تقارير أمريكية: ضربات تركيا على شمال شرق سوريا توتر علاقاتها مع واشنطن

سلط تقرير حديث لوكالة بلومبيرج الأمريكية الضوء على تبعات الضربات التركية المكثفة التي تقوم بها أنقرة على مدار الأيام الماضية باتجاه شمال شرق سوريا، وكذلك شمال العراق، إذ أكدت أن تلك الضربات توتر العلاقات بين أنقرة وواشنطن، لا سيما أن قوات سوريا الديمقراطية المستهدفة لعبت دوراً رئيسياً وحاسماً في الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لهزيمة تنظيم “داعش” الإرهابي.

إلى جانب ذلك، فإن القوات الأمريكية في سوريا أسقطت ولأول مرة مسيرة تابعة لتركيا شريكتها في حلف شمال الأطلسي “الناتو”، إذ كانت المسيرة تنفذ أحد الاعتداءات في شمال شرق سوريا بالقرب من تمركز القوات الأمريكية، حيث أثارت الواقعة تكهنات بشأن توتر جديد بين البلدين، لا سيما وأن رئيس حزب الحركة القومية دولت بهتشالي الحليف الرئيسي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان ربما يكون لديه ردات فعل غاضبة.

طلب تركي مثير من واشنطن

وضمن تفاصيل تقريرها، ذكرت وكالة “بلومبيرج” أن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أجرى اتصالاً هاتفياً بنظيره الأمريكي أنتوني بلينكن في أعقاب الضربات، إذ طلب “فيدان” بشكل واضح وصريح من واشنطن وقف التنسيق والتعامل مع قوات سوريا الديمقراطية، وأنه لا يجب أن يكون عمل القوات الأمريكية في سوريا معيقاً للعمليات العسكرية التي يقوم بها النظام التركي في إشارة إلى المسيرة التركية التي أسقطت.

ولفتت الوكالة إلى أن وزير الخارجية الأمريكي بدوره حذر أنقرة من مغبة أن تشكل العمليات التركية خطورة على أرواح الجنود الأمريكيين في الأراضي السورية، مشيرة كذلك إلى أن تركيا لا تزال تؤخر ورقة انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي “الناتو”، وهو الملف الذي لطالما ربطته أنقرة بمجموعة من الضغوط والمطالب المقدمة إلى ستوكهولم بشأن المكونات الكردية التي تعيش لديها.

هذا هو موقف أمريكا

وتعليقاً على الطلب التركي، أكد الإعلامي والمحلل السياسي الأمريكي الدكتور عاطف عبدالجواد، في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية، أنه ليست هذه المرة الأولى التي تطلب فيها تركيا من الولايات المتحدة قطع علاقاتها مع قوات سوريا الديمقراطية، معرباً عن اعتقاده بأن واشنطن لن تستجيب لهذا الطلب لا سيما أن قوات سوريا الديمقراطية ساهمت في تحقيق بعض الأهداف الأمريكية كاعتقال مقاتلي “داعش” وحراستهم في السجون.

وأضاف “عبدالجواد” أن الأتراك يعتبرون قوات سوريا الديمقراطية جزءاً من حزب العمال الكردستاني الذي تعتبره أنقره جماعة إرهابية، بينما الولايات المتحدة التي تصنف الحزب كجماعة إرهابية هي الأخرى فإنها تميز بين الحزب وبين قوات سوريا الديمقراطية، وهنا تختلف رؤية البلدين بشأن ما يمكن تصنيفه بأنه إرهاب.

وأكد الإعلامي الأمريكي أن هذه القضية – أي الموقف من قوات سوريا الديمقراطية – تعد إحدى قضايا الخلافات بين البلدين منذ فترة طويلة وحتى الآن، ولكن واشنطن تقول إنها تتعاون مع تركيا في المجالات التي يمكن التعاون فيها بغض النظر عن أوجه الخلافات، مدللاً على ذلك بأن آخر هذه الخلافات كانت رفض تركيا السماح للسويد بالانضمام إلى حلف الناتو، لكن واشنطن وافقت على تزويد تركيا بطائرات إف 16 كثمن لموافقة أنقرة التي لا تزال معلقة بموافقة البرلمان.

رسالة تحذير أمريكية

في سياق متصل، تقول مجلة “ألمونيتور” الأمريكية المعنية بشؤون الشرق الأوسط إن الهجوم الذي استهدف مقراً أمنياً تابعاً لوزارة الداخلية التركية في العاصمة أنقرة أتى كأحدث مبرر للرئيس التركي من أجل المضي قدماً في خطته بإقامة منطقة آمنة بعمق 30 كلم على طول الحدود ليس مع سوريا فقط بل ومع العراق، بعد تنفيذه عشرات الضربات الجوية.

ورأت المجلة أن إسقاط القوات الأمريكية للمسيرة التركية في شمال شرق سوريا يضعف إمكانية قيام أنقرة بعملية برية في تلك المناطق، في إشارة من المجلة إلى أن إسقاط الطائرة كان بمثابة رسالة تحذير، لافتة إلى أن قائد قوات سوريا الديمقراطية السيد مظلوم عبدي نفى مزاعم النظام التركي بأن يكون منفذي هجوم أنقرة قد مروا عبر الأراضي السورية، وأن الأتراك يبحثون عن ذرائع لإضفاء الشرعية على هجومهم على مناطق الإدارة الذاتية التي يقودها الكرد في شمال وشرق سوريا.

وبينما قالت وكالة “بلومبيرج” إن أنقرة طلبت من واشنطن وقف التعامل مع قوات سوريا الديمقراطية، فإن “ألمونيتور” تضيف إلى واشنطن روسيا، إذ أكدت أن النظام التركي يعول على الضغوط الروسية والأمريكية للتأثير على نفوذ قوات “قسد”، مؤكدة كذلك أن الدولتين أبدتا خلال الفترة الماضية المعارضة لأي تحركات عسكرية تركية يمكن أن تغير الوضع على الأرض في الوقت الحالي.

وأكدت “ألمونيور” أن سوريا هي النقطة الأساسية للتوترات المحتملة بين تركيا والولايات المتحدة، إذ تصر أنقرة على أن واشنطن يجب أن تقطع دعمها لقوات قسد، لكن المجلة تؤكد كذلك أن إنهاء التعاون مع قوات سوريا الديمقراطية يمكن أن يُقوّض الوجود العسكري الأمريكي المستمر في شمال شرق سوريا.

موقف ضبابي

بدوره، يقول نعمان أبوعيسى القيادي بالحزب الديمقراطي الأمريكي، في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن العلاقات الأمريكية – التركية وإمكانية حدوث توترات بينهما أو كذلك تغيير واشنطن موقفها من قوات سوريا الديمقراطية كاستجابة لتركيا موضوع ضبابي، لأن الأتراك والأمريكيين كلاً منهما بحاجة للآخر خارج سوريا.

واستبعد “أبوعيسى” أن تقدم واشنطن على خطوة الابتعاد عن الكرد في سوريا، لأن علاقة الولايات المتحدة مع الكرد سواء في سوريا أو العراق علاقات استراتيجية، وفي الوقت ذاته فإن واشنطن وأنقرة تعملان كذلك على التنسيق معاً لتحقيق مصالحهم المتضاربة في سوريا بعض الأحيان.

قد يعجبك ايضا