لقاء هو الثاني خلال شهر فقط جمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان في مدينة سوتشي الروسية، بعد 3 أسابيع من اجتماعهما في العاصمة الإيرانية طهران، حيث تصدر الملف السوري محور المحادثات إلى جانب الحرب في أوكرانيا وبدرجة أقل التطورات الأخيرة التي شهدها إقليم “ناغورني قره باغ” المتنازع عليه بين أذربيجان وأرمينيا.
مواقف تركية زائفة
التقارب الروسي – التركي الأخير وفقاً لتصريحات الجانبين والتي تضمنت الاتفاق على تسليم جزء من مدفوعات الغاز الروسي بالعملة المحلية “الروبل”، بالإضافة إلى تعزيز التعاون في مجالات النقل والزراعة والبناء، مع ضرورة ضمان تنفيذ الاتفاقات الخاصة بالحبوب، التي تم التوصل إليها في إسطنبول، ومن بينها تصدير الحبوب الروسية دون عوائق… كل هذه التفاهمات والاتفاقيات تأتي ضمن مرحلة بالغة الحساسية فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا واصطفاف الدول الغربية والولايات المتحدة بمواجهة موسكو عبر فرض حزمة واسعة من العقوبات ودعم كييف سياسياً وعسكرياً واقتصادياً.
يضاف إلى ذلك، ظهور الدور التركي الحقيقي في سوريا بعد سنوات من التصريحات الإعلامية الزائفة حول محاربة حكومة دمشق ودعم “المعارضة” سياسياً وعسكرياً، ليتحدث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تصريحات للصحفيين على متن الطائرة خلال عودته من مدينة سوتشي الروسية، أن جهاز الاستخبارات التركي على تواصل مع الأجهزة الأمنية الحكومية السورية، قائلاً: إن “بوتين” لمح بأنه إذا سلكت أنقرة طريق التعاون مع حكومة دمشق فإن ذلك سيكون أكثر صواباً.. تصريحات “أردوغان” لم تكن مفاجئة كونها جاءت بعد أيام على حديث مماثل لوزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، عن استعدادِ بلادهِ تقديم الدعم السياسي لحكومة دمشق ضد قوات سوريا الديمقراطية الأمر الذي أثارَ جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية المحلية والدولية.
التوازن الصعب
موضوع الشراكة التركية – الروسية، يمكن القول عنه بأنه أمر بالغ الخطورة بالنسبة لأنقرة حيث سيكون هناك خلال الفترة القريبة القادمة ردود أفعال وتحركات جدية للدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية قد تصل إلى حد فرض عقوبات اقتصادية وسياسية وأيضاً عسكرية ضد تركيا رداً على خطواتها الحالية الهادفة إلى كسر العزلة الغربية المفروضة على موسكو، وهو ما سينعكس بالتأكيد على الملف السوري من خلال إيقاف التعاون أو التنسيق بين التحالف الدولي والأتراك على الأرض السورية، بمقابل زيادة الدعم العسكري لقوات سوريا الديمقراطية ضمن مهمة جديدة من المتوقع أن تنفذها “قسد” قائمة على استمرار محاربة تنظيم داعش الإرهابي وكذلك إيقاف التمدد الإيراني وإضعاف نفوذ حكومة دمشق في المنطقة، كما ستعمد واشنطن وعدد من الدول الأوروبية إلى زيادة الدعم السياسي للإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا.
وتعتبر درجة الثقة بين موسكو وأنقرة معيار هام في المحافظة على التفاهمات الحالية بين البلدين، الأمر الذي قد يكون مستبعداً جراء وجود مواضيع عديدة تتقاطع فيها وجهات النظر أو يمكن لطرف منهما أن يتجاوز فيها الآخر لمصلحة ما، فضلاً عن صعوبات انتقال العلاقة بين تركيا وروسيا إلى علاقة شراكة استراتيجية أو تحالف، وهو ما يبدو أكثر صعوبة، كون العلاقة بين البلدين ترتبط بعدة تعقيدات بينها صعود وهبوط ارتباط أنقرة مع الغرب وعدم رغبتها في ترك حلف شمال الأطلسي “الناتو”، إلى جانب ملفات الخلاف الموجودة أصلاً والتي يمكن أن تتفجر في أية لحظة ومنها الملف السوري.. بمعنى آخر، إن كانت العلاقات جيدة حاليًّا بين تركيا وروسيا فليس هناك ضمانات قوية لاستمرارها مستقبلًا.