الاستثمار بالأزمات.. أردوغان يندد بقصف غزة ويستهدف البنى التحتية شمال سوريا

أعادت تصريحات الرئيس التركي رجب أردوغان مؤخراً، بشأن عدم مشروعية استهداف البنى التحتية في قطاع غزة من قبل إسرائيل، التذكير مجدداً بمحاولاته المتكررة على مدى العقدين الماضيين للاستثمار بالقضية الفلسطينية لتحقيق مكاسب سياسية داخلياً بالدرجة الأولى وخارجياً عبر العمل على إظهار نفسه على أنه المدافع عن حقوق المسلمين.

وكان أردوغان قد قال يوم الأربعاء الماضي في تصريحات إعلامية، إن أي حرب تعتمد على قطع الماء والكهرباء والطرق والتدمير تسمى “مجازر”، في إشارة للقصف الإسرائيلي بقطاع غزة وإعلان تل أبيب قطع الموارد الحيوية عن غزة، وذلك بالتزامن مع استمرار الطائرات الحربية والمسيرة والمدفعية التركية باستهداف المرافق الحيوية ومنشآت البنية التحتية بشمال وشرق سوريا منذ الرابع من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري.

دائرة العلاقات الخارجية بالإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، قالت في بيان تعليقاً على تصريحات أردوغان، إنه وسط استمرار اعتداءات تركيا على شعوب المنطقة ومؤسساتها والبنى التحتية والمدنيين، يخرج أردوغان للحديث بشكل بعيد عن الواقع وبكلام ساذج بعيد عن أدنى معايير الصدق، في إطار مساعيه لاستثمار الأحداث والتطورات بغرض التستر على سياساته الداخلية، مضيفةً أن خطابه عبر نظريات خادعة للرأي العام ونفاقه السياسي دليل على تخبطه السياسي العميق ومحاولته استثمار المشاعر العربية والإسلامية لمصالحه الشخصية والحزبية.

فظائع تركية بالشمال السوري

وبحسب البيان، فإن تصريحات أردوغان بشأن قطع الكهرباء والوضع الإنساني في غزة نفاق واضح وإدانة لنفسه، كونه يمارس ما هو أفظع من ذلك خصوصاً بمناطق شمال وشرق سوريا، داعياً إلى تفعيل آلية محاسبة دولية حول المجازر التي يرتكبها وتقديم الجناة للعدالة، على غرار ما فعلت المحكمة الدولية مع الرئيس اليوغوسلافي السابق سلوبودان ميلوسيفيتش بشأن ارتكاب إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية في حروب البوسنة وكرواتيا وكوسوفو، وغيره ممن تمت محاكمتهم دولياً على جرائمهم.

وطالبت دائرة العلاقات الخارجية المؤسسات الحقوقية والإنسانية الأممية ولجان تقصي الحقائق للعمل على فتح تحقيق شفاف ومحايد بشأن مجازر وانتهاكات تركيا ضد شعوب شمال وشرق سوريا، مشيرةً إلى أن ممارسات تركيا من احتلال الشمال السوري وعمليات التغيير الديمغرافي ودعم الإرهاب هي جرائم حرب متكاملة.

تقلب واستثمار بالأزمات

الكاتب والباحث السياسي حسين عمر قال في تصريحات لمنصة تارجيت: “إن أردوغان يستثمر في كل شيء وهذه ليست المرة الأولى التي يستثمر فيها بالقضية الفلسطينية عندما يكون هناك تصعيد من قبل جهة من الجهات في إسرائيل أو فلسطين، ومثال ذلك ما فعله خلال مؤتمر “دافوس” قبل عدة سنوات، وحينها ارتفعت أسهمه بين العرب والمسلمين والفلسطينيين على وجه الخصوص بشكل كبير، لأنه استطاع أن يخلق جو من الوهم بإقناع العرب والمسلمين والفلسطينيين أنه يدافع عن القضية الفلسطينية، وحتى بعد تلك الحادثة لم يقطع علاقاته وخاصة الاقتصادية مع إسرائيل، وحتى بعد سحب سفيره من إسرائيل ازدادت عملية التبادل التجاري معها بشكل تصاعدي”.

