ترتفع بين الفينة والأخرى، أصوات مناوئة لممارسات تقوم بها المؤسسات التابعة لتركيا في شمال غرب سوريا، التي تسيطر عليها أنقرة بشكل فعلي عبر مسلحي “الجيش الوطني السوري”، المُمول من قبلها.
فيما بات الموقف التركي واضحاً منذ أكثر من عامين، بأنه يتجه إلى التطبيع مع السلطة في دمشق، ويسعى إلى ذلك بكل ما لديه من قوة، أملاً في تحقيق بعض المكاسب، أبرزها شرعنة وجود قواعد جيشه في شمال غرب سوريا من جهة، ومُحاربة قوات سوريا الديمقراطية بشكل مشترك من جهة ثانية.
وهي معطيات بات يدركها غالب السوريين شمال غرب سوريا، حيث هُجّر السوريون إلى هناك، من مختلف المحافظات السورية الوسطى والجنوبية، خالقةً لديهم المزيد من الامتعاض المُصاحب بالخوف والخشية من صفقة تركية-روسية، يدفعون ثمنها، على شاكلة مُبادلة عفرين بمناطق واسعة من أرياف دمشق وحمص وإدلب وغيرها.
نشطاء حلب يرفعون صوتهم
بالصدد، صَدر بيان منتصف سبتمبر الجاري، من نشطاء وثوار حلب، استنكروا فيها ممارسات الهيمنة التركية في الشمال السوري، وانتقدوا سياسات التتريك الممارسة في شمال حلب.
وجاء في البيان: “قام يوم الجمعة ۱٥ أيلول ۲۰۲۳، عدد من الموظفين الأتراك بالهجوم على مكتب الرقابة والتفتيش التابع لمديرية التربية بالمناطق المحررة، والواقع في الراعي بريف حلب، فأسقطوا اللافتة وداسوا على الكلمات والشعارات المدونة عليها، بما في ذلك علم الثورة، ومن ثم استبدلوا أقفال المكتب من أجل منع الموظفين السوريين الرافضين لهيمنتهم على المؤسسة من الدخول”.
وأكملوا: “إن المتابع لما يجري في الشمال السوري الخاضع لنفوذ تركيا، يعرف أن ما جرى هو حلقة جديدة في مسلسل طويل ومتسارع من التجاوزات والانتهاكات التي تمارس هناك من قبل المسؤولين والموظفين الأتراك، وكذلك أدواتهم وأتباعهم من السوريين، حتى وصلت الأمور اليوم للحد الذي لا يُطاق”.
ونوهوا إلى تعدد أوجه تلك التجاوزات والمُمارسات بما فيها تتريك الشمال السوري، وسياسة كم الأفواه، وزيادة صلاحيات الموظفين الأتراك، والتسامح مع الفساد، والتجاوز المُستمر على كرامة المواطنين وتكرار.
وتابعوا بأن الكثيرين بدأوا ينظرون إلى الوجود التركي في المنطقة باعتباره شكلاً من أشكال الوصاية والانتهاب القسري، بل إن البعض أصبح يراه احتلالاً، لافتين إلى أنهم إصدارهم البيان بدون إرفاقهم بأسماء الموقعين، حرصاً عليهم ولمعرفتهم بأنهم سيواجهون الاعتقال أو حتى الاغتيال.
تشويه الثورة وإجهاضها
وللتعقيب على البيان، ونظرة السوريين في المناطق المحسوبة على أنها معارضة للسلطة في دمشق، قال العميد السوري المنشق زاهر الساكت، في حديث خاص إلى منصة تارجيت: “من سعى بكل جهده لتشويه ثورتنا وتشويهها وإجهاضها، هم الأتراك”.
وكان الساكت يشغل منصب رئيس شعبة الحرب الكيميائية في الفرقة الخامسة في الجيش النظامي السوري، إلا أنه انشق في مارس من العام ألفان وثلاثة عشر، وهو ينحدر من مدينة حلب شمال سوريا، وقرر الانشقاق عقب استخدام السلطة في دمشق، للسلاح الكيماوي.
