سيلٌ من التصريحات التركية الرسمية حول إمكانية التطبيع مع حكومة دمشق، أخذت الحيز الأكبر من دائرة الاهتمام والتغطية الصحفية لوسائل الإعلام المحلية والدولية، فعلى الرغم من عدم وجود أي مؤشرات ملموسة إلى هذه اللحظة على أن أنقرة ودمشق تسيران بخطى ثابتة وواضحة لإعادة علاقاتهما المقطوعة منذ سنوات، لكن يبدو أن هناك جو عام في الداخل التركي يظهر بأن هذه المحطة ستكون ربما واقعية في المرحلة المقبلة.. لتدور العديد من التساؤلات في أذهان الكثيرين حول ما ستجنيه تركيا من إعادة العلاقات مع حكومة دمشق في ظل وقائع على الأرض تتمثل في تجارب كل من الأردن ولبنان عندما أقدما على فتح أبوابهما أمام دمشق فكانت النتائج الكارثية.
تجارب سابقة للتقارب مع دمشق
أسباب عديدة يمكن وضعها في ميزان المقارنة على مستوى السلبيات والإيجابيات إذا ما تمت عملية التطبيع بين تركيا وحكومة دمشق بحسب مراقبين للأزمة السورية حيث عاد 40 ألف سوري فقط من لبنان إلى بلادهم منذ عام 2019 موعد إعادة العلاقات بين لبنان وسوريا بينما دخل آلاف اللاجئين الآخرين إلى الأردن، كما تعاني الحكومة الأردنية الآن من مشكلة تهريب المخدرات، لتصبح الأراضي الأردنية معبراً معتمداً لدى المجموعات المسلحة التابعة لحكومة دمشق التي أصبحت بدورها منتجاً ضخماً للكبتاغون، يضاف إلى ذلك عدم قدرة الحكومة على إعالة ملايين السوريين، وهي تعلم جيداً أن عودتهم قد تؤدي إلى حراك شعبي جديد بسبب الأوضاع المعيشية بالغة السوء التي تعيشها المناطق الحكومية.
أما فيما يتعلق بالفائدة الاقتصادية بين البلدان الثلاثة يمكن اعتبارها سيئة جداً، حيث لم يأت إعادة افتتاح معبر “نصيب” الحدودي بين سوريا والأردن المتوقع منه وذلك بسبب الرسوم المرتفعة ومخاطر السفر إلى سوريا، بالإضافة إلى قائمة البضائع والسلع والمواد الزراعية المحظور تبادلها بين البلدين، والتي تشمل نحو2000سلعة يمنع البلدان استيرادها، إلى جانب منع استيراد نحو 4 آلاف سلعة إلا بوجود رخص استيراد وفرض رسوم حماية عليها، ليأتي القرار الأردني بالمنع على مبدأ “المعاملة بالمثل”، إذ تمنع السلطات الحكومية السورية استيراد قائمة مماثلة من السلع والبضائع الأردنية.
الأمر يتشابه إلى حد كبير مع لبنان أيضاً الذي يعاني بدوره من أزمة اقتصادية خانقة وكذلك حظر العقوبات الأمريكية والأوروبية تصدير ودخول الكثير من المواد والمعدات إلى سوريا تحت طائلة فرض عقوبات صارمة.
خلاف كبير بين الدولتين الجارتين
من جانبها، لا تسعى روسيا خلال الفترة الحالية على الأقل الدفع نحو إيجاد حل سياسي في سوريا مع انشغالها بالحرب ضد أوكرانيا، واعتمادها على استراتيجية شبه ثابتة قائمة على رغبة موسكو في كسب الوقت ومنع تصادم عسكري تركي- سوري، لذلك تعمل ضمن اتجاه طرح حلول دبلوماسية تصالحية كالخطط الأخيرة الهادفة للتقارب بين أنقرة ودمشق وهو ما يعتبر بعيد المنال في الوقت الحالي حيث وضع كل طرف على الآخر شروط شبه تعجيزية لاستعادة العلاقات، ومن الواضح أن تركيا وكذلك حكومة دمشق لا ترغب أو تستطيع تنفيذ هذه الشروط كانسحاب القوات التركية من الأراضي السورية بشكل كامل أو شن القوات الحكومية عملية عسكرية ضد قوات سوريا الديمقراطية التي تعتبر الحليف الرئيسي للولايات المتحدة الأمريكية في محاربة تنظيم داعش الإرهابي.
يضاف إلى ذلك ظهور خلاف كبير بين الحكومة التركية الحالية ودمشق، من خلال اعتبار المعارضة السورية الموالية لتركيا تهديدا وجوديا بالنسبة لحكومة دمشق في حين أن “قسد” هي أمراً داخلياً يمكن حله من خلال دمجها ضمن صفوف الجيش السوري المستقبلي وإعطاء حقوق الحكم الذاتي للكرد السوريين.. فبالنسبة للأتراك تأتي قوات سوريا الديمقراطية أولوية قصوى، أما حكومة دمشق فإن الأولوية هي إنهاء المعارضة السورية الموالية لتركيا بشقيها السياسي والعسكري.
لتبقى العلاقة بين دمشق وأنقرة مفتوحة أمام كافة السيناريوهات والاحتمالات المرتقبة…