حالة من الغضب الشديد في العراق على الصعيدين الرسمي والشعبي، جراء المجزرة التي ارتكبتها القوات التركية بعد قصف منتجع “برخ” السياحي في منطقة زاخو بمحافظة دهوك شمال العراق، ما أسفر عن سقوط عشرات القتلى والجرحى من السياح، لتذهب الأوضاع منذ ذلك الحين نحو التصعيد غير المسبوق بين بغداد وأنقرة، على الرغم من عمليات القصف التركية المتكررة على الأراضي العراقية خلال السنوات الماضية موقعةً خسائر مادية وبشرية كبيرة بينها أطفال ونساء، وسط إدانات خجولة من هنا وهناك دون اتخاذ إجراءات صارمة لوقف هذه الانتهاكات المتواصلة.
أزمة سياسية وعسكرية قادمة
نفت وزارة الخارجية العراقية، السبت، وجود اتفاقية أمنية أو عسكرية مع تركيا وهو ما يفند مزاعم الأخيرة منذ سنوات بشن عمليات عسكرية برية وقصف ضد أهداف تقول إنها تابعة لحزب العمال الكردستاني تحت ذريعة وجود اتفاق بين الجانبين، محذرة من بقاء القوات التركية في العراق لأنه سيكون له رد فعل آخر.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية، أحمد الصحاف، في بيان، إنه “نجدد إحاطة الرأي العام بعدم وجود أي اتفاقية أمنية وعسكرية مع تركيا تسمح لها بالتوغل في العراق”، مؤكدا أن “الوزارة قررت استقدام القائم بالأعمال العراقي في أنقرة إلى بغداد”.
كما أكد الرئيس الأسبق للجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي، عبد الباري زيباري، في تصريحات إعلامية، إلى عدم وجود أي اتفاق أمني أو وثيقة موقعة بين العراق وتركيا خلال فترة النظام السابق تسمح بدخول أو ضرب الأراضي العراقية، موضحاً أن “اتفاقية أنقرة” التي وقعت عام 1926باطلة نتيجة تغير الدول منذ ذلك الحين وكذلك اختلاف المواثيق الدولية، قائلاً: إن “ما يتحجج به الأتراك في اتفاقية أنقرة هي فترة انتهت منذ نحو 100 عام”.
إجراءات عراقية غير مسبوقة
بدأت الحكومة العراقية بتنفيذ إجراءات وصفت بالاستثنائية وغير المسبوقة ضد أنقرة على خلفية “مجزرة المنتجع السياحي”، حيث قدمت شكوى عاجلة إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة فيما يتعلق بالاعتداءات التركية المتكررة على السيادة العراقية وأمن العراقيين، كما استدعت بغداد السفير التركي وسحبت القائم بأعمالها من أنقرة مع إيقاف إجراءات إرسال سفير جديد، داعية في الوقت نفسه إلى انسحاب القوات التركية فوراً من أراضيها.
التنديدات شملت أيضاً الطبقة السياسية والشعبية العراقية، حيث أدان الرئيس العراقي، برهم صالح، ورئيس مجلس الوزراء، مصطفى الكاظمي، القصف التركي على منتجع سياحي والذي راح ضحيته عشرات المدنيين، إلى جانب مطالبة رؤساء الأحزاب السياسية بطرد القوات التركية من العراق، فيما خرجت مظاهرات غاضبة بعدد من المحافظات العراقية حيث تم حرق العلم التركي في مدينة النجف جنوب البلاد ورفع المتظاهرين عبارات مناهضة لتركيا، كما احتشد المئات في محيط السفارة التركية بالعاصمة بغداد مطالبين حكومة بلادهم بقطع العلاقات الدبلوماسية مع أنقرة.
تركيا تخرق القانون الدولي
أكد عدد من الخبراء القانونيين، أن تركيا عمدت إلى خرق مجموعة من المواثيق والقوانين الدولية، من خلال استهداف المدنيين بشكل مقصود في شمال العراق، وعدم احترام سيادة الدول لتخالف بذلك المواد 1 و2 و3 من ميثاق الأمم المتحدة.
قائلين: إن الاتفاقية التي وقعتها تركيا مع النظام العراقي السابق لم تُجدد بعد عام 2003 ولم تودع نسخة منها في الأمم المتحدة وفق المادة 102 من ميثاق المنظمة الدولية، معتبرين أن تكرار القصف التركي على الأراضي العراقية هو استهانة بالقانون الدولي، ويُعد جرائم إبادة جماعية وفق المادة التاسعة من اتفاقية منع الإبادة الجماعية عام 1948.
ومن هنا يمكن الحديث بأن الأوضاع الحالية في العراق تختلف عن السنوات السابقة من جهة قدرة الحكومة الحالية، على اتخاذ موقف صارم تجاه العمليات العسكرية التركية في شمال البلاد وأيضاً إنهاء التواجد التركي بشكل نهائي هناك، خاصة أن الضغط الشعبي والرسمي بات أكبر بكثير في الوقت الراهن.. فهل ستستطيع الحكومة العراقية قريباً استعادة استقلاليتها على كامل أراضيها في شمال البلاد من خلال إخراج القوات التركية التي ستواجه بعد “مجزرة المنتجع السياحي” ضغطاً عراقياً داخلياً ودولياً أيضاً قد لا يتوقف إلا مع جلاء آخر جندي تركي من الأراضي العراقية.