شهدت الأيام الماضية مجموعة من البيانات التي تبدو بدرجة كبيرة متضاربة من قبل جماعة الإخوان، المصنفة إرهابية في مصر، بشأن الموقف من الانتخابات الرئاسية المصرية التي ستجرى بداية ديسمبر المقبل، ففي وقت أعلن مسؤولون بالتنظيم دعمهم للمرشح الرئاسي المحتمل أحمد الطنطاوي، كان هناك آخرون يصدرون بياناً يرفضون فيه العملية الانتخابية برمتها ويتحدثون عن الحاجة إلى مرحلة انتقالية على نسق خطاب الجماعة التقليدي الممتد منذ 2013.
وشهدت الفترة الماضية خلافات كبيرة داخل جماعة الإخوان بين جبهتين متصارعتين، بحسب مصادر مصرية مطلعة، إحداهما تعرف إعلامياً بـ”جبهة إسطنبول” أو جبهة محمود حسين والتي تعبر عن توجهات الإخوان المقيمين في تركيا وهي أكثر تشدداً، والثانية تسمى “جبهة لندن” والتي كانت تتبع القيادي الإخواني الراحل إبراهيم منير الذي كان يقوم بأعمال المرشد العام للجماعة والتي يقال إنها تقود رؤية إصلاحية تصحيحية.
انقسام داخل الجماعة
في هذا السياق، يقول منير أديب الخبير في شؤون الحركات الإسلامية إنه عند الحديث عن جماعة الإخوان فإننا نتحدث عن أكثر من جماعة، وقد جاء البيان الذي يهاجم العملية الانتخابية ليعبر عن أننا نتحدث عن جبهتين متصارعتين ولكل واحدة قادة وهياكل إدارية، لأن البيان هاجم العملية الانتخابية برمتها وهاجم الدولة المصرية، بينما كان هناك رأي آخر يعلن عن دعم أحمد الطنطاوي المرشح المحتمل لانتخابات الرئاسة المصرية.
وأوضح “أديب”، في اتصال هاتفي لمنصة “تارجيت” الإعلامية، أن مسؤول المكتب السياسي في جبهة إبراهيم منيرحلمي الجزار كان في لقاء نشر على إحدى المنصات الإعلامية وتحدث خلاله عن أن الخلافات داخل الجماعة مجرد خلافات إدارية وقد انحصرت وسوف تنتهي، وفي نفس اللقاء أعلن عن دعم الجماعة للمرشح الرئاسي المحتمل أحمد الطنطاوي، في المقابل، أصدرت جبهة محمود حسين بياناً يؤكد رفض الجماعة التام للعملية الانتخابية وتتحدث عما تسميه “هضم حق الشهداء” وتتمسك بالخصومة مع الدولة.
واعتبر أن هذا البيان جاء لينسف فكرة أن الأمر مجرد خلاف إداري داخل الجماعة، وإنما هو في واقع الأمر خلافاً قوياً وصل إلى حد اتهامات بسرق أموال الجماعة والعمل لخدمة بعض القوى الخارجية.
فيما أكد منير أديب أنه بعيدا عما كشفه هذا البيان من خلافات داخل الإخوان، فإنه يعبر عن نهجها المتواصل فيما يتعلق ببث الشائعات والعمل على زعزعة الثقة بين الدولة المصرية والمواطن، وحتى الجبهتين الإخوانيتين توافقتا في هذا الأمر، لكن لا أتصور أن بيانات الإخوان تعني الكثير بالنسبة للناخب المصري، والأهم كما قلت أنها كشفت حجم الخلاف داخل الجماعة ولهذا قلت أيضاً إننا أمام أكثر من جماعة.
هذا ما يريده الإخوان
في المقابل، يقول أحمد عطا الباحث في منتدى دراسات الشرق الأوسط بلندن، في اتصال هاتفي لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن الموقف الإخواني في وجهة نظره لا يعبر عن أي انقسامات داخل التنظيم أو وجود جبهات متعددة، وإنما يحمل عدة رسائل مختلفة لكنها مغلفة بغلاف واحد وهو رغبة التنظيم الدولي للإخوان في عودة مركزية مكتب إرشاد الجماعة بوجوه جديدة، وثانيا أن يكون تنظيم الإخوان فصيلاً سياسياً وجزءً من المشهد السياسي المصري حتى لو لم يكن له دور.
وأوضح “عطا” أن هذا الطرح لم يتم التقدم به من خلال دول أو قوى دولية، وإنما يأتي في إطار رؤية إصلاحية للدكتور محي الدين الزايط القائم بأعمال الأمين العام للتنظيم الدولي للإخوان في أوروبا والذي جاء خلفاً للراحل إبراهيم منير والذي يقود عملية إصلاحات لرأب الصدع داخل التنظيم، وعينه على مسألة عودة مكتب الإرشاد بطرح رؤية جديدة، وبالتالي أبدى رغبة في أن يكون جزءً من المشهد السياسي المصري في حالة تحقق الالتفاف حول مرشح جديد للانتخابات.
