القاهرة – محمد حسن عامر
يبدو أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عقد النية وعزم على تغيير الدستور الحالي، وهو ما قد ظهر في تصريحات لشريكه وصديقه الرئيس السابق عبدالله جول، الذي دعا بمناسبة مرور 100 عام على تأسيس الجمهورية التركي أن تدخل البلاد القرن الثاني ولديها دستور جديد، معتبراً أن هذا يناسب الدولة في المرحلة المقبلة.
ويرى مراقبون أن عبدالله جول الذي ظهر كعراب للدستور الجديد بتصريحاته تلك قد شرع في الدعاية له، وقد كشف هو بنفسه عن أن أردوغان وضع ذلك على جدول أعماله، بل ذهب الرئيس السابق إلى اعتبار الأمر فرصة ينبغي تقييمها، على نحو يفتح تساؤلات عدة حول إمكانية استمرار أردوغان في إدارة شؤون البلاد لفترات رئاسية جديدة، وكذلك نواياه من هذا التغيير الذي يريده.
تفاصيل الدعوة لتعديل الدستور
وقد كشف أردوغان عن رغبته بشكل علني في تغيير الدستور الحالي أمام البرلمان في افتتاح دورته الجديدة يوم 1 أكتوبر، حيث دعا الأحزاب السياسية إلى كتابة دستور جديد يدعي أنه سيساهم في التغيير ويساعد على التخلص من إرث الانقلابات، مشيراً إلى أن الدستور الحالي تم تعديله أكثر من 20 مرة حتى أصبح مترهلاً على حد قوله.
ورغم دعواته للحوار والنقاش حول تغيير الدستور، هاجم الرئيس التركي المعارضة التي ترفض عملية التغيير، ويتهمهم بأنهم يقبلون العيش في ظل دستور انقلاب، وللمفارقة فإن المعارضة أيضاً تريد كتابة دستور جديد للبلاد لكن في التفاصيل يسكن الشيطان، حيث من المتوقع أن تكون هناك خلافات كبيرة بين الحزب الحاكم والمعارضة بسبب بعض البنود المهمة مثل ما يتعلق بالهوية والمرجعية الإسلامية ومسألة الحجاب وصلاحيات الرئيس وشكل الدولة بين النظامين الرئاسي والبرلماني والمخاوف من أن يكون التغيير هدفه تكريس سلطات الرجل الأوحد، إضافة إلى الموقف من القضية الكردية.
هذا ما يريده أردوغان
في هذا السياق، يقول محمد أمين كليج الباحث التركي، في تصريح لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن مسألة تغيير الدستور نستطيع القول إنها طلب ورغبة مترسخة لدى أردوغان، الذي يحاول ويطلب منذ سنوات تغييره، بل ولديه قناعة بأنه يجب تغييره ويزعم أن ذلك للتخلص من دستور الانقلاب أي دستور 1982، ولمح إلى ذلك قبل انتخابات الرئاسية الأخيرة وقبل سنة كذلك اقترح نفس الأمر، لكن أعتقد أنه لم يجد قبولاً من الشارع التركي.
وأضاف كليج أن المعارضة بدورها لا تتفائل بأنه سيغير الدستور إلى دستور أفضل، فتصرفات أردوغان مجربة لأكثر من عقدين، وتوسيعه لسلطاته وممارساته في السلطة كانت أسوأ من الدستور الذي وضع بعد الانقلاب، بل إنه خلق حالة غير مسبوقة من الانقسام في تاريخ البلاد وقد حولها إلى قطبين متخالفين لا يمكن أن يجتمعا، لقد فرق بين الشعب وبين اليمين واليسار وبين الجميع.
ويجزم الباحث التركي أن أردوغان لن يستطيع تغيير الدستور وحده وليس لديه قناعة بأن الشعب سيقبل، ولهذا فهو عندما يتحدث يدعو للحوار والحديث بما في ذلك مع حزب الشعوب الديمقراطي المناصر لقضايا الأقليات، وهذا يعود إلى أنه يدرك أنه دون محاورة الحزب لن يتم تغيير الدستور، ولن يحدث ما يريد إلا بموافقة جميع أطراف الشعب.
أردوغان وولايات رئاسية جديدة
ويلفت الباحث التركي إلى أمر في غاية الأهمية، وهو أن محاولة أردوغان لتغيير الدستور من شأنها أن تفتح له الباب أمام الترشح مجدداً للرئاسة، وهذا أمر مؤكد بأنه يريد أن يبقى في منصبه لفترات عديدة، في حين أن الدستور الحالي يجعل ولايته الحالية هي الأخيرة، مؤكداً أن هذا هو الغرض والهدف الأهم من هذا التغيير.