ويضيف عمر، “أنه عندما حلت الأزمة الاقتصادية بتركيا كان هناك حاجة من قبل أردوغان أن يغير هذه السياسة وبدأ إعادة العلاقات مع إسرائيل مقابل تخفيف علاقاته مع الفلسطينيين حتى تم طرد قيادات من حماس والجهاد الإسلامي من تركيا، لكن بعد اندلاع الأحداث الأخيرة ومن أجل الاستثمار فيها بدأ بإصدار الكثير من التصريحات، لكي يبين بأنه يدافع عن الفلسطينيين، لكن حتى اللحظة ليس هناك أي جهد تركي لمساعدتهم، حيث أن غزة تباد وحماس في وضع صعب، وأردوغان يدعو للتهدئة من جهة ويتصل بالإسرائيليين من جهة أخرى ولم يسحب سفيره حتى الآن، بل أن كل ما يريده أردوغان خلال هذه الحرب هو إعادة صورته المهزوزة في نظر العرب والمسلمين بعد إعادة علاقاته مع إسرائيل والنظام السوري وتقويتها مع إيران.

وتأتي تصريحات أردوغان، في وقت لا تزال الطائرات الحربية والمسيرة والمدفعية التركية تقصف منشآت البنية التحتية في شمال وشرق سوريا، بما في ذلك محطات الكهرباء والمياه وحقول نفطية بينها محطة غاز السويدية ومحطة كهرباء السويدية بريف المالكية/ ديرك التي تغذي أغلب المنطقة بالكهرباء، وسط استمرار الصمت الدولي حيال ذلك.

وبحسب عمر، فإن هناك عدم وضوح في الرؤية لدى شركاء قوات سوريا الديمقراطية، والولايات المتحدة هي التي لديها قرار إمكانية إيقاف الهجمات التركية بشمال وشرق سوريا أو السماح لها، وليس هناك قوة غيرها قادرة على ذلك لأنها الحليف الاستراتيجي وشريك تركيا في حلف “الناتو”، وعليه فليس من المعقول أن يقدم أردوغان على هذه الهجمات دون أن يكون لأمريكا دور أو موقف في ذلك، لافتاً إلى أن أردوغان يعتبر أن المنطقة لن يكون لها تأثير على الرأي العام العالمي إذا لم تصعد الولايات المتحدة بمواجهة تركيا ليس عسكرياً وإنما دبلوماسياً وسياسياً، حيث أن روسيا لا يهمها الموضوع وتعتبر قسد حلفاء لأمريكا وكذلك إيران والنظام السوري، كما أن العرب لا يريدون الدخول في هذه المعمعة، وعليه فإن الإزدواجية مبنية على السكوت الأمريكي بالدرجة الأولى

ويشدد، أن النظام التركي يقتل الكرد ويقصف شمال وشرق سوريا ويحتل أراض سورية منذ أكثر من عشر سنوات، ويتباكى على جهات أخرى، مؤكداً أنه لولا السكوت الأمريكي الروسي على جرائم الحرب التي ترتكبها تركيا بشمال وشرق سوريا لما كان هناك أي تحرك تركي، فأردوغان لا يردعه إلى القوة وليس المقصود القوة العسكرية بل الموقف الدبلوماسي الأمريكي، لكن ذلك لم يحصل وهذا يدخل في مجال عدم مصداقية الولايات المتحدة مع قوات سوريا الديمقراطية.

ويشير، إلى أن الولايات المتحدة هي التي تسمح لأردوغان بالهجوم على المنطقة، والتصريحات الأمريكية خلال الهجمات الأخيرة دلت على هذه النقطة، وأن لدى واشنطن خبر مسبق بهذه الهجمات، معرباً عن اعتقاده بأن يكون هناك خطوات تصعيدية من قبل تركيا خاصة في ظل الحرب بين إسرائيل وحماس وستحاول ضرب البنى التحتية ومواقع قسد ومن غير المستبعد الإقدام على هجوم بري ولن تفعل الولايات المتحدة شيء حيال ذلك، وقد تنسحب أو ستبقى في مناطق معينة، كما أن النفوذ الأمريكي ليس بالمستوى الذي كان سابقاً خاصةً بعد أحداث دير الزور، حيث أن لدي شكوك بأن للولايات المتحدة بشكل أو بآخر يد بهذه الأحداث، معتبراً أنه رغم أن الدعم كان من جهات أخرى إلا أن واشنطن لعبت دوراً سلبياً ما دفع بالكثيرين للالتحاق بالقوات التي تمردت ظناً منها أن التحالف سيساندها لأن نبرته حينها لم تكن واضحة.

يذكر، أن أردوغان كان قد أعاد قبل أشهر تطبيع علاقاته مع إسرائيل وزار الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ أنقرة وجرى تبادل السفراء، وطالب أغلب قادة حركة حماس والجهاد المتواجدين في تركيا بمغادرتها كأحد الخطوات لإرضاء تل أبيب، وذلك بعد أن قال في عام 2016 إن إسرائيل بحاجة إلى بلد مثل تركيا في المنطقة، وعلينا أيضاً القبول بحقيقة أننا نحن أيضاً بحاجة لإسرائيل”.

قد يعجبك ايضا