منذ العملية التي استهدفت مبنى وزارة الداخلية التركية قرب مبنى البرلمان التركي مطلع الشهر الجاري، وأسفرت عن إصابة شرطيين بجروح، ومنشآت البنية التحتية الأساسية والمنازل السكنية في شمال وشرق سوريا، هدفاً للقصف والهجمات التركية التي لا تتوقف مخلفةً ضحايا من المدنيين والعسكريين وأضرار كبيرة في هذه المنشآت.
وبعد أيام من الهجمات العنيفة، التي تتزامن مع الذكرى الرابعة لبدء الهجوم العسكري لتركيا والفصائل التابعة لها في منطقتي رأس العين/ سري كانيه وتل أبيض/ كري سبي، كشفت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، أن الهجمات أسفرت عن أضرار كبيرة في منشأة غاز السويدية المسؤولة عن توليد الطاقة الكهربائية لمعظم المنطقة، إلى جانب دمار في كل من محطة توليد الكهرباء بالقامشلي وعامودا ومنشأتين نفطيتين في القحطانية/ تربه سبيه، إضافةً لمحطة الطاقة الكهربائية ومحطة للمياه قرب مدينة الحسكة وغيرها العديد من المنشآت بما في ذلك المراكز الصحية والطبية، مقدرةً الخسائر بأكثر من 60 مليون دولار.
الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، قالت في بيان في اليوم السادس للهجمات التركية على المنطقة، إن 29 عضواً من قوات مكافحة المخدرات فقدوا حياتهم وأصيب 28 آخرون بقصف للاحتلال التركي على مركز مكافحة المخدرات بريف المالكية/ ديرك، وأعلنت الحداد لمدة ثلاثة أيام على أرواح الضحايا، معتبرةً أن استمرار صمت المجتمع الدولي على هذه الهجمات يعتبر دعماً مباشراً لتركيا، وذلك قبل ساعات من إصابة 5 من العاملات في قطاف القطن بقصف تركي على أحد مزارع القطن بريف الدرباسية.
مخالفة القوانين الدولية
ورغم أن الهجمات تتعارض مع القانون الدولي الإنساني، الذي يمنع على أي دولة التعدي على حدود دولة أخرى وتنفيذ هجمات داخل أراضيها وتخالف القوانين التي تنظم العلاقات بين الدول، إلا أن هناك صمت دولي مطبق إزاء هذه الهجمات التي تتكرر منذ بدء احتلال الباب وجرابلس عام 2016، وما ينتج عنها من سقوط ضحايا ودمار بالنية التحتية وتهجير السكان الأصليين تمهيداً لعمليات تغيير ديمغرافي وثقت منظمات حقوقية البدء بتنفيذها بمناطق متفرقة من الشمال السوري.
القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، قال في منشور على منصة “إكس”، إن تدمير تركيا للبنية التحتية في شمال وشرق سوريا يرقى إلى جرائم حرب، مضيفاً أن الهجمات التركية الأخيرة استهدفت بشكل مباشر جهود وقدرات الإدارة الذاتية لشل الحياة المدنية، في استهداف للجهود الدولية وعمل منظمات المجتمع المدني والمؤسسات المدنية التي عملت على ترسيخ الاستقرار وخدمة السكان بعد هزيمة تنظيم داعش الإرهابي.
وبحسب عبدي، فإن تركيا قصفت خلال ثلاثة أيام مناطق شمال وشرق سوريا أكثر من 145 موقعاً شملت محطات كهرباء ومياه وطاقة ومشافي ومدارس ومنشآت نفطية وغيرها، ما يرقى إلى جرائم حرب”.
الحقول النفطية
لكن الملفت في القصف التركي المكثف، هو التركيز بالدرجة الأولى على حقول النفط، حيث تعرضت حقول “عودة وكرداهوك في القحطانية وتقل وبقل وقره تشوك” في ريف المالكية، لعدة غارات بطائرات مسيرة وحربية، أدت لأضرار كبيرة فيها، ما ينذر بشح المحروقات مع اقتراب فصل الشتاء وما يتبع ذلك مع تعطل للآليات ووسائل النقل ومحركات توليد الطاقة الكهربائية التي تعمل جميعها بالديزل، إلى جانب انقطاع التيار الكهربائي بعد استهداف محطات التوليد وتوقيف شبه تام لمحطات التوليد المقامة على السدود في ظل انخفاض مناسيب الأنهار بعد حبس تركيا نفسها حصة سوريا من المياه المشتركة.
ومن جانبها، أصدرت 152 منظمة إنسانية وحقوقية في سوريا بينها تحالف منظمات المجتمع المدني بشمال وشرق سويا وسوريون من أجل الحقيقة والعدالة ومنظمة عفرين لحقوق الإنسان” بياناً أعربت فيه عن استنكارها لاستهداف تركيا للمناطق الآهلة بالسكان ومحطات الكهرباء والمنشآت النفطية والمرافق الحيوية التي لا غنى عنها، محذرةً المجتمع الدولي من أن هذه الهجمات ستفاقم الأزمة الإنسانية للسكان ومطالبة الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بالتدخل لوقفها، ومحذرةً في الوقت نفسه من أن قصف القوات الروسية وقوات حكومة دمشق على المناطق الآهلة بالسكان شمال غربي البلاد، يخالف المبادئ الأساسية للقانون الدولي الإنساني ويشكل انتهاكاً لقوانين النزاع المسلح التي تحظر الهجمات ضد المدنيين.
ورغم أن الهجمات التركية على المنطقة لم تتوقف منذ احتلال جرابلس والباب وعفرين، إلا أنه ينظر إلى الهجمات الأخيرة إلى جانب كثافتها وعنفها أنها تستهدف سبل عيش الناس، فيما يمكن تسميته بحسب محللين بحرب التجويع والحصار وتضييق سبل العيش من أجل فرض واقع معين، ينساق في إطار مشاريع الاحتلال والتغيير الديمغرافي التي بدأت في عفرين ورأس العين وتل أبيض.
وسبق التصعيد الأخير انتشار لـ”هيئة تحرير الشام” الإرهابية في مناطق ريفي منبج والباب بريف حلب وسيطرتها على عدة مناطق هناك، في مناطق سيطرة الفصائل المسلحة التابعة لتركيا أو ما يسمى بـ”الجيش الوطني”، ما يشي ربما بسيناريوهات تحضر لها أنقرة، في ظل حملة الترحيل غير المسبوقة التي تنفذها بحق اللاجئين السوريين إلى المناطق المحتلة، وتوطينهم هناك حيث وصل عدد المرحلين إلى تلك المناطق سواءً عفرين أو إعزاز ورأس العين وتل أبيض إلى الآلاف بحسب توثيق منظمات حقوقية.