة أصبحت خارج الدعم الحكومي منذ مطلع العام الجاري وسط ارتفاع كبير وغير مسبوق بأسعار كافة السلع على اختلاف أنواعها في المناطق الحكومية وانعدام القدرة الشرائية للمواطن هناك الذي لا يتجاوز راتبه الشهري في أحسن الأحوال 30 دولار أمريكي فهل بدأت حكومة دمشق بالإفلاس فعلاً مع سحب يدها شيئاً فشيئاً من تقديم الدعم إلى بعض المواد باعتبارها الآلية الضامنة لعدم تحليق الأسعار وخلق نوع من الاستقرار في الأسواق إن وجد.
الورقة الأخيرة
فعلى الرغم من الانهيار المتواصل لليرة السورية والأوضاع المعيشية السيئة للكثير من السوريين، بدأت حكومة دمشق، مطلع شهر شباط/ فبراير الماضي، بتطبيق قرار رفع الدعم عن المواد الأساسية على رأسها المحروقات والغاز والخبز ومواد غذائية أخرى أساسية، وإلغائها من قائمة الأصناف المدعومة حكوميا والتي توزع للعوائل عبر ما تسمى البطاقة الذكية، لعل أخرها مادتي الشاي والزيت، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعارهما حالهم كحال عشرات المواد التي أصبحت خارج الدعم الحكومي خلال فترة قياسية.
وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، عمرو سالم، قال في تصريحات لموقع “أثر برس” المحلي، “إن سبب حذف مادة الشاي من قائمة المواد المدعومة، يعود لعدم توفرها خلال الفترة الحالية، حيث نجد صعوبة باستيراد المادة، لذلك ستجري إعادة توزيعها حين توفر الكميات لجميع المواطنين المستحقين الدعم، كما ستجري إضافة أي مادة متوفرة على البطاقة الذكية”.
التبريرات الحكومية المتزامنة دائماً مع أي قرار يتضمن إلغاء الدعم عن مواد بعينها أو فقدانها من الأسواق بشكل كامل، فالدعم الحكومي يعتبر الورقة الأخيرة المستخدمة من قبل السلطة الحاكمة في دمشق لمواجهة الانتقادات المتعلقة بارتفاع الأسعار المتواصل.
عجز وتخبط حكومي
ويرى مراقبون، أن الحكومة تسعى في الفترة القادمة إلى رفع الدعم بشكل شبه كامل عن السوريين، مع عجزها عن إدارة الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد منذ سنوات، حيث يمكن معرفة فشل الحكومة وانفصالها عن الواقع منذ عام 2016 عبر تصريحات مسؤولين مختلفين بينهم وزراء ومستشارون رئاسيون مثل بثينة شعبان، كرروا فيها أن الانهيار الاقتصادي “وهمي” وأن الأسعار لن تعود أبداً إلى حدودها القديمة مهما تحسن سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار ولو وصل إلى حد الخمسين ليرة المعتاد قبل عام 2011.
استبعاد مواد بعينها من الدعم لم يكن كافياً بالنسبة للحكومة، بل عمدت إلى اتباع سياسة حرمان شرائح واسعة من الدعم الحكومي، وذلك عبر إصدار قرارات وصفت بالعشوائية وغير الدقيقة خلال فترات زمنية متباعدة، حيث أعلنت وزارة الاتصالات والتقانة في منتصف الشهر الماضي إلغاء الدعم الحكومي عن فئتين جديدتين أحدهما الحاصلين على بطاقة “فيميه” السيارات والثانية للعاملين في المحطات الخارجية لوزارة النقل أثناء فترة خدمتهم الخارجية، كما استثنت في حزيران / يونيو الماضي كل من الأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان ممن مارسوا المهنة لمدة تتجاوز عشر سنوات، وذلك بعد أن استُثني أيضا المحامون أصحاب مكاتب وشركات المحاماة، والمهندسون أصحاب المكاتب الهندسية التي تجاوزت مدة افتتاحها عشر سنوات.
كل ذلك ترافق مع حالة من التخبط والتناقض في التصريحات الرسمية لمسؤولي الحكومة في محاولة لتبرير الأخطاء الحاصلة بتطبيق القرار المتمثلة في خروج عائلات فقيرة من نظام الدعم وإجبارها على شراء المواد الأساسية بالسعر الحر الذي يبلغ أضعاف سعر المدعوم، كالخبز مثلاً الذي يبلغ سعره 200 ليرة سورية للربطة في حين يباع بـ 1300 ليرة، وكذلك بالنسبة للمحروقات والغاز وغيرها من المواد الرئيسية.
سياسة الحكومة الاقتصادية خلال السنوات الماضية، أظهرت أرقام وإحصائيات مفزعة تحدث عنها مدير مكتب الإحصاء المركزي السابق، شفيق عربش، قائلاً: إن معدل الفقر في سوريا بلغ 90 في المئة، بين عامي 2020 و2021، كما تراجع معدل النمو وفقاً لتقارير إعلامية إلى معدلات قياسية مع ارتفاع معدل التضخم في الاقتصاد إلى نحو 878 في المائة ووصول مستويات البطالة إلى 31.4 في المئة.