تكثف تركيا وقوات حكومة دمشق بشكل متزامن قصفهما على مناطق بشمال وشرق وشمال غرب سوريا، في قصف قد يكون الأعنف ويستهدف فيه الاحتلال التركي بشكل أساسي المنازل السكنية والمنشآت الحيوية المدنية ومرافق البنية التحتية من طاقة وكهرباء ومياه وغيرها بعد أن أعلن وزير خارجتيه حقان فيدان أن هذه المنشآت أصبحت أهدافاً عسكرية للجيش التركي.
في شمال وشرق سوريا، استهدفت تركيا خلال الأيام الماضية، العشرات من منشآت البنية التحتية الأساسية، بما في ذلك محطة الغاز في السويدية ومنشأة السويدية لتوليد الكهرباء اللتين تؤمنان الغاز والكهرباء لأغلب المنطقة، وشركة عودة للنفط بريف القحطانية/ تربة سبيه، ومحطة توليد الكهرباء بالقامشلي وصوامع للحبوب بمدينة عامودا، ومحطة تصفية المياه بمنطقة مشيرفة الحمة شمالي الحسكة التي تستخدم لتصفية مياه محطة علوك قبل توزيعها على أحياء مدينة الحسكة، وغير ذلك العديد من المنشآت الحيوية المدنية، ناهيكم عن قصفها الوحشي لأكاديمية مكافحة المخدرات في ديريك مخلفة 29 شهيداً و28 جصاياً من قوات الأسايش.
استهداف منشآت البنية التحتية
الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، كشفت أن الاحتلال التركي استهدف منذ بدء هجومه العنيف على المنطقة عبر الطائرات المسيرة والقصف البري أكثر من 50 منشأة بين حقول نفطية ومحطات للكهرباء والمياه ومشافي ومراكز صحية ومدارس وصوامع للحبوب بمناطق متفرقة بدءاً من منبج وريفها غرباً وصولاً إلى المالكية/ ديرك شرقاً، ما أدى لخروجها عن الخدمة بشكل كامل.
ومن جانبه، قال مكتب الطاقة في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا في بيان، إن حجم الأضرار الناجمة عن القصف التركي على المنطقة بلغت أكثر من 34 مليون دولار، مضيفاً الهجمات التركية طالت محطة السد الغربي بمدينة الحسكة ما أدى لخروجها عن الخدمة، إلى جانب تعطل محولات القدرة الرئيسية والمحولات المساعدة ومحولات التيار والتوتر مانعات الصواعق والقاطع الآلي في محطة القامشلي الشمالية وانقطاع الكهرباء عن خط الصوامع الخدمي لمطحنة الجزيرة وخط محطة مياه جقجق بسبب القصف، مشيراً في الوقت نفسه إلى الأضرار الكبيرة التي لحقت بمحولات التيار الكهربائي في ناحية عامودا والقحطانية/ تربه سبيه، وتدمير محطة السويدية بريف المالكية بالكامل وخروجها عن الخدمة
آلاف الطلاب دون تعليم
بدورها، أكدت هيئة التربية والتعليم في الإدارة الذاتية، أن 36 مدرسة في شمال وشرق سوريا تعرضت للقصف من قبل الطائرات المسيرة التابعة للاحتلال التركي، ما أدى لتضررها وحرمان أكثر من 5000 تلميذ وطالب من حقهم في التعليم.
دائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، قالت في مؤتمر صحفي تعليقاً على التصعيد التركي، إن تركيا تستهدف منذ الرابع من الشهر الجاري منشآت حيوية ومحطات نفط وكهرباء ومشافي ومحطات مياه دون أي رادع أخلاقي، في حرب هي انتقام لتنظيم داعش وتهدف لعرقلة جهود محاربة الإرهاب ومحاولة الكذب للرأي العام التركي وتوجيهه نحو مخاطر افتراضية، ما يعتبر جريمة حرب بموجب القاعدة السابعة من القانون الدولي الإنساني وبمقتضى المادتين 48 و54 من بروتوكول اتفاقيات جنيف عام 1949، التي تمنع استهداف سبل وموارد العيش من كهرباء وماء وبترول وموارد طاقة وغيرها.
تسابق إقليمي للحصول على مكاسب
عضو المجلس العام في حزب سوريا المستقبل محمد بيرم، قال في تصريحات لمنصة تارجيت: “إن تركيا ترتكب جرائم ضد الشعب الكردي لأن هذا الشعب يقود إلى جانب إخوانه من العرب والشركس والسريان والشيشان والكلدان والمكونات الأخرى، مشروعاً ديمقراطياً، الغزو التركي منذ عدة أيام على المنطقة هو نتيجة انسداد جميع الأفق السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والاجتماعية أمام حكومة أردوغان، الذي يريد تصدير الأزمات خارج الجغرافيا التركية، متحججاً بالعملية التي استهدفت وزارة الداخلية التركية بأنقرة في الافتتاحية السنوية للبرلمان التركي، وبدأ شن هجوم على البنية التحتية للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا مستهدفاً حالة الأمن والاستقرار هناك”.