ويرى أن أردوغان إذا أراد الترشح في إطار الدستور الحالي يستطيع أن يجد مخرجاً لا سيما أنه لا يطبقه من الأساس، لكن إن تم تغيير الدستور فإن هذا سيفسح له المجال على نحو يجعله يترشح مجدداً للرئاسة دون أن يدخل في أي مجادلات تتعلق بدستورية ترشحه، مشدداً على أن أردوغان نفسه قال إنه غير مجبر على تطبيق الدستور في المرات القادمة، وهذا يكشف أنه ببساطة ديكتاتور.
وفي ختام تصريحاته، قال كليج أن الشارع التركي والمعارضة ترفض تغيير الدستور، لأن أردوغان خرج عن الخط الذي أسس عليه حزب العدالة والتنمية، فالمؤسسين الأول يؤكدون أن المواد التي تأسس عليه الحزب لا يطبقها أردوغان، بل إنه أضاع كل هذا لحساب التحالف مع حزب الحركة القومية المتطرف، والحزب الأخير أصبح بالفعل رجاله هم الحكام الفعليين، فجميع مؤسسي حزب العدالة والتنمية ليسوا في الحكم الآن، فقط أردوغان وحده الذي يوجد في حكم البلاد من المؤسسين.
ووفقاَ للإجراءات المتبعة في تركيا، فإنه لوضع دستور جديد يتطلب الأمر موافقة 400 نائباً من أجمالي أعضاء البرلمان الـ 600، بينما سيكون الرئيس التركي بحاجة إلى موافقة 360 نائباً ليتم إحالته إلى الاستفتاء الشعبي، وبينما الحزب الحاكم وحليفه الحركة القومية لديهما 320 مقعداً برلمانياً، فإن هذا التحالف سيكون بحاجة إلى 40 صوت من المعارضة في معركة الدستور.
قضايا وإشكاليات في تغيير الدستور
بدوره، يقول مصطفى صلاح الباحث في الشأن التركي، لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إنه من الصحيح أن مسألة تغيير الدستور في تركيا مطلب مشترك سواء من قبل الرئيس التركي أو المعارضة، لكن أظن أن الخلافات بينهما كبيرة حول شكل الدستور، لدرجة أن المعارضة أحياناً ترفض مسألة تعديل أو تغيير الدستور، حتى أن أردوغان هاجمهم واتهمهم بأنهم يريدون العيش في إطار دستور صنعه الانقلابيون.
وأوضح صلاح أن المعارضة التركية تريد كتابة دستور جديد يخلق حالة من التوافق ويبعد عن البلاد شبح الاستقطاب والانقسام، وانعكاساً لذلك، فإن المعارضة تريد تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية في الدستور الجديد إن لم تكن هناك إمكانية للعودة إلى النظام البرلماني، مشيراً إلى أن أردوغان سبق وعدل الدستور بعد انتقاله إلى منصب رئيس الجمهورية من نظام برلماني إلى نظام رئاسي.
ويلفت الباحث المصري في الشأن التركي إلى أن المكون الكردي هو الآخر يبحث عن مكان له في الدستور الجديد إن كتب، فيجب أن يأتي الدستور متضمناً مجموعة من الحقوق السياسية والثقافية للكرد، لا سيما أن تجربة القمع والانتهاكات التي اتبعها النظام التركي ضد الكرد لم تؤدي إلى أي شيء سوى مزيد من الاحتقان في الأوساط الكردية والغضب والانقسام.
أما عما إذا كان الدستور الجديد سيكون بمثابة ورقة جديدة يلعب بها أردوغان من أجل الترشح للرئاسة مجدداً في ظل أن الدستور الحالي جعل ولايته الحالية الأخيرة، يقول “صلاح” إن أردوغان إن فعل ذلك فسيكون الأمر انتحاراً سياسياً له ولحزبه العدالة والتنمية، لا سيما أن نسبة الشباب في المجتمع التركي تتزايد ولن يكونوا متحمسين لأن يحكمهم رئيس بهذا العمر.
وأضاف، في ختام تصريحاته، أنه لا يتصور أنه ستتم الموافقة على دستور جديد يضمن استمرار أردوغان لولايات جديدة، أو يمنح الرئيس سلطات واسعة، لا سيما أنه في هذه الحالة سيكون حزب العدالة والتنمية وحلفائه بحاجة إلى أصوات 40 من أعضاء البرلمان من أوساط المعارضة للموافقة على الدستور الجديد وطرحه للاستفتاء العام من قبل الشعب.
ويعود تاريخ الحياة الدستورية في تركيا إلى القرن التاسع عشر، وقد شهد القرن العشرون عديداً من الدساتير كان أبرزهم الدستور الذي وضع عام 1921 خلال ما عرف بـ”حرب الاستقلال” مصطفى كمال أتاتورك، ثم صدر دستور آخر عام 1924 وعام 1961 وعام 1982، والأخير عدله أردوغان عام 2017 ليحول البلاد من النظام البرلماني للرئاسي والذي رفضته المعارضة التي ترى أنه إذا كان هناك تغييراً للدستور فيجب أن يكون بالعودة مرة أخرى للنظام البرلماني.