تتصاعد التهديدات التركية، خلال الفترة القريبة الماضية، بشن عملية عسكرية لاحتلال مناطق عدة في شمال سوريا، ليخرج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مراراً وتكراراً متوعداً بغزو مدن وقرى تتمتع بقدر كبير من الاستقرار والأمن، معيداً للأذهان ما حدث في العمليات العسكرية التركية الماضية على الأراضي السورية في أعوام 2016 و2018 و2019 والتي أسفرت عن حملة تهجير واسعة ومقتل عدد كبير من المدنيين.
إلى جانب انعكاسات وتبعات ما زالت حاضرة إلى الآن جراء استمرار معاناة المهجرين في المخيمات وعمليات القتل والخطف والاستيلاء على المنازل والأراضي الزراعية ضمن سياسة ممنهجة للتضييق تستهدف السكان الأصليين في المناطق المحتلة
ذرائع تركية جاءت كالمعتاد لتبرير عملية غزو جديدة، عن طريق إعلان أردوغان إقامة ماتسمى “المنطقة الآمنة” وربط إنشاؤها باحتلال مناطق عدة في شمال سوريا مع تحديد الوجهة المتوقعة للغزو ألا وهي مدينتي تل رفعت ومنبج في ريف حلب، حيث يسعى الرئيس التركي لتعزيز موقعه وحزبه العدالة والتنمية خلال الانتخابات الرئاسية القادمة في صيف العام المقبل، لا سيما في ظل وجود احتقان داخل الشارع التركي من بقاء اللاجئين السوريين، وسحب الورقة التي تعتمد عليها المعارضة التركية في زيادة رصيدها الانتخابي.
يضاف إلى ذلك استغلال حكومة أردوغان طلب كل من فنلندا والسويد الانضمام لحلف شمال الأطلسي، واعتباره فرصة لبازار سياسي جديد قد تستخدمه على طاولة التفاوض لتكريس وفرض ما تسمى “المنطقة الآمنة”، لكن هذه العملية تبدو أنها بانتظار موافقة واشنطن التي لا تزال تتحفظ عليها حتى الساعة.
ردود أفعال دولية معارضة لأي غزو تركي جديد على شمال سوريا وصل بعضها لحد التهديد والوعيد وخاصة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية قابله موقف روسي جاء متحفظاً في التصريحات الإعلامية وقوياً على الأرض بعد تعزيز القوات الروسية لمواقعها العسكرية بالطائرات الحربية والآليات وأنظمة الدفاع الجوي في مدينة القامشلي بريف الحسكة، بالإضافة لإعادة انتشار على خطوط التماس مع القوات التركية وفصائل المعارضة الموالية لها بريف حلب، فيما دعت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، إلى ضرورة وجود قوات “حفظ سلام” على الحدود الفاصلة بينها وبين المناطق المحتلة من قبل القوات التركية، قائلة: إن التحركات التركية تهدد استقرار المنطقة، حيث تسعى أنقرة إلى إعادة إحياء التنظيمات المتشددة وتقويتها بما فيها تنظيم داعش الإرهابي.
كما أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، أن طهران تعارض أي نوع من الإجراءات العسكرية، واستخدام القوة في أراضي الدول الأخرى بهدف فضّ النزاعات، ليسلّطَ رد الفعل الإيراني الضوء على حالة من التعقيد السياسي والأمني في الملف السوري
وفي شمال شرق سوريا، عبر 31 حزباً سياسياً من كافة المكونات الكردية والعربية والسريانية وحركات وتنظيمات نسائية، في مؤتمر صحفي عُقد السبت الماضي في مدينة القامشلي بريف الحسكة، عن إدانتهم لما وصفوها سياسة الإبادة التي تتبعها الحكومة التركية ضد شعوب المنطقة، مؤكدين على موقفهم الثابت في الدفاع عن مناطقهم، منعاً للمساس بالمكاسب التي تم تحقيقها خلال السنوات الماضية، رافضين في الوقت نفسه التهديدات التركية الأخيرة وعمليات التغيير الديموغرافي التي تسعى إليها أنقرة عبر توطين مليون لاجئ سوري في المناطق المحتلة شمال البلاد.
بدوره، قال الأكاديمي السوري وعضو الهيئة السورية للتفاوض، يحيى العريضي، في حديث خاص لمنصة تارجيت الإعلامية، إن نظام الاستبداد في سوريا حولها إلى ساحة مستباحة، تتصارع فيها وعليها القوى، وتُصفي حساباتها، وتسوق حججاً لا نهاية لها لتحقيق مصالحها. الملعب جاهز، والكلفة محدودة، والجنى كبير.
وأضاف “العريضي” ما مِن وطني سوري حر شريف يقبل بوجود قدم غريبة على أرضه، وأول تلك الأقدام الغريبة هي أقدام القتلة المستبدين الذين تسببوا بمجيء كل تلك القوى لتدنس أرض سوريا الطاهرة
فيما أكد المتحدث باسم حزب سوريا المستقبل، موفق الأحمد، أن تركيا تنظر إلى مساحتها وحدودها الجغرافية باعتبارها غير كافية، إذ تسعى خلال عام 2022 ومطلع عام 2023 لاحتلال مزيد من الأراضي السورية، كما تحاول تصدير أزمتها الاقتصادية الداخلية إلى الخارج.
وأوضح “الأحمد” خلال اتصال هاتفي مع منصة تارجيت الإعلامية، أن الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا وقوات سوريا الديمقراطية تدرس كافة الخيارات المتعلقة بمواجهة التهديدات التركية بما فيها خيار المقاومة والدفاع عن المدنيين.