انقسام كبير في صفوف المعارضة السورية خلال الفترة الحالية، عقب التصريحات التركية التي حملت في طياتها الوجه الحقيقي لسياسة أنقرة تجاه الملف السوري، بعد الإعلان بشكل رسمي وواضح عن موقف وصف بالجديد وغير المسبوق حول التقارب مع حكومة دمشق وسعي أنقرة للمصالحة بين المعارضة والحكومة عقب سنوات من القتل والدمار وتهجير ملايين السوريين، كل ذلك جاء بالتزامن مع موافقة أنقرة للاصطفاف ضمن معسكر روسيا وإيران حيث عمدت الدول الثلاث بعد قمة طهران مباشرة إلى تبني مسار “أستانا” واعتباره الطريق الوحيد نحو إيجاد حل سياسي وسلمي للأزمة السورية وفقاً للتصريحات الروسية والإيرانية، وهو ما دفع الولايات المتحدة الأمريكية للرد على هذا التحرك من خلال عقد اجتماع في جنيف للمبعوثين الخاصين من عدة دول إلى سوريا، بهدف تشكيل كتلة سورية معارضة جديدة تحظى بدعم ورعاية واشنطن لمواجهة محور “أستانا”.
لا للتطبيع مع حكومة دمشق
التحرك الأمريكي وإن جاء متأخراً يهدف بالدرجة الأولى إلى إفشال كافة الجهود والدعوات السابقة “روسيا وإيران” والحالية “تركيا” من أجل إعادة تعويم حكومة دمشق، حيث قال نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، فيدانت باتيل، في وقت سابق، إن بلاده لن ترفع العقوبات عن “النظام السوري”.. ولن تغير موقفها المعارض لإعادة إعمار سوريا، حتى يتم إحراز تقدم حقيقي ودائم نحو الحل السياسي.
كما دعا “باتيل” كافة دول المنطقة للنظر بعناية شديدة في الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها حكومة دمشق ضد الشعب السوري خلال السنوات الماضية وأيضاً منع الأخيرة وصول المساعدات الإنسانية لمناطق سورية عدة.
مخاوف أمريكية من العلاقة بين أنقرة ودمشق
التطورات والتغيرات الإقليمية التي شهدتها المنطقة مؤخراً أثارت مخاوف الولايات المتحدة حول طبيعة العلاقة المستقبلية بين أنقرة ودمشق وإمكانية عقد صفقة بينهما شمال البلاد.. الأمر الذي سينعكس سلباً على قوات سوريا الديمقراطية الحليف الرئيسي لواشنطن في سوريا، ومن هنا طالب مبعوثوا الدول الخاصين إلى سوريا خلال اجتماعهم في مدينة جنيف السويسرية، الالتزام بالتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية، بما يتفق مع قرار مجلس الأمن الدولي “2254” بما في ذلك الدعم المستمر لتنفيذ واستدامة وقف فوري وشامل لإطلاق النار في كافة أنحاء البلاد، ومواصلة تقديم الدعم للجنة الدستورية السورية، وإقامة انتخابات حرة ونزيهة إلى جانب إنهاء الاحتجاز التعسفي وإطلاق سراح جميع المعتقلين السوريين.
الدول المجتمعة دعت أيضاً حكومة دمشق إلى استئناف اجتماعات اللجنة الدستورية، تحت رعاية الأمم المتحدة، والمضي قدماً في حل سياسي شامل، من شأنه حماية سيادة سوريا ووحدة أراضيها، ومواصلة دعم مهمة مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، للمضي قدماً في العملية السياسية السورية.
مواجهة باتت قريبة جداً بين الولايات المتحدة وروسيا في سوريا قد تظهر مدى الاختلاف والتباعد الحاصل بين الدولتين الفاعلتين على المشهد السوري، حيث تسعى كل منهما للحصول على المزيد من الحلفاء المحليين والإقليميين وجعل التكتلات السياسية والعسكرية التابعة لهما هي الأفضل والأقوى والأكثر تماسكاً بانتظار حل سياسي قد يطول لسنوات أخرى يُنهي حالة الانقسام بين السوريين في بلاد عانت وماتزال ويلات الحرب لما يزيد عن عقد من الزمن.