لكن “عطا” يرى أن تنظيم الإخوان بكافة مكوناته لم يتعلم الدرس التاريخي من ثورة يناير، وذلك لأن التركيبة الاجتماعية المصرية قد تغيرت، فقد تواكب على مصر أعمار شبابية مختلفة ليس لها صلة مع المشهد السياسي الذي كان ولم تتفاعل معه، فمن كان طفل أصبح شاباً ومن كان شاباً أصبح رجلاً كبيراً، والتنظيم كان يعمل على استقطاب هذه الفئات العمرية أي الأطفال والشباب من خلال الأسر الخاصة بهم والمساجد وقد قضت الدولة المصرية على هذه الوسيلة لديهم.
وأضاف أنه في هذه الحالة يمكن اعتبار هذا الحديث نوع من جس النبض، وأن هناك من الإخوان من يراقب ويحاول سراً قياس ردود أفعال الشارع المصري تجاه هذا البيان، في ظل رغبته في إعادة مركزية التنظيم ومكتب الإرشاد، لكن هذا الأمر سيواجه برفض كبير من الشارع المصري الذي بات لا يرغب في وجود أي تيار راديكالي سواء كان إخوانياً أو سلفياً أو جهادياً، لأن هذه التيارات أضرت مصر كثيراً سواء سياسياً أو اجتماعياً أو اقتصادياً.
ويأتي الهجوم من قبل “جبهة إسطنبول” ضد الدولة المصرية في وقت تتجه كل من أنقرة والقاهرة إلى مزيد من التقارب وتطبيع العلاقات بعد أكثر من عقد من القطيعة الدبلوماسية بسبب دعم الأولى لتنظيم الإخوان، وبالتالي يأتي بيان الجبهة ليفرض تساؤلات مشروعة عما إذا كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لا يزال يلاعب بهم مصر أو يحتفظ بهم كورقة.
مخطط إخواني وقوى خارجية
من جهته، أعرب عبداللطيف حامد عضو مجلس إدارة مجلة المصور المصرية في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية، عن اعتقاده بأن كلا المخططين مدبران بليل، وليسا وليدي الصدفة كما يتخيل البعض، لأن التنظيم الدولى لجماعة الإخوان الإرهابية يترقب جميع الفرص، وكافة المواقف من أجل الإساءة للدولة المصرية، كما أن قيادات التنظيم لا يتحركون عبثاً ولا يصدرون البيانات عشوائياً، بل هناك تنسيق مستمر بينهم في الخفاء، وتواصل دائم في المكاتب المغلقة حتى وإن ادعوا غير ذلك، على حد قوله.
ويرى “حامد” أن تلك التحركات الإخوانية، تأتي رغبة في إفساد كل نجاح يحققه المصريون شعبا وحكومة، ومن المؤكد أن الانتخابات الرئاسية القادمة تأتى في مرحلة صعبة وفاصلة خصوصا في ظل الظروف العالمية الراهنة وعلى رأسها الحرب الروسية الأوكرانية، وما تبعها من أزمة اقتصادية طاحنة في كل دول العالم ومنها مصر، وبالتالي ستفعل جماعة الإخوان الإرهابية كل ما في وسعها للتشويش علي السباق الانتخابي ومحاولة تشتيت التصويت.
ويقول “حامد” إنه من الواضح أن هناك مؤامرة متفق عليه بين جبهتي الإخوان، سواء من أعلنوا تأييد المرشح المحتمل أحمد الطنطاوي أو من طالبوا بالمقاطعة، لأن الغرض في النهاية يتمثل في استهداف الرئيس عبدالفتاح السيسى أولاً من خلال السعي لتحجيم كتلته التصويتية بأي طريقة، حتى يخرجوا بعد الانتخابات ليقولوا إن شعبيته تراجعت، وثانياً من خلال التشكيك المسبق في النتيجة النهائية.
وأضاف أنه عندما يفوز الرئيس عبدالفتاح السيسى باكتساح كما هو متوقع يكون الاعتراض بحدوث تزوير بدليل كثرة دعوات المقاطعة، واللعب بالصور والفيديوهات المفبركة عن اللجان الانتخابية الخالية، وإذا سقط مرشحهم الطنطاوي يكون الرد الجاهز أيضا هو تورط النظام في تعديل النتائج لصالحه، مع مواصلة مسلسل الأكاذيب والشائعات ضد الدولة المصرية.
وقال الكاتب الصحفي المصري، في ختام تصريحاته لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن قناعته أن الشعب المصري الواعي سيضرب كل مخططات جماعة الإخوان الإرهابية وحلفائها بالداخل والخارج في مقتل، وسيتوافدون على لجان الاقتراع فرادى وجماعات لاختيار المرشح الذى يشعرون بقدرته على إدارة دفة أمور البلاد في هذه الفترة الصعبة، ولن تنفع حيلة المقاطعة الإخوانية، ولن تفيد مكايدة المرشح صاحب الهوى الإخوانى، وإن غداً لقريب.
وكانت جماعة الإخوان قد أطيح بها من حكم مصر عام 2013 إثر احتجاجات شعبية عارمة كان لها مسببات عدة تتوزع بين الفشل في إدارة شؤون الدولة ورفض كثير من القوى السياسية المصرية ما أسمته بـ”حكم المرشد” لمصر في إشارة إلى مرشد الجماعة، وقد صنفت الجماعة تنظيماً إرهابياً لاحقاً بعد ثبوت تورطها في أعمال عنف وإرهاب، فيما لا تزل تتمسك هي بأن ما جرى عام 2013 كان انقلاباً عسكرياً على سلطة شرعية منتخبة.