سلط تقرير حديث صادر عن معهد “كريتيكال ثريتس” الأمريكي للدراسات المعمقة والاستخباراتية الضوء على تبعات توغل الضربات الجوية التركية ضد قوات سوريا الديمقراطية “قسد” شمال شرق سوريا، مؤكداً أن هذا الأمر يقوض قدرات تلك القوات على تنفيذ عمليات ضد تنظيم “داعش” الإرهابي، فضلاً عن أنه يزيد المخاطر بشأن هروب عناصر التنظيم من السجون.
ويكثف النظام التركي ضرباته على شمال شرق سوريا منذ بداية الشهر الجاري في أعقاب تفجير طال مقراً أمنياً في العاصمة التركية أنقرة، إذ زعمت السلطات أن منفذي الهجوم مروا من مناطق خاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية رغم نفي الأخيرة بشكل قاطع، وسط انتهاكات كبيرة من قبل القوات التركية بما يتناقض مع التزامات القانون الدولي الإنساني.
ضربات بالقرب من سجن للدواعش
وأوضح تقرير المعهد أن الضربات نفذت من قبل القوات التركية ومسلحين غير محددين الهوية، مشيراً إلى تفجير بعبوات ناسفة استهدف قوات سوريا الديمقراطية بالقرب من سجن الصناعة الذي يضم آلاف من عناصر تنظيم داعش، والذين قال التقرير إن من بينهم عناصر إرهابية خطيرة وذات خبرة تنظيمية.
ولفت “كريتيكال ثريتس” إلى أن سجن الصناعة الواقع في حي غويران بمدينة الحسكة به 3500 معتقل من عناصر داعش و700 قاصر مؤيدين للتنظيم الإرهابي، وبينما انسحبت بعض المجموعات العسكرية التابعة لقوات سوريا الديمقراطية من مواقع وثكنات في مدينة الحسكة لحماية نفسها من الضربات والهجمات التركية، فإن هذا يزيد الخطر بشأن إجراءات الحماية الخاصة بالسجن.
في هذا السياق، يقول منير أديب الخبير المصري في شؤون الحركات الإرهابية إن تركيا غير معنية بجهود مكافحة الإرهاب في شمال شرق سوريا، ولا يعنيها كذلك احتمالية هروب الدواعش من السجون التي تقع في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، لأن النظام التركي يعتبر الكرد في تلك المناطق هم العدو الأول له.
وأضاف أديب، في اتصال هاتفي لمنصة “تارجيت” الإعلامية، أن تقديره أن أنقرة ليست مشغولة على الإطلاق بجهود مكافحة الإرهاب، بل هي مشغولة بما تسميه “تحقيق الأمن القومي التركي”، في ظل مشكلتها الدائمة مع الكرد، وهو الأمر الذي جعل الأتراك يساوون في وصف الإرهاب بين الكرد وتنظيم داعش الإرهابي، بل إنهم ربما يرون أن الكرد أكثر خطورة من داعش.
وتابع أنه لهذا توجه تركيا ضربات للكرد حتى لو تسبب ذلك في هروب سجناء داعش أو بصرف النظر عما إذا كانت المناطق المستهدفة بها عناصر من داعش محتجزين، وهذه الإشكالية من شأنها إحداث حالة من الفوضى يمكن أن يستفيد بها التنظيم الإرهابي، لكن أنقرة أيضاً غير معنية بذلك، وترى أنها ضربات في محلها في ظل قناعتها بأن الكرد هم الخطر الأكبر والدائم.
وقد لعبت قوات سوريا الديمقراطية دوراً محورياً في القضاء على تنظيم داعش وإسقاط دولة الخلافة المزعومة عام 2019 بالشراكة مع التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، ولهذا يرى كثيرون أن “قسد” حاربت الإرهاب نيابة عن العالم، فضلاً عن تحملها عبء استضافة آلاف السجناء والقصر من التنظيم في مناطق سيطرتها رغم خطورتهم.
تصعيد تركي متواصل
من جهة أخرى، تحدث التقرير عن تنفيذ تركيا عملية بإحدى المسيرات قرب موقع مشترك بين القوات الأمريكية وقوات سوريا الديمقراطية لدعم العمليات الجارية لمحاربة عناصر داعش في الأراضي السورية شمال شرق سوريا يوم 5 أكتوبر وهي الطائرة التي أسقطتها القوات الأمريكية، مشيراً إلى أن كون الطائرة كانت على بعد نصف كيلو من هذا الموقع، فإن هذا يأتي كأحدث مثال على السلوك التصعيدي التركي.
كما ذكر أن تركيا استخدمت سابقاً طائرات بدون طيار لاستهداف زعيم قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي وأفراد خدمة أمريكيين بالقرب من مدينة السليمانية العراقية في أبريل 2023، في استمرار للضربات التي توجهها أنقرة على مقربة من قوات أمريكية تتشارك مع قوات سوريا الديمقراطية في مهام محاربة داعش.
وكانت تركيا طلبت في أعقاب إسقاط طائرتها المسيرة من الولايات المتحدة الأمريكية أن توقف العمل مع قوات “قسد”، وذلك بحسب ما صرح وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، إلا أن الإدارة الأمريكية حذرت من خطورة الضربات التركية، مبدية قلقها بشأن تأثيرها على الجهود التي تبذل لمكافحة وجود التنظيم الإرهابي.
وحول هذا الموقف يقول محمد العالم الكاتب الصحفي المتخصص في الشأن الأمريكي بواشنطن، لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن الإعلام والمجتمع الأمريكي منشغلان في الوقت الحالي بتطورات الأوضاع في فلسطين، وربما هذا صرف الأنظار عما يحدث في مناطق شمال شرق سوريا والضربات التركية التي تنفذ.
وأضاف “العالم” مستدركاً أنه رغم ذلك فإن المجتمع الأمريكي بصفة عامة يرفض تلك الضربات التركية ويعتبرها نوعاً من انتهاك الحقوق لشعوب هذه المنطقة من سوريا، لكن مشكلة الملف الحقوقي في الولايات المتحدة أنه يتم استخدامه حسب المصلحة أو حسب الآلية التي يمكن الاستفادة منه لصالح “واشنطن”.
ويجمع كثير من المراقبين للشأن التركي أن تلك الضربات تأتي في إطار محاولات مستمرة من قبل رجب طيب أردوغان الرئيس التركي لإرضاء اليمين القومي المتطرف الذي يتحالف معه وأصبح المنتمين لهاذا التيار محوراً رئيسياً في قاعدته الانتخابية وتحديداً حزب الحركة القومية، إلى جانب أن تلك المزاعم تساعده في إلهاء شعبه عن الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تطارد البلاد خلال الأسابيع الماضي.