ويضيف بيرم، “أن تركيا استهدفت البنية التحتية الأساسية من مشافي ومحطات كهرباء ومياه وصوامع الحبوب والمنشآت النفطية وحتى دور العبادة، حيث تثبت هذه الضربات الفشل الذريع الذي منيت به تركيا عندما حاولت إفراغ مناطق شمال وشرق سوريا من سكانها، مشيراً إلى أن الأضرار الناجمة عن هذه الهجمات تقدر بما يتجاوز مليار دولار، ومشدداً في الوقت نفسه على ضرورة جلوس السوريين إلى طاولة الحوار للتوصل لحول لأزمتهم بعيداً عن أجندات خارجية ولقطع الطريق على كل الأطماع الإقليمية والدولية، حيث أن هناك صراع إقليمي ودولي للحصول على نصيب من الكعكة السورية مع انتهاء مئوية معاهدة “لوزان” واتفاقية “سايكس بيكو”.
وبموازاة ذلك، تشن قوات حكومة دمشق قصفاً عنيفاً جوياً وبرياً على إدلب وريفها ومناطق بريف حلب الغربي مستهدفة المنازل السكنية ومواقع للفصائل المسلحة، ما أسفر حتى الآن عن مقتل وإصابة عشرات المدنيين، في قصف هو الأعنف الذي يستهدف المنطقة ويأتي رداً على الهجوم بطائرة مسيرة الذي استهدف حفل تخرج لضباط في الكلية الحربية بحمص.
وكانت طائرة مسيرة استهدفت حفل تخرج لضباط في الكلية الحربية بحمص، ما أسفر عن مقتل 123 من مدنيين وعسكريين، دون أن تتبنى أي جهة الهجوم، في حين وجهت حكومة دمشق أصابع الاتهام للفصائل الإرهابية في محافظة إدلب، ونفذت عشرات الغارات الجوية وعمليات القصف المدفعي على المنطقة.
مخاوف من ترتيبات وتسويات
ويثير التصعيد المتزامن من قبل تركيا وحكومة دمشق التساؤلات حول الأهداف في هذا التوقيت، وإمكانية عقد تسويات أو التحضير لترتيبات جديدة بالمنطقة بين الرباعي تركيا وسوريا وإيران وروسيا فيما يتعلق بمناطق النفوذ وخارطة السيطرة وحرف الأنظار عن الأزمات الداخلية، على اعتبار أن مبررات تركيا لاستهداف مناطق شمال وشرق سوريا غير مقنعة بالنسبة لكثير من المحللين، حيث أن من تبنى عملية أنقرة هو حزب العمال الكردستاني ونفت قوات سوريا الديمقراطية مرور المنفذين من سوريا، كما أن كل ذلك لا يبرر استهداف المنشآت المدنية الحيوية ومنشآت البنية التحتية.
في المقابل، يؤكد جميع المحللين أن مسارعة حكومة دمشق لاتهام الفصائل الإرهابية بالمسؤولية عن هجوم حمص غير مقنعة من أجل شن هجمات على إدلب وريفها، حيث أن هذه الفصائل لا تملك طائرات مسيرة يمكنها قطع مسافات كبيرة لاستهداف الكلية الحربية بحمص التي يفترض أنها محصنة أمنياً، كما أنه حتى وإن كانت تملك مثل هذه المسيرات، فإنه لا يمكنها قطع كل هذه المسافة دون أن تلتقطها الرادارات التابعة للحكومة وكل ذلك يشي بوجود مقايضة ما لصمت حكومة دمشق عن العدوان التركي وهجماته شمال وشرق سوريا، مقابل صمت حكومة أنقرة عن قصف ادلب وحلب وأريافهما، وقد تكون الصفقة أعمق من ذلك سيما تحركات الجولاني وهيئة تحرير الشام “جبهة النصرة” للسيطرة شرقاً.
تصدير الأزمات الداخلية
وبحسب أغلب التحليلات، تواجه حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا ضغوط داخلية على خلفية الاختراق الأمني واستهداف مبنى وزارة الداخلية التركية من قبل حزب العمال الكردستاني، سبقه أزمات عديدة ليس أقلها الاقتصادية واستمرار انهيار الليرة وارتفاع التضخم بشكل كبير، رغم تخلي الرئيس التركي رجب أردوغان عن سياسة خفض أسعار الفائدة وما خلفته من انهيار اقتصادي وانسحاب الاستثمارات الأجنبية، كما أن حكومة دمشق تواجه احتقان وغضب شعبي في مناطق سيطرتها على خلفية الأزمة الاقتصادية والمعيشية، واستمرار الاحتجاجات الشعبية المناهضة لها بالسويداء جنوبي البلاد وازدياد زخمها وارتفاع سقف مطالبها، في ظل تعرقل مسارات التطبيع معها، والإعلان عن محاكمات دولية لمسؤولين فيها على ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان.