تقاعس دولي ومهمة أمنية خطيرة للإدارة الذاتية في مواجهة أكبر تهديد للعالم

أعلنت قوى الأمن الداخلي لشمال وشرق سوريا “الأسايش” في الـ 25 من شهر آب الجاري عن بدء المرحلة الثانية من عملية “الأمن والإنسانية” داخل مخيم الهول الذي يمتد على رقعة جغرافية تضم “13” ألف خيمة شرقي مدينة الحسكة بـ 45 كم، وتحوي أكثر من 56 ألف شخص معظمهم نساء وأطفال من أُسر عناصر تنظيم داعش، بهدف تطهيره من عناصر وخلايا التنظيم وضرب محاولات إعادة تدوير الإرهاب عبر عمليات التجنيد والاستقطاب التي تجري داخل المخيم.

وقالت القوات الأمنية في الإدارة الذاتية:

إن الهجوم على مخيم الهول كان الهدف التالي لمخطط التنظيم الأخير بعد السيطرة على سجن الصناعة بمدينة الحسكة، وبالرغم من إحباط هذا المخطط إلا أنه لا يزال سارياً بدرجة خطيرة وسط تزايد أعمال العنف الإرهابية داخله ومحاولات الهجوم والفرار الجماعي التي تزامنت مع التهديدات التركية ضد المنطقة ووجود أدلة ووثائق تؤكد على تواصل زعماء وقادة التنظيم المتواجدين في مناطق احتلال تركيا بالشمال السوري مع الخلايا والعناصر المتواجدين في المخيم.

وأسفرت عمليات التفتيش في القطاع “الأول والثاني والثالث” عن اعتقال “67” شخص حتى الآن من خلايا التنظيم، اعترف العديد منهم بانتمائهم التنظيمي لداعش وفق التحقيقات، وتم العثور على وثائق خاصة وحواسب وهواتف نقالة وشرائح اتصالات عراقية وأموال نقدية مدفونة ومخبأة بطرق احترافية وخنادق وشبكة أنفاق تستعمل لعمليات الاختباء والقتل، إلى جانب ألبسة عسكرية للجيش التركي مع شعارات ورموز، وتم إزالة أكثر من 37 خيمة كانت تستخدم في تلقين الدروس العقائدية ومحاكم شرعية لمقاضاة وتنفيذ إعدامات ميدانية لكل من يخالف فكرهم المتطرف.

من مركز احتجاز مؤقت إلى دويلة خلافة

افتتح مخيم الهول لأول مرة من قبل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة بالتعاون مع حكومة دمشق في عام 1991، لاستقبال الفارين من الكويت خلال الاجتياح العراقي له، ثم أعيد فتحه مرة أخرى في عام 2003 خلال الحرب الأمريكية على العراق، سيطر التنظيم المتطرف عليه عام 2012 وحوله إلى مقر لعائلاته حتى سيطرت عليه قوات سوريا الديمقراطية “قسد” عام 2016، والتي أعادت فتحه أمام العائلات النازحة من مناطق سيطرة داعش في سوريا والعراق.

توافد المئات من الفارين إلى المخيم حتى بلغ تعداد قاطنيه نحو 64 ألف شخص ينحدرون من “56” دولة معظمهم من الأطفال والنساء، بعد احتجاز “قسد” لآلاف أُسر عناصر التنظيم ونقلهم إليه بشكل مؤقت بعد تحرير آخر جيب للتنظيم في سوريا ببلدة الباغوز شرقي دير الزور في آذار مارس 2019، وشكّلَ العراقيون تقريباً نصف عدد القاطنين فيه فيما بلغ تعداد الأجانب نحو 12 ألف شخص أما الباقي فهم من السوريين.

