نشرت “رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا” شهادات ووقائع عن انتهاكات وعمليات قتل تتم بحق مرضى ومعتقلين يجري نقلهم من سجون حكومة دمشق إلى المستشفيات العسكرية التابعة لها وعلى رأسها مستشفى “تشرين العسكري” بالعاصمة السورية دمشق، الذي تحوّل بحسب الرابطة إلى “مصنع للموت”.
الرابطة كشفت عبر دراسة أعدتها اعتمدت على 154 مقابلة مع 32 سجيناً سابقاً لدى حكومة دمشق، عن آليات القتل والإخفاء في المشافي العسكرية التابعة لدمشق، وعلى رأسها مستشفى “تشرين”، الذي ينقل إليه بشكل رئيسي المرضى من المعتقلين وجثث موتى قضوا تحت التعذيب على يد الأجهزة الأمنية بحكومة دمشق أو جراء الأوضاع السيئة في السجون، وعلى رأسها سجن صيدنايا “سيء الصيت”.
عمليات قتل ممنهجة
وتؤكد الدراسة نقلاً عن الشهود، حدوث عمليات تصفية للمرضى المعتقلين داخل غرفة في مستشفى “تشرين العسكري” تسمى “الزنزانة”، كما توثق بناءً على شهادات آلية نقل جثث المعتقلين ودفنهم في مقابرَ جماعية، لافتةً إلى أن جميع الأساليب المتبعة بدءاً من السجون وصولاً إلى المستشفيات تعطي تأكيداً على أنها “سياسة متعمّدة” من قبل حكومة دمشق، تتم بتواطؤ مؤسّسات رسمية بما فيها الطبية، كما توضح طرق معاملة المعتقلين عند وصولهم إلى المستشفى ضمن محطات، حيث أن مهمة “مفرزة الشرطة العسكرية” هي استلام الجثث واحتجاز المرضى المعتقلين في “الزنزانة”، في حين توكل مهمة مراقبة العاملين والإشراف على تحميل الجثث ونقلها بسيارات إلى مقابر جماعية إلى “مفرزة المخابرات العسكرية”.
وتشير الرابطة الحقوقية في دراستها، إلى استحداث مغاسل لسيارات نقل الجثث من مستشفى “تشرين” إلى المقابر الجماعية حيث يتم دفنها، ما يدل على أن الممارسات في هذا المستشفى سياسة ممنهجة من قبل السلطات، مع رصد موارد مالية لبناء الأقسام وتنفيذ تلك السياسات، لافتةً إلى أنه طلب من عمال سابقين في مكتب الآليات بمحافظة دمشق، حفر خندق بطول 10 إلى 15 متراً وبعمق أكثر من 3 أمتار في مقبرة نجها الجماعية جنوبي دمشق من أجل هذا الغرض.
أهمية قانونية وجنائية
المحامي والمنسق العام لتجمع مصير أيمن أبو هاشم، قال في تصريحات لمنصة تارجيت الإعلامية: “إن هذا التقرير يكتسب أهمية من عدة نواح على رأسها الأهمية القانونية والجنائية، لأنه يكشف عن كيفية ارتكاب جرائم القتل الطبي الممنهج، ومشاركة الأجهزة الأمنية والأجهزة الرسمية التابعة لوزارة الدفاع مثل الشرطة العسكرية والكادر الطبي والإداري بالمشافي العسكرية في تصفية المرضى والسجناء القادمين من مراكز الاعتقال والاحتجاز، وهذه العملية كما يوضح التقرير تتم من خلال آلية مشتركة تقوم على توزيع المهام والمسؤوليات بين جميع هذه الأجهزة منذ لحظة نقل المعتقل المريض وحتى وهو في طريقه إلى المستشفى، حيث يتعرض لعمليات تعذيب قد تصل أحياناً إلى مفارقة الحياة”.
ويضيف أبو هاشم، “أنه بعد دخوله إلى المستشفى يتم إدخاله إلى “النظارة” ثم إلى الإسعاف حيث يتعرض لعمليات تعذيب واستهداف بهدف تصفيته، وهناك وسائل قتل مختلفة سواءً من خلال التعذيب أو عبر منع الدواء والطعام عنه أو إعطائه أدوية غير مناسبة تؤدي إلى الموت، وبالتالي فيما بعد نقله إلى ما يسمى “المرآب” وهو فعلياً عبارة عن مشرحة يتم من خلالها نقل من يتم تصفيتهم إلى المقابر الجماعية”.
وتقول تقارير حقوقية، إن مستشفى “تشرين العسكري” بالعاصمة السورية دمشق كان منذ تأسيسه في ثمانينيات القرن الماضي، مجهز بكوادر وأجهزة طبية حديثة وبعيد كل البعد عن خرائط التعذيب وتصفية المعارضين، إلى أن حدث استعصاء سجن “صيدنايا” في عام 2008، حيث برز اسمه كمكان لتصفية المعارضين والناشطين المحتجزين في السجن الذين جرى نقلهم إليه جراء عمليات التعذيب بعد الاستعصاء، قبل أن يلقوا حتفهم هناك بعمليات تعذيب أخرى أثناء النقل وفي “زنازين” داخل المستشفى.
وبحسب المنسق العام لتجمع مصير أيمن أبو هاشم، “فإن هذه الدراسة التي تنقل شهادات عن أشخاص لهم دور أساسي أو مطلعين على كل هذه العمليات بحكم أعمالهم سواءً بالمؤسسة العسكرية أو الأمنية أو المشافي العسكرية التي عملوا فيها، تشكّل إفادات حاسمة وقاطعة على وجود آلية قتل منهجية بحق المرضى المعتقلين وهذه جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية، مشدداً على ضرورة استخدام هذه الدراسة في أي مسار قضائي دولي يختص بالقضية السورية، كما يمكن استخدامها في المحاكم الأوروبية التي تتبنى نظام الولاية العالمية، إلى جانب الاستفادة من الشهادات الموجودة بالتقرير كأدلة على مسؤولية مرتكبي مثل هذه الجرائم”.
وتتهم حكومة دمشق باعتقال وتعذيب وتغييب مئات آلاف السوريين من المعارضين لها على مدى أكثر من اثني عشر عاماً من عمر الأزمة السورية، وبعمليات تصفية جماعية للآلاف في السجون جرى توثيق بعضها عبر تسريب الضابط السوري المنشق “قيصر” آلاف الصور، وما تبع ذلك من فرض الولايات المتحدة عقوبات “قيصر” ضد دمشق على خلفية ذلك، وسط مطالبات متكررة من قبل منظمات حقوقية وجهات سورية معارضة بضرورة فتح حكومة دمشق سجونها أمام أعضاء مؤسسة الكشف عن المفقودين والمغيبين التي تم تشكيلها بموجب قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا العام، مع التشديد على أن ملف المعتقلين والمغيبين يبقى الملف الأول الذي يجب حله كمقدمة لأي حل سياسي للأزمة.