وأردف الساكت لـ تارجيت: “جعلونا مرتزقة نقاتل في ليبيا، ومرتزقة تقاتل في أذربيجان، أحرجونا إعلامياً، بالإضافة إلى مؤتمر الأستانا الخيانة، وسوتشي العار، كل هذه الأمور تسعى إلى إجهاض ثورتنا، واليوم الأمور واضحة والسياسة التركية تجاه السوريين، عبر ترحيلهم وتهجيرهم وتفكيك أسرهم الذي يجري في تركيا”، مشيراً: “كلنا تمنينا أن ينجح أردوغان في الانتخابات، لأن كمال كليشدار أوغلو طائفي”، مُستفسراً: “لكن ما هو الفرق الآن؟
ونوّه الساكت لـ تارجيت، إلى توافق تركيا مع الروس والإيرانيين، من خلال مؤتمرات الاستانا وسوتشي، وأكمل: “هؤلاء الائتلافيون (في إشارة إلى الائتلاف السوري المعارض)، تم دعمهم من قبل تركيا، وعددهم نحو 8، يتبادلون الطرابيش، سعوا إلى إطالة عمر النظام، ومنهم هادي البحر، بدر جاموس، عبد الأحد اصطيفو، أنس العبدة، عبد الرحمن مصطفى، أحمد الطعمة، نزيه الحكيم”، ووفقاً لـ الساكت، فإن “المطلوب هو إزالة هؤلاء، لتصحيح مسار الثورة، أما بوجودهم وتلقيهم الدعم من تركيا، لن يتغير شيء”.
الأتراك خنجر مسموم
وعقب انشقاق الساكت، تولى إدارة ما عُرف بـ”مركز توثيق الانتهاكات الكيماوية في سوريا”، كما تولى منصب رئاسة المجلس العسكري (المعارض) في حلب، وغادر البلاد فيما بعد.
وأوضح الساكت لـ تارجيت، بأن الأتراك “اختاروا شخصيات مُتسلقة لأجل خدمتها، واختاروا القادة الفاسدين”، مُتهماً الأتراك بأنهم شركاء “الروس القتلة والإيرانيين المجرمين، الذين استجلبوا ثمانين فصيلاً لقتلنا، وهم متوافقون مع الأسد تماماً، وهم (الأتراك) مَن أدخل داعش وجبهة النصرة (إلى سوريا) ومكنوهم، وبعدها ادعوا بأنهم يحاربون الإرهاب، بعد أن وجهوا داعش لذبح الأكراد”.
ولفت إلى أن “المشافي التركية كانت لمُعالجة جرحى داعش عام 2014، في منطقة أورفا”، واستكمل: “الأتراك هم الخنجر المسموم في ظهر الثورة، لأنهم ادعوا بأنهم يقفون مع ثورتنا، وهم مُخادعون”.
كما تطرق للسوريين الذين يقتلون على الحدود وفي الداخل التركي خلال الفترة الحالية، ونوّه إلى أن من يقوم بذلك هي “العصابات، وأمام الشرطة والأمن، فيما يدعي الأتراك الكاذبون أن القتلة من زمرة كمال كليشدار الطائفي، لكن هل المُخابرات ووزارة الداخلية بيد كمال كليشدار؟”.
وختم حديثه لـ تارجيت بالقول: “لو كانت صحتي تساعدني، لكتبت كتاباً كاملاً عن خديعة الأتراك لثورتنا، ولذلك لا أستغرب أن يستهتروا بعلمها الذي قدم مليون شهيد”.
ومعها، يبدو أن الترحيب السابق الذي حظي به الوجود التركي في شمال غرب سوريا، وتسلل للأراضي السورية بذريعة حماية السوريين من استبداد وإجرام السلطة المركزية في دمشق، تلاشى إلى حد كبير، فيما ستتواصل معاناة السوريين ما استمر الوجود العسكري للأتراك.