وبعد سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على كافة المناطق التي يتواجد فيها تنظيم “داعش” الإرهابي وإنهاء خلافته بتحرير آخر معاقله في ريف مدينة دير الزور السورية على الحدود العراقية، ناشدت الإدارة الذاتية كافة الدول باستعادة رعاياهم من أُسر عناصر تنظيم داعش المحتجزين في المخيمات المؤقتة وتشكيل محكمة دولية لمحاكمة العناصر المسجونين في مبانِ غير مؤهلة، خاصة بعد تعاظم خطرهم وتزايد أعمال العنف والاغتيالات ضد القاطنين وموظفي المنظمات الاغاثية والقوات الأمنية داخل مخيم الهول عقب الاجتياح التركي لمدينتي سري كانيه وكري سبي/رأس العين وتل أبيض، واضطرت أمام تقاعس المجتمع الدولي بالبدء بحملة أمنية في آذار مارس 2021 داخل المخيم، سِمَتها الأمن والإنسانية، لوقف الاعدامات الميدانية وتطهيره من الخلايا الإرهابية التي تسللت إليه عبر طرق مختلفة بدعم من قوى محلية ودول إقليمية لإعادة انتاج الفكر المتطرف من جديد.

بعد تحقيق القوات الأمنية مهمتها في عملية الأمن والإنسانية داخل مخيم الهول بالتعاون مع قوات سوريا الديمقراطية، جدد مسؤولي الإدارة الذاتية دعوتهم للمجتمع الدولي وعقدوا لقاءات مع ممثلي الدول الأوربية ووزارة الخارجية الأمريكية لمطالبتهم بتحمل مسؤولياتهم وفق قرارات مجلس الأمن الدولي “2178 لعام 2014” و “2396 لعام 2017″، محذرين من خطورة التقاعس تجاه هذا الملف المعقد، رغم ذلك كانت الاستجابة لهذه الدعوات بطيئة من قبل البعض وسط رفض البعض الآخر باستعادة رعاياهم من نساء وأبناء عناصر التنظيم.

حاول التنظيم اعادة تنظيم نفسه من جديد بتنظيم عدة هجمات في سوريا والعراق كانت أخطرها محاولة السيطرة على سجن الصناعة بمدينة الحسكة في يناير/كانون الثاني من العام الجاري، والذي يضم أشرس قادة وعناصر داعش ضمن مخطط يليه الهجوم على مخيم الهول بدعم من تركيا وتورط النظام السوري وفق اعترافات رسمية لمخططي الهجوم، ساهم في إحياء وتفريخ الفكر التطرفي وتنشيطه لدى نسوة التنظيم داخل المخيم اللواتي كن منتسبات للواء الخنساء ونظام الحسبة، ما جعل من مخيم الهول أشبه بدويلة خلافة مصغرة مع تصاعد أعمال العنف والإرهاب والاعدامات الميدانية من جديد.

إفراغ مخيم الهول

عقد مجلس الأمن الدولي نهاية كانون الثاني الفائت، جلسة خاصة بالأحداث التي شهدتها مدينة الحسكة إبان هجوم عناصر داعش على سجن الصناعة في محاولة تحرير قادة التنظيم وعناصره، وطالب الدول الأعضاء عدم الاستهانة بالحادث وضرورة تضافر الجهود الدولية لمعالجة قضية السجون والمخيمات في مناطق الإدارة الذاتية التي تحتجز قادة ومسلحي داعش وأفراد أُسرهم.

رغم النداءات المتكررة من قبل الأمم المتحدة والإدارة الذاتية بقيت استجابة المجتمع الدولي بطيئة في استعادة رعاياهم من عناصر التنظيم والتي اقتصرت على بعض الأطفال الأيتام في المخيمات، في حين رفضت دول أخرى استعادة مواطنيها واكتفت بحل إفراغ المخيم.

تزامن ذلك مع تحرك من قبل الحكومة العراقية التي احتضنت على أراضيها مؤتمراً دولياً في نيسان الماضي، لمناقشة خطورة استمرار تقاعس المجتمع الدولي في حل قضية السجون ومخيمات احتجاز عناصر وأسر داعش والتي تم توصيفها بـ “القنابل الموقوتة”، مؤكدةً سعيها المتواصل لاستعادة كافة مواطنيها من مخيمات الاحتجاز في مناطق الإدارة الذاتية بحلول نهاية العام الجاري.

هاني جليلاتي

قد يعجبك ايضا